صلاة من اجل الفاسدين

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: احتج الحزب الشيوعي العراقي على قرار مجلس الوزراء بإخلاء المباني الحكومية التي يتخذها الحزب مقرا لفروعه. وكان وجه الاحتجاج ان الحزب احد الداعين والداعمين للتظاهرات المستمرة في العراق منذ الخامس والعشرين من شهر شباط الماضي.. وتم تفسير هذا القرار كوسيلة ضغط من قبل الحكومة على الحزب للتخلي عن مواقفه المؤيدة للتظاهر.

وغير ذلك سادت في الخطاب الاعلامي المناهض للحكومة تفسيرات لقلة اعداد المتظاهرين اجملتها الفضائيات العراقية (الشرقية – البغدادية – الرافدين) بعدة اسباب:

1-التضييق الحكومي على حركة الناس من خلال حظر التجوال كل يوم جمعة.

2-اخذ التعهدات الخطية المكتوية من قبل الاهالي بعدم الخروج للتظاهر.

3- التهديد بسحب البطاقة التموينية ممن يخرج الى التظاهر.

4- سحب هويات الاحوال المدنية من سكان بعض المناطق (ويتم عادة ذكر بعض المناطق ذات الكثافة السنّية مثل الطارمية- السيدية – ابو غريب – الفلوجة – صلاح الدين – هيت)، الى اخر المناطق.

التفافا على قرار الحظر المفروض ليوم الجمعة قرر المتظاهرون ان يغيروا يوم تظاهرهم فخرجت يوم الخميس ويوم الاثنين تظاهرتان وفسرت قناة الرافدين قلة عدد المتظاهرين بان الحكومة هددت بفصل اي موظف من عمله اذا لم يحضر الى الدوام وشارك في التظاهر.. وفات تلك القناة ان تفسر قلة عدد الحاضرين الى التظاهر من العاطلين عن العمل او المتقاعدين الذين لا يرتبطون بدوام رسمي خلال ساعات التظاهر، واضافت الى ذلك اصرارا عجيبا على ان اليوم الذي شهد هذه التظاهرة قد اعلنت فيه الحكومة حظرا للتجوال.

في اتصال هاتفي مع قناة الرافدين (وكانت في بث مباشر وعاجل باثر رجعي لاول تظاهرة) والحديث عن حظر للتجوال يوم الاثنين 7 / 3 / 2011 وقد ذكر المتصل ان لاوجود لمثل هذا الحظر المزعوم حيث ذهب الى عمله في الباب الشرقي وعاد منه الى سكنه في منطقة الكرادة.. قطع مقدم البرنامج الاتصال وقال ساخرا : لابد انك تتنقل بسيارة الشرطة.

كنت وقتها اتناول طعام الغداء وقد عدت قبل نصف ساعة من عملي وانا استغرب هذا الحظر للتجوال الذي تتحدث عنه تلك القناة التي يصفها بعض المتصلين بانها اشرف قناة عراقية ولا ادري ماهي علاقة الشرف بالبث الفضائي.

بالعودة الى الحزب الشيوعي وتفسيره لقرار مجلس الوزراء، واضيف اليه خطابات القنوات الثلاث السالفة الذكر، سؤال يطرح نفسه : ما هو المعيار الاخلاقي الذي يتحرك فيه المتظاهرون وتلك الفضائيات؟

لا اريد التسرع بالاجابة.. سأذكر بعض التفاصيل... احد القادمين من محافظة الكوت حيث تم احراق منزل المحافظ ومبنى المحافظة وتم السطو على محتويات المنزل.. خرج المتظاهرون وهو يحملون قطعا من الملابس الداخلية التحتية لنساء المنزل وهم يلوحون بها فخورين بما حصلوا عليه.

احد الاصدقاء من محافظة البصرة الذي يزور بغداد بين فترة واخرى اتصل بي، سالته عن طول غيابه هذه المرة اجابني بانه يحرس محل عمله خوفا من فرهود المتظاهرين.

وقد سبق ذلك نفاد قاطعات الاقفال من اسواق محافظات البصرة وكربلاء وبغداد حسب روايات عدد من الاصدقاء والوكالات الخبرية العراقية (موسوعة النهرين – السومرية نيوز).

بالعودة الى السؤال المطروح اضيف سؤالا اخر : كيف لنا ان نتعرف على المصلح الاخلاقي، وهو هنا من خرج متظاهرا يرفع شعارات محاربة الفساد والفاسدين والمفسدين، اضافة الى الجهات المنظمة للتظاهر..

من هو المصلح الاخلاقي؟

انه ذلك الانسان الذي يجني الفخر من جراء تعريفه بشكل علني لمظاهر الخير والشر، من المعروف في علم الاجتماع وفي التعاليم الدينية ان الانسان الذي يتمتع بالخلق يقوم باخضاع حياته الخاصة الى معايير الخير والشر بغض النظر عن اشباع رغباته او ملذاته.

اما المصلح الاخلاقي فهو يسعى لإخضاع حياة من يحيطون به لتلك المعايير ويستفيد من ذلك بان يجد نفسه في الجانب السليم من الحاجز الذي يفصل بين الخير والشر.. انه بهذه الخطوة يفرض وجوده ويعرّف بقيمته، كأن يجد متعة في داخله بتفوقه على الاخرين بتسليم اللص الهارب الى الشعب لتتم معاقبته من قبله.

 المصلح الاخلاقي يشبه في هذا ما نسميه احيانا المنافق.. عندما نشير الى خبثه وتمسكه بالشكليات او نزعته لتقييم من حوله بقسوة.. فما يدل على المصلح الاخلاقي ليس مضمون قناعاته انما الخطة التي يتبعها في تصرفاته، ضميره مرتاح واعماله تنشأ عن مبررات اخلاقية.

هل تريدون امثلة؟ انها كثيرة.. ولمسنا ذلك من كثير من النخب الثقافية العربية التي تحمل لواء الدفاع عن حقوق الانسان والدفاع عن الحريات ومحاربة الاستبداد وغيرها الكثير من الشعارات.

تفجيرات الزرقاوي في العراق مقاومة ضد الاحتلال، وتفجيراته في الاردن ارهاب.. وصدام حسين شهيد الامة، وضحاياه في العام 1991 غوغاء وخونة.. الثورة التونسية والمصرية نتعلم منها العبر والدروس الحضارية.. ومظاهرات البحرين طائفية تريد اقامة حكومة اسلامية تابعة لإيران.

تظاهرات مصر واليمن يباركها الله، والتظاهرات في السعودية محرمة لأنها ضد الناطقين باسم الله.. وغيرها من امثلة كثيرة.

هناك حقيقة تقترب من بديهيات الحياة التي اثبتتها تجارب الماضي والحاضر، وهي ان العمل الذي يقابل الشر ليس بالضرورة عمل الخير بل يمكن ان يكون عملا شريرا اخر.

لقد اثار كل من افلاطون والديانات السماوية مسالة الاخلاق.. لم يكتف السيد المسيح بتقديم النصح لإنجاز عدد من الاعمال الحميدة مثل الصدقة او الصلاة او الصيام لكنه اضاف قائلا : حذار القيام من الاعمال الخيرية رياء امام الناس لاستقطاب انتباههم والا فلن تنالوا المكافاة من ابيكم الذي في السماء. وقال كذلك : ان افعالنا تفقد هدفها السامي عندما تقترن برغبتنا في نيل الجزاء من الناس.

ان الطريق الى العمل الاخلاقي هو طريق منعزل وعندما تقرر سلوكه فلانه يحقق سعادة الاخرين التي هي في النهاية سعادتنا وليس سعيا من وراء الشهرة.

نعود الى اعتراضات المعترضين على اخلاء المباني الحكومية.. الا يعدّ التجاوز على الاملاك العامة للدولة فسادا يستحق محاربته بغض النظر عن الفساد الذي تعاني منه اجهزة تلك الدولة؟

ونصرخ بصوت عال بإذن الفضائيات التي ذكرناها سابقا، الا يعدّ الكذب والتزوير والضحك على عقول المشاهدين جريمة ينبغي محاربتها والتشهير بها؟ فالجريمة تبقى جريمة حتى لو ارتكبت جريمة ابشع منها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 14/آذار/2011 - 8/ربيع الثاني/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م