المظاهرات تعبير جماهيري عن الرأي

أديب عبدالقادر أبو المكارم

قرأنا في الصحف المحلية كثيرًا من الأخبار والتصريحات حول تحريم هيئة كبار العلماء للمظاهرات بشتى أنواعها حتى السلمية منها مهما كانت مطالبها. هناك مظاهرات خرجت تطالب بمطلب معين كالتي شهدناها في بعض المناطق للإفراج عن بعض السجناء سيما سجناء الرأي.

وهناك مجاميع دعت عبر صفحات الفيس بوك إلى مظاهرات عارمة هدفها تحقيق بعض المطالب الشبابية رغبة في إصلاح أوضاعهم كتأمين وظيفة مناسبة، وتحديد حدٍ أدنى للرواتب، والحد من العمالة الوافدة والتي تشغل مناصب ووظائف راقية في كثير من الشركات، وهناك من يطالب برفع الأجور والمرتبات، وإعطاء منح سكنية لكل عائلة.

 وهناك من يذهب إلى تطلعات أكبر وهي تغيير جذري في نظام الحكم سواء كانت المطالبة بمملكة دستورية أو تغيير في النظام السياسي بأن يكون الوزراء وأعضاء مجلس الشورى مثلًا منتخب من قبل الشعب، حتى يكون الشعب شريكًا في صنع القرار.

ومهما كانت هذه المطالب، ومدى شرعيتها، فإن مجلس هيئة كبار العلماء يحرمها، وكذلك نظام الدولة السياسي يرفض ذلك رفضًا باتًا ويعد العدة لفض أي نوع من أنوا ع المظاهرات.

وهنا لنا أن نطرح سؤلًا مهمًا، وهو لماذا يلجأ الناس إلى تحقيق مطالبهم بالمظاهرات؟

لم يعتد الشعب الخليجي، والشعب السعودي على وجه الخصوص بتحقيق مطالبه بهذا الشكل، وهذا المنحى، فهل هو يريد أن يتبع موضة المظاهرات ويتفاعل مع ما حصل في تونس ومصر وبقية الدول التي تشتعل الآن إلى تحقيق آمالها وتطلعاتها؟

لا يبدو لي ذلك فهناك شرائح كثيرة من الشعب ترى أن هناك بعض الفوارق بين وطننا وبين الدول الأخرى، هذه الفوارق تضعها نصب الأعين وترى أن نتيجة تحقيق المطالب قد تكون خاسرة إذا ما استخدمت وسيلة المظاهرات.

فإذًا هناك أمر ما حدا بالشعب السعودي إلى التلويح باستخدام وسيلة المظاهرات لتحقيق تطلعاته. ويبدو لي أن الأمر الأساس في القضية هو رؤيتهم إلى أن المظاهرات قناة فاعلة وقوية لإيصال صوتهم إلى أصحاب القرار في الدولة، حيث أن القنوات التي قد يلجأ إليها الشعب لإيصال صوته هي:

ـ حديث المجالس والمنتديات والتي سئم الناس منها، وما عادوا يرون فيها أي نوع من الجدوى، وإنما هي اجترار للغبن، وزيادة في الكرب.

ـ كتابة رأيهم في مقالات تنشر في مواقع الانترنت وهذه الوسيلة قد تكون غير فاعلة لأن المواقع عادة ما تحجب رسميًا من قبل مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم التقنية، والتي تتعمد متابعة دورية للحجب.

ـ اللجوء إلى الصحف المحلية وإن كان ينشر فيه بعض الشيء إلا أنها في أغلبها تكون مجيرة ولا تنشر بالشكل المطلوب، وما عاد الشعب يشعر بأنها توصل رأيهم لأهل القرار.

ـ الذهاب إلى أصحاب القرار في الدولة أنفسهم (بهدف المناصحة)، وهذا صعب حيث يسبب طوابير طويلة أمام مقر كل إمارة وكل محافظة وكل دائرة، ويشغل المسؤولين والشعب ويحتاج إلى إجراءات طويلة وتكاليف مالية في بعض الأحيان.

ـ فيبقى خيار الموت كمدًا والانتحار كما حصل للشاب التونسي (محمد البو عزيزي) وغيره، أو الخروج للمظاهرات حتى يصل الصوت إلى أعلى مسؤول في الدولة، بل إلى العالم كله.

ولأن الدولة لا ترى شرعية ونظام المظاهرات، وكذلك رأي الجهة الشرعية في الدولة، واقتناع مجموعة من شرائح الشعب بعدم جدوى المظاهرات فعلى الدولة أن تهتم بتوفير قنوات التعبير عن الرأي حتى لا يشعر الشعب بالكبت، فالكبت يولد الانفجار.

لذلك ينبغي أن تكون المساحة الإعلامية أكثر حرية وتستوعب نبض الشارع، سواء كانت الصحف أو القنوات الفضائية المحلية.

 كذلك عدم التضييق على مواقع الإنترنت، ومنح فسح إعلامية لصحف ومجلات جديدة لمختلف أطياف الشعب حتى يستطيع الكل التعبير عن رأيه، وهذا لصالح الجميع. نقد الشعب للدولة، ومعالجة الدولة هذا النقد يحقق نجاحها على المستوى المحلي والدولي.

نحن نتمنى من الدولة أن لا تتأخر في تحقيق المطالب الأساسية للشعب حتى لا يلجأ الناس إلى المظاهرات ظنًا منهم أنها الوسيلة الأنجع. الكل يتمنى استقرار الدولة واستتباب الأمن، فليس هناك من يرغب في الفوضى والخسائر البشرية، وإنما يتطلع الجميع إلى عيشة كريمة تناسب الوضع الاقتصادي والسياسي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 14/آذار/2011 - 8/ربيع الثاني/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م