سبق وان أكدنا على أن تزامن الثورات العربية ووجود كثير من القواسم
المشتركة بينها لا ينفي وجود خصوصيات تميز كل ثورة عن الأخرى، وبالتالي
ليس بالضرورة أن تكون ثورة شباب فلسطين تقليدا للثورات الأخرى لعدة
أسباب أهمها أن المبدع لا يقلد وشباب فلسطين كانوا مبدعين للفعل الثوري
والانتفاضي من خلال انتفاضة 87 وانتفاضة الأقصى 2000 وهي ثورات شعبية
قادها الفتيان والشباب من حملة الحجارة وراميي المقلاع قبل أن تخرب
الأحزاب هاتين الانتفاضتين، أيضا لا يمكن أن تكون ثورة شباب فلسطين
استنساخا للثورات العربية لأن فلسطين خاضعة للاحتلال والاحتلال هو
العدو الأول والشباب يدركون ذلك، ولان الشباب يريدون إنهاء الانقسام
الذي يَحوُّل بينهم وبين مواجهة الاحتلال فإنهم لا يرومون إسقاط حكومات
وأنظمة بل تصحيح مسار حركة التحرر الوطني التي أخرجتها الأحزاب عن
مسارها عندما سعت لسلطة تحت الاحتلال بدلا من مقاومة الاحتلال.
لأن الثورة هي الوضع الطبيعي للشعب الفلسطيني الخاضع للاحتلال، ولان
غالبية الأحزاب انحرفت عن نهج الثورة والجهاد، ولان الشباب طليعة الأمة،
فقد قرر شباب فلسطين الذين يمثلون أغلبية الشعب أخذ دورهم في النضال
الوطني وإعادة الأمور إلى نصابها والقيام بثورة على الانقسام. إلا أنه
ما أن أعلنت مجموعات شبابية فلسطينية رغبتها في الخروج بثورة لإنهاء
الانقسام حتى ساد الارتباك الحكومتين والسلطتين والأحزاب اعتقادا منها
أن ثورة الشباب ضد الانقسام تعني ثورة ضد مسببي الانقسام من الأحزاب
السياسية والتشكيلات التي تؤطر النظام السياسي الفلسطيني.
تجاهلت الأحزاب في البداية دعوات شبابية للثورة، وعندما تأكدت من
جدية الدعوات وبداية التحرك في هذا الاتجاه أعلنت مضطرة تأييدها للشباب
ولكنها في نفس الوقت بدأت ومعها جماعات مستقلة ومؤسسات مجتمع مدني
تحركات مشبوهة للتدخل في حركة الشباب وركوب الموجة بتجيير هذه الثورة
لخدمة مصالحها، أو لإجهاض الثورة قبل أن تبدأ.
الإعلان عن تأييد ثورة الشباب لم يمنع الأحزاب من تنصيب نفسها كناصح
وموجه، مبدية تخوفات على ثورة الشباب وهي في الحقيقة تخوفات من الثورة
وليس عليها، تخوفات أقرب للاتهام والتشكيك، تخوفات وتشكيك لا تعبر عن
حرص على المصلحة الوطنية بقدر ما تعبر عن خوف على المواقع والمصالح
التي رسخت خلال سنوات الانقسام. من هذه التخوفات أن الشباب يقلدون
الثورات التي جرت وتجري في تونس ومصر وليبيا وأن الحالة الفلسطينية
مختلفة عن غيرها من الحالات، أو أن الشباب غير مؤهلين لقيادة ثورة
والتعامل مع تداعياتها ونتائجها، ومنها خوف كل حزب من الحزبين الكبيرين
-فتح وحماس –وخصوصا من حماس، أن تكون الثورة موجهة ومدفوعة من الحزب
المنافس، أيضا تخوف الأحزاب أن تسحب ثورة الشباب شبابهم وتدفعهم للتمرد
عليهم الخ.
بسبب هذه التخوفات بدأت أحزاب ومؤسسات مجتمع مدني موالية لها أو
مدفوعة من طرفها تدخل على خط ثورة الشباب بتشكيلها مجموعات شبابية خاصة
تدعو للثورة أو للخروج للشارع تحت عناوين مختلفة كشعار الثورة لإنهاء
الاحتلال أو الثورة ضد الفيتو الأمريكي أو الثورة على السلطة أو الثورة
لإسقاط أوسلو أو الثورة لكسر الحصار أو شعارات تجمع كل هذه العناوين،
في مواعيد مغايرة للجدول الذي وضعته المجموعات الشبابية الأولى
والمستقلة.
إن هذا التصرف من الأحزاب يهدف لإرباك الشباب وتفتيت الكتلة
الشبابية وتحويل تحركهم أو ثورتهم إلى تحركات احتجاجية روتينية مما
سيُفقد المبادرة الشبابية زخمها وأهميتها. وقد سبق وان رأينا بؤس
التحركات والمسيرات الاحتجاجية التي تنظمها الأحزاب.
لا نشكك بوطنية الأحزاب ولا بما قدمت من تضحيات ولكن الأحزاب وصلت
لطريق مسدود وقدمت ما تستطيع ولم يعد بإمكانها تقديم المزيد بسبب
بنيتها التنظيمية وارتباطاتها الأيديولوجية والسياسية وشخصنتها حيث
غيَّبت القيادات الحزب وغيَّب الحزب الوطن الخ، كما أن الشعب في العالم
العربي من حولنا يثور ووضعه أفضل بكثير من أوضاعنا.
كما أننا لسنا ضد مشاركة القطاع الشبابي والطلابي في الأحزاب في
ثورة الشباب، ولكن، لماذا الآن اكتشفت الأحزاب أن عندها قطاع شبابي
يمكنه القيام بمبادرات قيادية؟ ولماذا لم تمنحهم دورا في القيادة
والتوجيه خلال عقود من سيطرة قيادات شاخت وأفلست وفشلت في التعامل مع
قضايا الشباب ومع مجمل القضية الوطنية؟ وهل الأحزاب التي فشلت في إنجاز
المصالحة وإنهاء الانقسام وفشلت في التوصل إلى قيادة وحدة وطنية
وإستراتيجية وطنية يمكنها توحيد قطاع الشباب تحت عنوان موحد؟ وهل ستسمح
الأحزاب الوطنية والدينية للشباب بالخروج في ثورة أو مسيرة موحدة تحت
علم واحد هو علم فلسطين أم سيكون لكل مجموعة شبابية علم حزبها؟.
كل الشعب الفلسطيني في الوطن و الشتات يؤيد خروج الشباب للشارع في
ثورة عنوانها إنهاء الانقسام، وليس المهم كم عدد الذين سيخرجون أو
المدى الزمني الذي ستأخذه الثورة أو ما يمكن أن تحقق من أهداف... المهم
أن يأخذ الشباب دورهم ويُسمِعوا العالم صوتهم وهم أغلبية الشعب
المتضررة من الاحتلال والمتضررة من الانقسام. نعم من حق الشباب بل واجب
عليهم أن يقودوا المرحلة أو على الأقل أن يكونوا من صناع القرار بعد
سنوات من المراهنة على أحزاب وحركات أدت بقضيتنا الوطنية للتهلكة
واستعملت الشباب كوقود لنار شهواتها ومطامعها ومصالحها وأجندتها
الخارجية. من حق الشباب التمرد على حالة العبودية التي تمارسها عليهم
الأحزاب والفصائل والحركات، هذه الأخيرة التي استعملتهم ليفجروا أنفسهم
ويقوموا بعمليات استشهادية أو إطلاق صواريخ من أماكن خطرة أو الاشتباك
مع إخوانهم من شباب الفصائل الأخرى الخ من اجل أن يتموقع من حرضهم على
ذلك كوزراء ونواب تشريعي وقيادات سياسية تصول وتجول في الوطن المحتل
وفي الخارج في مواكب ملوكية.
لم يقدم شبابنا حياتهم خلال انتفاضة 87 وانتفاضة الأقصى حيث استشهد
الآلاف منهم ودخل السجون آلاف أخرى وجُرح وقطعت أوصال آلاف أخرى الخ من
اجل أن يستقر الأمر على تخبتين وسلطتين وحكومتين تستمد بقاءها من
مهادنة الاحتلال والسكوت على جرائمه في الضفة وغزة.
من حق الشباب ولو مرة واحدة أن يكونوا أصحاب قرار ويجربوا
إمكانياتهم وأفكارهم وليس مجرد مشاريع شهادة مدفوعة الثمن تخدم مصالح
نخب وأحزاب لا مصلحة الوطن، من حق الشباب أن يتمردوا على وقوفهم في
الطوابير للحصول على كوبونة أو استجداء هذا المسئول أو ذاك للحصول على
وظيفة أو مساعدة أو منحة دراسية، من حق الشباب وواجب عليهم أن يخرجوا
في ثورة ويعبروا عن مواقفهم من تلقاء أنفسهم دون توجيه ووصاية من
الأحزاب ودون انتظار مقابل مادي لخروجهم، وخصوصا أن غالبية الأحزاب
باتت عالة على الوطن وعاجزة عن إبداع أي جديد للخروج من الأزمة إلا
تكرير نفس الخطاب الممجوج والخشبي الذي لم يعد يُقنع أحدا.
عندما احرق الشاب البوعزيزي خريج الجامعة العاطل عن العمل نفسه في
تونس لم يكن يعرف أن تضحيته ستؤدي لثورة كل شباب تونس ثم رحيل الطاغية،
وعندما قرر بعض شباب مصر الخروج للشارع احتجاجا على الأوضاع لم يكونوا
متأكدين أن خروجهم سيتحول لثورة عارمة تجبر الرئيس على التنازل عن
السلطة ثم تجبر الحكومة على الاستقالة وتؤدي لتعليق برلمان مزور
ومحاكمة وزراء ومسئولين كبار. شباب تونس ومصر وليبيا خرجوا لأنهم لم
يعودوا قادرين على الاستمرار بالمراهنة على النظام والأحزاب والنخب
التي شاخت وفسدت، ولأنهم أحسوا أن الشعب يريدهم أن يتحركوا ولم يخيب
الشعب آمالهم فخرج عن بكرة أبيه مساندا لهم.
على شباب فلسطين أن لا يترددوا وألا ترهبهم الأحزاب أو تغريهم
وعليهم أن لا يخافوا من السلطة والحكومة ولا من استدعاء يأتيهم من
أجهزة أمن باتت وظيفتها حفظ امن وحدود الاحتلال وامن قادة الأحزاب وليس
امن الوطن، امن الوطن لا يتحقق إلا بإنهاء الانقسام. التحولات والثورات
التي يشهدها العالم العربي وحالة الهزيمة الداخلية التي تعيشها
السلطتان في غزة والضفة يجعلهما أجبن من أن يواجهوا الثوار بالحديد
والنار، إن قمع ثورة شبابية سلمية لإنهاء الانقسام معناه أن القامعين
للثورة مستفيدون من الانقسام وراغبون في ديمومته. مع افتراض إقدام
الأجهزة الأمنية سواء في غزة أو في الضفة على مواجهة الشباب فهذا حافز
لمواصلة المسيرة، فلا حرية بدون ثمن، وإن كانت فتنة الانقسام قبل وبعد
يونيو 2007 أسقطت ضحايا فإنهاء الانقسام يستحق سقوط شهداء، نعم نحن
اليوم بحاجة لشهداء الكلمة وشهداء إنهاء الانقسام.
وأخيرا نقول للشباب أنتم أملنا ومستقبلنا فلا تترددوا في حمل الراية
وتَحَمُل المسؤولية، عندما تخرجوا في ثورتكم المباركة في الضفة والقدس
وغزة وفي جميع مناطق الشتات معناه أنكم تؤسسون لعهد جديد لحركة التحرر
الوطني، ثورة الشباب هي ثورة كل شاب وشابة، ثورة كل جريح ومصاب ومعاق،
ثورة كل أسير ومحرر وبالتالي ثورة كل أبن وأخ ووالد ووالدة وزوج وزوجة
كل أسير وهناك أكثر من عشرة آلاف أسير، ثورة كل خريج جامعي عاطل عن
العمل وهناك ثلاثون ألف خريج جامعي بدون عمل، ثورة كل عاطل عن العمل
وغالبية الشعب تعيش بطالة فعلية أو مقنعة، إنها ثورة كل فلسطيني أهان
الاحتلال والانقسام والحصار كرامته.
Ibrahem_ibrach@hotmail.com |