الإجماع الشعبي ملزم شرعيا وقانونيا

مير ئاكره يي

الإجماع هو أحد المصادر الأساسية للتشريع في الاسلام. ويأتي الإجماع في المرتبة الثالثة للإجتهاد التشريعي، أي بعد الكتاب الكريم – أي القرآن – والسنة النبوية. والمصدر الرابع والأخير هو القياس كما عند مذهب أهل السنة والجماعة، أو العقل كما عند مذهب الشيعة الإمامية الإثنا عشرية.

والإجماع معناه الإتّفاق الكُلّي الجمعي، أو الغالبية من الفقهاء والعلماء المسلمين في العصور السالفة، أو الحالية على الإجتهاد والفُتيا بتحليل، أو تحريم، بجواز، أو عدم جواز أمر ما. وبعدها يصبح – شرعا – هذا الإجماع التحليلي، أو التحريمي ملزم على كل مسلم وجب عليه قبوله والعمل به واتباعه وإلاّ يكون آثما من الناحية الشرعية.

 وللإجماع بعد هام آخر هو ؛ اذا أجمعت واجتمعت واتفقت الأمة المسلمة، أي شعوبها وقومياتها على أمر مشروع ما فإنه حينذاك يكون ذاك الإجماع الأممي ملزم على الرئيس ونظامه للأخذ به وقبوله والخضوع له، ولو كان ذلك الإجماع يدور حول عزل وتنحية الرئيس العام للأمة الاسلامية من منصبه الرئاسي. وإن لم يفعل يكون آثما على المستوى الشرعي، مضافا أنه في هكذا حال فإنه بلا ريب تسقط عنه الأهلية والمشروعية، وحينها يجب إعتقاله وتقديمه الى العدالة القضائية لمحاكمته جرّاء خلافه ومخالفته الإجماع الأممي.

وفي هذا قال رسول الله محمد [ ص ]: { لاتجتمع أمتي على ضلالة }. وهذا هو أحد مفاهيم نظام الشورى / الشورية في الاسلام والديمقراطية بالمفهوم المعاصر. ذلك أن الاسلام قد جعل الناس – الشعوب والقوميات – هم الأصل والجوهر والمركز والفصل والفيصل والحكم والإحتكام اذا ما أجمعوا حول قضية ما !.

أما في العصر الحديث فإن الإجماع الشعبي، لشعب من الشعوب، وفي أيّ قطر وبلد من بلاد العالم على أمر ما يُعتبر حُجة وقانونا مُلزما للحاكم والحكومة والبرلمان. وفي هذه الحال وجب على الرئيس الحاكم القبول والإمتثال لهذا الإجماع الشعبي. وإن لم يفعل فإنه يُعدّ خارجا على القانون ومشروعيته الشعبية الإجماعية، وعندها ينبغي عزله وتنحيته من سُدة الرئاسة والزعامة وتقديمه للعدالة، لأنه خرق القانون وناقض العدالة وتمرّد على الإجماع الشعبي، لأجل سلطته وزعامته ومآربه الشخصية والمادية وغيرها. ولو أن الرئيس كان قد انتخب سابقا في انتخابات عامة !.

لقد أخذ الغرب منذ عدة قرون بالديمقراطية ومفاهيمها ومبادئها نظريا وعمليا – تطبيقيا، على صعيد الحكم والحاكم والحكومة والتداول السلمي الحضاري الانتخابي للحكم والرئاسة والحرية والعدل الاجتماعي والمساواة والثروات الوطنية وغيرها فنجح وأفلح في حلّ أقدم وأخطر معضل في التاريخ الى درجة كبيرة.

 بالحقيقة فإن هذه المفاهيم والقيم تتطابق الى حد كبير مع قيم الشورية الإلزامية الاسلامية [الشورى في الفقه السياسي الاسلامي هي شورى مُلزمة للحاكم وليست إستشارية] ومفاهيمها. والغرب بتطبيق مفاهيم الديمقراطية ومبادئها وإنزالها على أرض الواقع فتطبيقها عمليا قد عالج الى حد كبير الكثير من المعضلات والمشاكل المذكورة من ناحية، ومن ناحية ثانية فإنه طوت مسافات طويلة في التقدم والتطور والازدهار والرخاء، ومن ناحية ثالثة فإن في هكذا نظام لايتمكّن الحاكم والوزراء والمسؤولين وأتباعهم من الاستبداد والظلم والإستعلاء والتلاعب بالحكم والإختلاس والنهب لثروات الوطن وخيراته الوفيرة، حيث هي بالأساس ملك للشعب كله !.

وعليه فإني أعود لأكرّر إن الإجماع الشعبي – الجماهيري في أيّ بلاد كانت من العالم هو المصدرية والمرجعية والمشروعية في قضايا السياسة والحكم والحاكم والانتخاب والعزل والتنحية.

ولو أن الدكتاتور المصري المستبد الرئيس حسني مبارك رئيس جمهورية مصر العربية قد قبل بالإجماع الديمقراطي الحضاري السلمي الشعبي للشعب المصري لتمكّن من تجنيب مصر وشعبه من كل ما يعانيهما الآن، ومن الأخطار المحتملة والعواقب غير المحمودة أيضا !.

 ولنضرب مثالا آخر هو: لو أن الشعب الكوردي في إقليم كوردستان رأى من المصلحة العامة أن يقود إجماعا حضاريا وسلميا شعبيا للتغيير والإصلاح الديمقراطي على مستوى الرئاسة والحكم والحكومة والبرلمان ضد المحسوبية والاستبدادية والفساد الاداري والسياسي والاقتصادي وغيره، فهل سيخضع السادة القادة في الاقليم لهذا الإجماع الشعبي الحضاري السلمي الديمقراطي الراقي ويقبلونه بروح رياضية، وبرحابة صدر، وبروح ديمقراطية وحضارية راقية!!!؟. سأترك الجواب للقراء الكرام وللمستقبل أيضا.

* كاتب بالشؤون الاسلامية والكوردستانية

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 5/آذار/2011 - 29/ربيع الأول/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م