الشرطة بين مهمة ضبط الامن والسلوك المتحضّر

 

شبكة النبأ: يقترن إسم الشرطة بمهمة حماية الامن الداخلي للدولة، وهذه المهمة تتطلب خطوات عملية، فيها الكثير من الحزم والمتابعة والحد من الخروقات، التي قد يتسبب بها الافراد او الجماعات، والحزم كما هو معروف، يتطلب قرارات (عملية) لايشوبها التردد، وهو الامر الذي قد يقود الشرطة كجهاز أمني وكأفراد، الى تجاوز السقف المسموح به لمعالجة الخروقات، فيتحول الفعل الحازم الى تجاوز على الحريات.

إن الدول لا يمكنها الاستغناء عن مهام الشرطة، في ضبط الامن، وتحجيم الأعمال التي لا تلتزم بالقوانين، والاعراف السارية للمجتمع، ولكن الاشكالية التي غالبا ما يتسبب بها هذا الجهاز الامني، تتمثل بعدم معرفة الحدود التي يتعامل بها أفراد الشرطة مع المواطن، من اجل القيام بمهمة ضبط الامن، لدرجة أن الشرطي في بعض المجتمعات، قد يتحول الى أداة قمع مفرطة بيد الحكومة، أو بسبب تضخّم الذات، وهذا ما تعاني منه الشعوب، والمجتمعات، والحكومات، ذات الوعي المتدني بأهمية الانسان كقيمة عليا.

وحين يختار العالم يوما لمناهضة تعسفات الشرطة (15 مارس/ آذار الجاري)، فهذا الاختيار يدل على وجود تجاوزات، ترتفع فوق سقف الصلاحيات الممنوحة لرجل الشرطة فيبيح لنفسه ما لايمنحه القانون له، وخاصة في المجتمعات ذات الثقافات المدنية المحدودة او المتأخرة عن الركب العالمي في مجال احترام الحريات.

إن عامل الحزم في التعامل مع الخروقات الفردية والجماعية، مطلوب في تأدية الشرطة لمهامها، ولكن الحزم لا يعني التجاوز على الحدود المسموحة لرجل الشرطة، ولا يعطيه الحق في التجاوز على الكرامة الانسانية مهما كانت المبررات، فالانسان وحرياته ينبغي أن تكون في مأمن من التجاوز دائما، وهذا ما يحدث في المجتمعات المتطورة، والحكومات الديمقراطية التي استطاعت أن تبني أجهزة، ورجال شرطة، يتحلون بالسلوك المتحضّر المستمَدّ من سلوك المجتمع وثقافته.

هذا الامر ينبغي أن يدفع بالمعنيين، الى البحث الدائم عن الاساليب والطرق التي تزيد من وعي أجهزة، وافراد الشرطة، وتساعدهم على فهم واستيعاب الاساليب المدنية المتحضّرة، في التعامل مع الخروقات، ولايعني التعامل المتمدّن، تنازلا عن عامل الحزم الذي ينبغي أن يكون حاضرا، في التعامل مع التجاوز على القانون او الاعراف.

إنها عملية موازنة دقيقة بين أن يكون رجل الشرطة حازما، وبين أن أن يكون منظبطا في معالجة الخروقات والتجاوزات، فردية كانت او جماعية، وهذه الموازنة لايمكن تحقيقها او اكتسابها، إلا من خلال الدورات التعليمية العملية، لافراد الشرطة، على نشر وزرع ثقافة الاسلوب المتحضّر، في تأدية المهام والواجبات الامنية.

وهناك عنصر مهم آخر يعطي زخما لرجل الشرطة، في تحقيق الموازنة بين الحزم، والتحضّر في العمل، ذلك هو السلوك المجتمعي العام، بمعنى أوضح، أن المجتمع برمته يحتاج الى ثقافة التمدّن، لأن المجتمع هو الحاضنة الأهم لرجل الشرطة الذي يولد من رحم المجتمع نفسه.

لهذا على الحكومات، ومنظمات المجتمع المدني، والمؤسسات المستقلة، المعنية بهذا الامر، أن تتعاون فيما بينها، لبث ثقافة جديدة تسود مستويات المجتمع كافة، فهي السبيل الاول لانتاج رجل شرطة متحضّر.

وطالما أننا من الشعوب التي لاتزال تفتقد لثقافة التمّدن، التي تحترم الذات الانسانية بالدرجة الكافية، ولسنا هنا بصدد الخوض بالاسباب لضيق المساحة، فمن المتوقع أن يكون رجل الشرطة في مجتمعنا، ليس مستوعبا للسلوك المتحضّر، في تأديته لمهامه الامنية، وهذا لايلقي بالمسؤولية كاملة على عاتقه، إنما على المعنيين الذين عليهم أن يبحثوا في جذور المشكلة، والشروع بمعالجتها، وفقا لخطط علمية مدروسة مسبقا، تساعد رجل الشرطة، على أن يكون رجلا متحضّرا في تعامله مع الانسان، وكرامته التي ينبغي أن تكون محمية على الدوام، وأول من يجب عليه حماية كرامة الانسان هو رجل الشرطة.

ولكن لابد أن نمنح هذا الرجل اولا، فرصة التعلّم، والاستيعاب الكامل لثقافة التحضّر، والسلوك المتمدّن، من خلال الدورات النظرية العملية الناجحة في هذا المجال.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 16/آذار/2011 - 10/ربيع الثاني/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م