شبكة النبأ: يلجأ القادة المحنكون
لأساليب عملية متعددة لكي يتحقق لهم النجاح في قيادة الجماهير من خلال
تنظيم طاقاتهم وتوجيهها في المسار الصحيح عبر انتهاجه لبرامج وخطط
فاعلة، ومنها وربما أولها اعتماده على الكفاءات وتوظيفها في صالح دولته
في مجالات الحياة كافة، وهذا الامر يتطلب حكمة عالية لايتميز بها سوى
القادة الذين يتمتعون بسملت قيادية تؤهلهم للنجاح الاكيد في قيادة
الجماهير.
ولو حاولنا تفسير الحكمة في اتخاذ القرارات لتنظيم أنشطة المجتمع
فإن السلوك العقلي الحكيم سوف يتقدم كل الافكار والافعال الدافعة
لاتخاذ القرار، لأن العقل هو الاساس الذي تتم فيه عملية دراسة وفهم
واتخاذ القرار من لدن القائد السياسي أو القائد المنظّم لحركة الجماهير.
وفي هذا الصدد يقول الامام الراحل، آية الله العظمى السيد محمد
الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه الثمين الموسوم بـ(السبيل الى
إنهاض المسلمين):
(لقد قسم الله – العقل- بين عباده.. وعلى الإنسان أن يضم عقول
الآخرين إلى عقله حتى يتجنب المزالق، ويهتدي إلى سواء السبيل).
وتجنب المزالق والاهتداء الى سواء السبيل هو ما ينبغي أن يضعه
القائد كخطوة اولى لحركته في الفكر والفعل معا لأن الانحراف عن الطريق
السليم لا يتعلق بشخصه كما هو الحال مع الافراد العاديين، بل يتعلق
بواقع ومصير أمة أو شعب كامل، ولهذا ينبغي توخي الحذر في اتخاذ القرار
او في جميع الانشطة القيادية التي تنظم حياة المجتمع.
ولكن من الذي يمتلك قدرة النصح والمساعدة على انتهاج الطريق الصواب
عن سواه ؟ إنهم أصحاب الكفاءات، فهم من يتمتعون بعقول راسخة لها القدرة
على التمييز والتصويب وإعطاء العلامات والاشارات الصحيحة التي تدل على
النجاح من غيره، أما الترفع عن الأخذ بدور الكفاءات الحقيقية وآرائها
النافذة فيما يخص تنظيم طاقات الجماهير وتوجهاتها، فهو طريق الهلاك
بالنسبة للقائد.
وكما يقول الامام الشيرازي بكتابه نفسه:
(من الضروري أن يكون التنظيم استشارياً، لا استبدادياً، فالاستشارية
ما وضعت على شيء إلا سببت تقدمه وازدهاره، بينما الاستبداد ما وضع على
شيء إلا سبب تأخره وانهياره).
بمعنى أوضح أن النهج الاستشاري (الديمقراطي) هو من سيفتح الطريق
أمام قدرات القائد والجماهير معا نحو تحقيق الاهداف المشتركة، وقد أورد
الامام الشيرازي في كتابه (السبيل الى إنهاض المسلمين) شاهدا تأريخيا
يؤكد فيه على أهمية دور الكفاءات والخبراء في إسناد القادة وكبار القوم
على النجاح في مهامهم كما نقرأ في هذا الخصوص:
(وقد ذكر المؤرخون: إن إحدى القبائل العربية ـ قبل ظهور الإسلام ـ
كانت موفقة في أمورها: في سياستها، واقتصادها، وحربها، وسلمها، وغير
ذلك.. وعندما سألوا كبيرهم عن سر نجاح هذه القبيلة، أجاب: إننا لا نقدم
على أي عمل إلا بعد أن نستشير الخبراء، ونأخذ بأفضل الآراء، وبذلك تقل
أخطاؤنا، ويزداد تقدمنا).
أما حين يحدث العكس، أي في حالة إهمال القادة للكفاءات والخبراء في
التعامل مع طاقات الجماهير وتنظيمها، والانشغال بالفساد واللهو واللهاث
وراء المنافع والنفوذ والجاه وسواه من الصغائر، فإن النتائج الحتمية هي
نبذ الجماهير لمثل هؤلاء القادة، كما نقرأ ذلك في كتاب الامام الشيرازي
نفسه:
(إن القائد لو ارتمى في أحضان الفساد، والارتشاء، والاختلافات،
والميوعة الخلقية، سقط عن عين الجماهير وانفضّ الناس من حوله،
والجماهير لا تسلم زمام أمرها إلا إلى القائد النزيه).
ويؤكد الامام الشيرازي على الصفات التي لابد للقائد أن يتحلى بها،
والتي في حالة فقدانه لها فإنه لن يجد من يسير خلفه من الجماهير، إذ
يقول الامام في هذا الصدد:
(إن الذي يريد أن يقود الجماهير يجب أن يضبط أعصابه ويحفظ لسانه
وعينه وأذنه وقلبه ولا يقدم على الدنيا).
أما القائد الذي يضع بينه وبين الجماهير حواجز تعيق التفاعل
والتواصل بين الطرفين فإنه سيجد صعوبة بل استحالة في اداء دوره القيادي
كما ينبغي، ولابد أنه سيتعرض الى الاهمال من لدن قبل الجماهير كما
يهملهم هو، فلكل فعل رد فعل مقابل، وهو ما تقوم به الجماهير في حالة
ترفّع القائد عليها، كما نقرأ ذلك في كتاب الامام الشيرازي نفسه:
(من احتقر الناس احتقر، ومن اتهم اتّهم، ومن ظن بالناس سوءً ظنّوا
به السوء، ومن دخل مدخل السوء تجنب منه الناس، فالواجب على القيادات
التنظيمية أن يربوا تنظيمهم على احترام الناس وإكرامهم بقضاء حوائجهم،
وعدم بناء الحواجز دونهم ـ إلا بالقدر الضروري ـ واستيعاب طاقاتهم
لتنمو وتتوسع). |