هل انتهى عصر المثقف؟

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: المثقف قائد فكري، له قصب السبق في تحشيد الطاقات البشرية ذات الطابع الفكري والادبي والتعليمي، ومن ثم بلورتها، وإحالتها الى منتَج عملي شاخص، ومؤثر في حركة الافراد والشعوب، ومساراتها في الانشطة السياسة والاقتصادية والتعليمية، وفي بلورة وتطوير أنماط العيش أيضا، والتدخل في ميادين الحياة الاخرى ورسم تحركاتها واتجاهاتها.

وهذا الاستنتاج وليد التجارب القريبة التي تدخَّل فيها الفلاسفة والمثقفون والكتّاب لصنع الحياة، فارتقوا بشعوبهم الى مراتب عليا، وفي مثال قريب على ذلك، وبنظرة سريعة الى حياة جان جاك روسو (28 يونيو 1712-2 يوليو 1778/ سويسرا) سنكتشف بأنه كان أهم كاتب في عصر العقل، وهي فترة من التاريخ الأوروبي، امتدت من أواخر القرن السابع عشر إلى أواخر القرن الثامن عشر الميلاديين، وقد ساعدت فلسفته وأفكاره في تشكيل الأحداث السياسية، التي أدت إلى قيام الثورة الفرنسية، حيث أثرت أعماله في التعليم والأدب والسياسة.

وقد تولّدت أهمية روسو من قدرته على التأثير في الشارع، ثم تحشيد الطاقات وتوجيهها نحو تحقيق حياة الامة المرفّهة، وثمة غيره من الكتاب والفلاسفة والمثقفين من ترك تأثيره الواضح في تقديم العون الفكري والثقافي عموما لشعبه، فأتاح له فرصة التحول من خانة الجهل والتردّي، الى خانة النور والتطور، وهذا دليل قاطع على مدى التأثير الكبير الذي تركه المفكرون والمثقفون في مجتمعاتهم، ودفعها مراحل مهمة الى أمام.

على الصعيد العربي سنجد – في حقب مضت- تأثيرا من هذا النوع، أعطى للكاتب المثقف، دورا رياديا في التحكم بتوجهات المجتمع ومساراته، وكان لبعض المثقفين العرب – الراحلين- قدرات فكرية تتحكم في صناعة الحركة الشعبية سياسيا واخلاقيا، وتسهم الى حد كبير في حشد الرأي ومراكمته تباعا وعلى نحو مستمر، من أجل التأثير الأكبر في الافراد والجماعات، لتحقيق الهدف المطلوب، سواء كان سياسيا او غيره.

وفي نظرة لما تنطوي عليه ساحة الواقع العربي الراهن، سنلحظ تراجعا لدور المثقف والمفكر وحتى الفيلسوف، في بلورة الاحداث وتوجيهها في المسارات السليمة، حيث تمسك مجاميع الشباب العربي الناهض، بزمام المبادرة والتوجيه، وهم يقودون الحراك المجتمعي عبر الفيس بوك، تاركين لأصحاب الدور الاهم، مهمة التفرج على ما يجري في الدول العربية من انتفاضات بركانية جديدة من نوعها على منطقة الشرق الاوسط وربما العالم، لدرجة ان احد القادة الامريكان الكبار (جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي) وصف لحظة تنحي حسني مبارك عن الحكم بسبب ضغط الانتفاضة الشعبية بأنها لحظة محورية في مصر والشرق الاوسط.

هذا ما بادر به الشباب العرب باعتمادهم تقنيات الاتصال المعاصرة التي لايستطيع الحاكم العربي المتسلط مهما أوتي من جبروت او قوة أن يمنع استخدامها لتنسيق الانتفاضات الشبابية والشعبية في العالم الافتراضي الذي سرعان ما تحوّل الى عالم واقعي ملتهب أسقط عروش عربية عتيدة ولا يزال يأتي على عروش اخرى ينظر المتربعون عليها بخوف وهلع ودهشة لما أحدثه شباب الفيس بوك.

في هذا الوقت يقف المثقف والمفكر والفيلسوف العربي متفرجا، ومتخليا عن دوره الريادي، مبتعدا عن ذلك الدور الذي كان سببا في اندلاع الثورة الفرنسية وتحوّل العالم الى عصر التقانة حيث تنعم البشرية الآن بنتائج تلك الثورة التي مهّد لها وأنتجها الفكر والفلسفة والثقافة التي أخذت دورها كما يجب، الامر الذي يحيلنا الى تكرار التساؤل، تُرى هل انتهى عصر المثقف/ المفكر/ الفيلسوف/ العربي؟.

يبدو ان الاجابة ستأتي بالايجاب في ظل الوقائع الشاخصة التي تشير الى تراجع دور الثقافة والمثقفين العرب ليس الى مرتبة أدنى، بل الركون الى حالة التفرّج من بعيد بانتظار ما ستأتي به انتفاضات شباب الفيس بوك العربي الذي تشير الشواهد الى أنهم عقدوا العزم على أخذ دور الثقافة والمثقفين والشروع بإسقاط أنظمة التسلط والقمع التي بدأت تتهاوى تباعا بمعزل عن أي دور ملحوظ للكتّاب والمثقفين، ما يدفعنا للقول بلا تردد: لقد انتهى عصر المثقف العربي فعلا!!

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 8/آذار/2011 - 2/ربيع الثاني/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م