القوى السياسية العراقية واساليب الهروب من الازمة

تحقيق: عصام حاكم

 

شبكة النبأ: سبب من أسباب خروج منتخبنا العراقي من كأس اسيا في نسختها الاخيرة التي أقيمت في العاصمة القطرية الدوحة  هي غياب عنصر التكنيك والتكتيك العالي الذي اصبح بمتناول القوى السياسية بقدرة قادر بعدما استغنى عنه لاعبي منتخبنا الوطني لكرة القدم طواعية، واذا ما أردنا أن نفكك رموز ذلك الاصطلاح الرياضي من وجهة نظر رياضية وفنية على أقل تقدير وبحسب فلسفتنا المتواضعة في هذا الجانب ومن دون ان ندخل في خانة المزايدات المعرفية، التي تنبئنا بضرورة الاحتكام الى الظواهر اللفظية ونحسبها دعوة صريحة لتوزيع الجهد وحضور اللياقة البدنية على طول الشوطين والاحتفاظ بالكرة، وهذا ما حرصت على تطبيقه القوى السياسية العراقية فعلا ولكن على طريقتها الخاصة حتى يتسنى لها تحقيق شيئين مهمين وهما مواكبة الاحداث عن بعد وعدم تحمل المسؤولية الملقاة على عاتقهم أضف الى ذلك احتمالية تعاطفهم الوجداني مع النص الشعري القائل (في الهيجاء ما جربت نفسي... ولكن في الهزيمة كالغزال).

حيث يرى الاعلامي علي الطالقاني، لا شك ان من عوامل الفشل في ادارة الازمات هو التنصل عن المسؤولية، ولكن مع الاسف نرى المسؤول العراقي يرى في التنصل من المسؤولية ورميها على الاخرين، سلوك مبرر وقد يضعه في موضع ثقة وقوة عند الآخرين ولكن في علم الادارة ان هذا الاجراء يقع تحت بند قائمة اعذار الفاشلين، واعتقد لو كان المسؤول يخرج الى الناس ويقول هذا هو خطأنا ونتعهد بإصلاحه بفترة محددة اعتقد ان هنا موضع القوة فالاعتراف بالخطأ فضيلة، كما يزيد ذلك من ثقة المواطن ومن الممكن ان يمنح فرصة للمسؤول، لكن مانراه هو عكس ذلك تماما فهل يحسب المسؤول بان المواطن في منأى عن التفكير او بهذه الدرجة من الغباء هو ما ستكشفه الايام القادمة خصوصا مع قرب الانتخابات النيابية فهناك قوى مرشحة وهي الان تعقد اجتماعات وتنسيق لخوض المرحلة القادمة من اجل ادارة الدولة وهو ماسيجعل من كل هؤلاء المسؤولين الذين يتنصلون عن المسؤولية في ندم من عدم اتخاذ الاجراء الصحيح والاعترف بالذنب.

 فيما قال الاستاذ فاهم عزيز اكاديمي ومختص في مجال الادارة، أتمنى أن يسعفنا الحظ لنخرج من هذه الحسبة المعقدة ونحن مكللين بالنصر المئزر وأول تلك الارقام 440 وهو مجموع من تم تسميتهم بعضو مجلس محافظة في عموم القطر ما عدى اقليم كردستان أضف اليهم الرقم 43 وذلك تيمنا بعدد الوزارات التي تتشكل منها الحكومة العراقية الحالية أما بالنسبة للعدد 325 هذا الذي تحف به رعاية القوانين والتشريعات الصادرة وغير الصادرة لتحصنه من كل مكروه في هذه الدنيا والى ما بعد الممات وعندها فلنحمد الله سبحانه وتعالى كثيرا ونستعيذ به من شرور أنفسنا وشرور الشيطان كي لا يصاب الرقم 808 باي آذى لانه يمثل مجموع السادة المسؤولين الذين طالهم الرصد والاحصاء وبكل تفرعاتهم (غير الخشمك أذنك) كما يقول المثل الشعبي ممن يصنفون آنفسهم كنواب للرئاسات الثلاث ومعهم المستشارين والدرجات الخاصة ووكلاء الوزارات، وهذا ما حاولنا التواصل اليه في أثناء جولتنا التفقدية هذه للكشف عن مسار الاتهامات الصريحة للحكومة بالتقصير وضرورة ان تاخذ دورها على اكمل وجه، خصوصا وان من يطلق تلك الدعوات هم من بين المشمولين بالصفة الحكومية.

فمن هي الحكومة أيها السادة المنضوين تحت خيمة العدد 808 ؟ هل هو الاستاذ نوري المالكي فقط؟ واذا ما كان الامر كذلك فلماذا تتقاضون انتم الهبات والرواتب والمنافع الاجتماعية أذن؟  أم أنتم حكومة اذا ما كانت هنالك مغانم وغير ذلك اذا ما وقع تقصير؟ افيدونا افادكم الله ورعاكم من مكر الماكرين وحصنكم من الازدواجية والتلاعب بمشاعر العراقيين البسطاء.

من جهتها تصف عبير حسين عبد معلمة ابتدائية موجة الاتهامات المتكررة التي يلقاها شخص رئيس الوزراء تحديدا بانها مجرد مزايدات سياسية او دعايات انتخابية وهي لا تستحق المناقشة والطرح وهذا ليس بدافع المجاملة او المحاباة او الشخصنة كما يحسبه البعض بل!؟ فتقول، هي نوع من انواع الانصاف، ومن اجل ان نسمي الاسماء بمسمياتها من دون رتوش خصوصا واننا جميعا متفقين من حيث المبدأ على ان التظاهرات الشعبية التي عمت المدن العراقية هي حق مشروع  كفلة الدستور وان هنالك ثمة مطالب وحاجات ملحة هي التي أوحت الى خروج الناس للتعبير عن أرائهم ومحاسبة المقصرين، ولكن ما يعنيننا في هذا المقام هو تلك اللغة الدارجة والاسلوب غير الحضاري الذي يمتهنه بعض المسؤولين، وينم عن روح مريضة وشريرة وانهزامية لاسيما في اوقات الازمات عندما يراودهم شبح التنصل عن المسؤولية على الرغم من ان الدولة العراقية الحديثة هي عبارة عن مؤسسات مستقلة ابتداء من القضاء الى الاعلام الى الحكومات المحلية الى المؤسسة البرلمانية وحتى الاتحادات والنقابات هي الاخر تتمتع بكامل الحرية والاستقلالية، ولولا تلك الاستقلالية لما تطاول المدعو حسين سعيد رئيس الاتحاد العراقي لكرة القدم على ارادة الشعب العراقي وصادر قراره الوطني لسنوات طويلة وهو الذي كان حملا وديعا ولا يجرؤ على التفوه بكلمة واحدة امام من كان يشغل منصب رئيس اللجنة الاولمبية العراقية في الحقبة الماضية، وهذا أن دل على شيء فيدل على نضج التجربة العراقية وسلامة موقفها ورؤيتها بان المسؤولية واجب وطني يتحمله الجميع ومن غير المقبول ان نلقي باللائمة على شخص بعينه فجميع المشتركين في العملية السياسية اليوم هم في عداد المسؤولين، وخلاف ذلك المنطق فكأننا نعيد امجاد القائد الاوحد والالهة المقدس الذي كان يحكم العراق بقبضة من حديد ويتمتع بكامل الصلاحيات من دون يحاسبه كائن من يكون او يعترض على تصرفاته ولو هدم البيوت على رؤوس من فيها وقتل الناس وسلب الحريات الاعلامية وسيس القضاء وعزل من لا يحبه ومن يخالفه في الرأي وعندها يصبح هو المسؤول في اتخاذ القرار على اعتباره هو من يأمر وينهى ولا توجد سلطة اخرى فوق سلطته.

الا ان الاستاذ احمد صكب علق على هذا الموضوع قائلا، بدءا هناك ثقافة يرتكز عليها المثقف العربي وهي ان النصر له عدة اباء  والهزيمة لا يوجد لها اب مع شديد الاسف، وهذا يعني عندما يتحقق انجاز ما نجد من يتبجح علينا بانه هو صاحب ذلك الانجاز ولكن عندما يحدث خلل او اخفاق  الكل يتنصل عن هذه المسؤولية ويضع الكرة في ملعب الاخر، وعلى هذا الاساس يمكن ربط تلك الثقافة بما يجري الان في اروقة العملية السياسية الجارية في العراق رغم علمنا الاكيد بان التجربة العراقية وليدة وفتية وان بعض قادة هذا البلد لم يتبؤ مقاعد في السلطة من ذي قبل، ولكن هذا ليس بالمسوغ الشرعي الذي يسقط شبح الارباك الحاصل في مفاصل الدولة حتى نكاد أن لا نميز ما بين الصلاحيات المعطاة لهذا المسؤول أو المهام الملقاة على عاتق  المسؤول الاخر، وهي اشبه ما تكون بعملية التداخل واضح في عمل البرلمان وعمل الحكومة ايضا، لاسيما ونحن نسمع بان هنالك وزارات سيادية وأخرى غير سيادية وهذا في الواقع له افرازات سيئة ومضرة بكل معنى الكلمة رغم حيثيات النجاحات المتواضعة والبسيطة والخطى البطيئة التي حققتها الحكومة العراقية في بعض المرافق الاقتصادية والاجتماعية الا انها لا تلبي الطموح، الا ان ما يثير الحنك والامتعاض في الاوساط الشعبية والمثقفة هذه الايام هو تلك اللهجة التي تتبناها  الكتل السياسية وسعيهم الحثيث للوقوع في فخ الهروب من المسؤولية ومحاولة تظليل الرأي العام وكأن الحكومة هي عبارة عن شخص واحد او اثنين فقط وان الجميع تقع عليهم مسؤولية التفرج وعدم تحريك ساكن، علما بان حكومة الشراكة الوطنية مشكلة من وزراء وهؤلاء الوزراء هم اعضاء منتمين الى كتل واحزاب سياسية معروفة ولها حضور بارز على الساحة السياسية العراقية، وهي التي اوجدت فلسفة الشراكة الوطنية وخلقة الدستور من دون أن تراعي مسؤوليتها الوطنية في اجتثاث الكثير الكثير من القوانين والتشريعات الصدامية التي يتم تداولها الى الان وتحت مرأى ومسمع من اعاد صياغة ذلك الدستور، وهذا بطبيعة الحال قد يسقط فورة التصريحات غير المسؤولية التي تنادي بان الحكومة مقصرة او فاشلة لان المتحدثين انفسهم هم من جاؤوا بالحكومة وهم من رشحوا أولئك بالوزراء، أذن الكل يتحمل المسؤولية لان جميع الكتل ممثله بالبرلمان وممثلة بالحكومة وبالتالي عليهم تحمل المسؤولية وان لا نلتف على الالفاظ ونعيد ما أورده النص الشعري القائل (القاه في اليم مكتوفا وقال له.... اياك اياك ان تبتل بالماء).

في حين قال الشاعر والاعلامي سلام محمد البناي وهو مسؤول الاعلام والعلاقات في اتحاد وكتاب كربلاء، أعتقد أن الهروب من الأزمات ليس شعارا مقصودا ترفعه بعض القوى السياسية، بقدر ما هو واقع حال مفروض بغياب التنسيق والتفاهم على المصلحة العليا للبلد وبالتالي مصلحة المواطن، كما إن الأزمات السياسية والاقتصادية قد بدأت بعد التغير مباشرة وبصورة جلية وواضحة، ولكن الآن بدأت الصورة تتوضح حتى إن بعض القوى السياسية، قد اعترفت بوجود أخطاء كثيرة رافقت عمل الحكومات المتعاقبة،  ولكننا في كل يوم لنا أزمة من نوع خاص بسبب عدم وجود استقراء حقيقي للوضع الراهن، الا أني اعتقد بان كل القوى السياسية أصبحت اليوم تدرك إن حل الأزمات التي تعصف بالمواطن هي فرس الرهان على بقائها في الساحة من عدمه وهناك في الأفق تلوح بوادر تفاهم حقيقي على حل هذه الأزمات.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 15/آذار/2011 - 9/ربيع الثاني/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م