يتفنن الطغاة في استخدام مختلف انواع الادوات والطرق والاسلحة
للسيطرة على شعوبهم وأذلالها كي تصبح مطيعة لهم ولا تقوى على القيام
بأي اشارة تدل على رفض الاوامر الصادرة...
الادوات والاسلحة المستخدمة تدل على الانسان له قابليات شيطانية
يعجز الوصف عن اعطاء حدود لها! وهي أتية من تراث اسود من الابادة
والتعذيب واستعباد البشر لبعضهم البعض!...وانواعها لا حدود لها والتي
من بينها سلاح الحروب النفسية الى المخابراتية والتي من بينها استخدام
الفتن وزرع الفرقة في صفوف الخصوم! بالاضافة الى السلاح الاقتصادي
المؤثر والذي يهدف الى محاصرة الخصم وتجويعه بغية اذلاله واخضاعه!...اما
الاسلحة الحربية فهي متعددة واوسعها تدميرا تلك التي توصف بأسلحة
الدمار الشامل، بالاضافة الى ادوات واسلحة اخرى لا مجال لحصرها وكل تلك
هي ادوات لا تستخدم فقط مع الخصوم من الدول الاخرى بل ايضا مع الشعوب
التي ساء حظها العاثر ان تقع بيد حفنة من عصابات المافيا الارهابية
المتلبسة بأشكال عديدة من الايديولوجيات والوراثة السياسية!.
استفاد الطغاة من استخدام اسلافهم لتلك الادوات المتعددة للاستمرار
في الحكم والسيطرة، بل وقاموا بتطويرها جيلا بعد جيل! واصبح صعبا مجرد
الاحاطة بها فضلا عن سريتها المحكمة! ولكن الشيء الاخر الذي لم يهتموا
به واحتقروا من يشير اليه ولم يعملوا ادنى حساب له لكونه مروضا لهم
ومقيدا لسلطاتهم! وهو سقوط اسلافهم تحت سيوف الثائرين او المنافسين من
خلال اخطائهم القاتلة دون مراعاة ان الضغط يولد الانفجار!.
من هنا جاء وصفهم بالاغبياء لعدم استفادتهم من اخطاء غيرهم، واحيانا
يوصفون بالاذكياء ولو بصورة مؤقتة كونهم وصلوا الى اعلى المراتب في
الدولة وتحكموا بمفاصلها لفترة طويلة!.
هم يحاولون الابتعاد عن تحديد صلاحياتهم ورفض منح الكثير من الحريات
للشعب لانه يؤدي الى افساح المجال للخصوم للسيطرة والنفوذ مع ضعف
الاستفادة القصوى من ملذات السلطة والتحكم بمصائر الشعوب.
الاعلام ودوره الخطير:
لعب الاعلام دورا خطيرا في السيطرة او الثورة وعرف الجميع مدى
اهميته الفائقة ومع شديد الاسف ان الاعلام لم يكن بذلك الحجم من التطور
الذي نشهده حاليا، ولذلك ابيدت شعوبا بأكملها دون ان تجد معينا لها او
حتى ان تعرف ان خصومها كانوا على شفير الانهيار بفضل ضعف التواصل
المعلوماتي بين الجموع الثائرة...
لقد اصبح من المستحيل الان السيطرة على وسائل الاعلام في ظل التطور
التكنولوجي، ولذلك لاحظنا ان الثورات العربية المعاصرة مشتركة في
الكثير من الصفات والاحداث والتطورات والتي من بينها استخدام نفس
الوسائل مع محاولة اجهزة السلطة التحكم بالاعلام وحرمان الثائرين منه
بغية تشتيت قواهم... وعليه فأنه ولحسن الحظ فشلت كافة اجراءاتهم لان
التقدم التكنولوجي اصبح في مرحلة متقدمة يصعب السيطرة عليها، ولم يبقى
سوى مجال الانعزال عن العالم وهي الطريقة التي مازال يتصرف بها نظام
كوريا الشمالية ومن قبله نظام البعث في العراق او طالبان في افغانستان
وغيرهم من الانظمة الشمولية وحسب الاسبقية الزمنية!.
لقد اصبح الان سقوط بضعة مئات من الشهداء ولحسن الحظ كافيا لاثارة
غضب العالم بعد ان كانت ابادة الملايين لا تحظى بأدنى اهمية او اثارة،
بل وان المبالغات في الارقام هي ايضا طريقة ممتازة لتحطيم القوى
المتسلطة ولاهمية المبالغة ومقدرتها الفائقة اذكر المثال النموذجي
للثورة الرومانية عام 1989 ضد شاوشيسكو والتي وصلت المبالغات الاعلامية
لعدد سقوط الضحايا الى حوالي 70 الف، ولكن بعد سقوط الطاغية قامت
الحكومة الجديدة بعمل احصاء دقيق لهم تبين ان عددهم الحقيقي
هو(1033)فقط! ومن هنا تعتبر المبالغة في كل شيء من اقوى الاسلحة في
تحطيم الطغاة واجهزتهم واثارة العالم عليهم مما يساعد على التخلص منهم
بصورة سريعة جدا!.
الابادة الجماعية:
كل الادوات مرشحة للاستخدام اثناء الثورة وحسب حجم الاستبداد ودرجة
تطوره والقدرات النفسية والامنية والاقتصادية والعسكرية التي يتمتع بها
كل نظام بالاضافة الى شخصية الطاغية التي تعتبر مركز الثقل في التوجيه
والتحكم!...
صحيح ان معظم الوسائل المستخدمة هي متكررة ولكن تبقى هنالك بعض
الفروقات بين الانظمة القمعية والتي من بينها اختلاف المستوى الفكري
والاخلاقي والانساني لكل طاغية...واكثر ما يؤدي الى بشاعتهم هو اذا
كانوا من اصول اسرية وبيئية وضيعة او سيرتهم يعرف من خلالها ضحالة
ثقافية واخلاقية وانعدام تأثير العامل الديني الايجابي لان بعضهم
يستخدم الدين كأدة سلبية للسيطرة وهو بعيدا عنه نصا وروحا!.
الرغبة في التعويض عن الماضي السيء وقسوته يؤديان الى الرغبة في
استخدام اقصى درجات القسوة والعنف لمن يحاول ارجاعهم الى المربع الاول
او حتى تذكيرهم به ناهيك عن جنون العظمة وما تفرزه من بشاعة ورعب
وانحدار!...حينها سوف يكون مجال استخدام الادوات الاجرامية غير محدود
وسوف يؤدي الى كوارث انسانية لا حدود لها ويصبحوا امثلة نموذجية على
قمة الهمجية والوحشية والفساد!.
اذا لم يتم الوقوف بحزم امام هؤلاء فأنهم سوف لن يترددوا لحظة في
استخدام اخر سلاح لديهم عندما يشعرون بأن الخطر قد وصل الى اعلى درجاته
وعليه فأن السيطرة سوف تنتهي بصورة شبه مؤكدة مما يعني ان الضرورة تحتم
عليهم الانتقام من خلال ابادة الثائرين بصورة جماعية دون ادنى تفريق
وحتى يمكن فرض الامر الواقع على البقية وزرع الرعب في نفوسها مما يؤدي
الى هزيمتها الفعلية...وقد استخدم اسلوب الابادة عدد كبير من الطغاة
ومنهم جنكيزخان وحفيده هولاكو اللذان قتلا ملايين البشر اثناء حروبهم،
وكذلك استخدمه استاذ الطواغيت في كل العصور:ستالين حتى ادى به الى قتل
عشرات الملايين دون ان يقف بوجهه احد حتى لو كان متأكدا من انه سوف
يموت عاجلا ام آجلا على يديه!...كما ان نظام بول بوت في كمبوديا يعتبر
مثالا نموذجيا فقد اباد ثلث الشعب وخلال ثلاثة اعوام(1975-1978) دون ان
يعير العالم اهمية لذلك الحدث الرهيب!
اما في العالم العربي وخلال العقود الاخيرة، فأن اثنان متقاربان في
سيرتهما الذاتية وضحالة مستوى تفكيرهما وهما صدام والقذافي قد وصلا الى
تلك القمة من الوحشية وعملا على تطبيقها بدون ادنى مراعاة حتى لعامل
الضغط الدولي بل وقاما باستغلاله لفترة ما في تثبيت وجودهم في السلطة
مع استخدام عاملي الحظر والتضليل الاعلامي كأحد افضل الاسلحة...
لقد كان من سوء حظ الشعب الليبي ان يكون حاكمه مجنونا تافها
كالقذافي ولكن من حسن حظه ان وسائل الاعلام اصبحت اكثر تطورا بحيث نقلت
صور الابادة الجماعية وهو آخر سلاح بيد القذافي في محاولته المستميتة
للبقاء في السلطة ولو ادى ذلك الى حرق البلاد!...بينما كان من سوء حظ
الشعب العراقي ان يكون حاكمه مجرما عتيدا مثل صدام استغل عدم وجود
الاعلام وبقاء بعض التأييد العربي والغربي له في عمل رهيب وهو الابادة
الجماعية خلال عقدين من الزمن وبخاصة اثناء وبعد ثورة 1991 التي اباد
فيها مئات الالاف دون ادنى مراعاة حتى لاصناف الفئات العمرية!.
ان الابادة الجماعية التي قام بها القذافي اثناء الثورة الليبية هي
متوقعة من خلال استعراض سيرته الذاتية الدالة على وجود انحراف كبير في
شخصيته تجعل وصفه بالانسان غير السوي امرا مؤكدا، بينما كان الامر
مستبعدا نوعا ما مع طغاة آخرين سقطوا بفعل الثورات المعاصرة.
بالرغم من ان سلاح الابادة هو اجراميا مرعبا الا انه قد فقد خاصيته
الان بفضل السلاح المضاد وهو الاعلام الحديث الذي وصل الى درجة عالية
من القدرة التي تحرك شعوبا وتزيل نظما وتردع اسلحة!... |