انتخابات مبكرة في العراق... لم لا؟

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: بعد تظاهرات يوم الجمعة 25 شباط 2011 انطلقت اكثر من دعوة ومن اكثر من جهة حول انتخابات مبكرة لمجالس المحافظات بعد اقالة واستقالة اكثر من محافظ وقائمقام ورئيس مجلس بلدي في محافظات العراق..

اسباب عديدة تقف وراء مثل هذه الدعوات تبعا للقراءات المختلفة للعوامل التي ادت الى تلك التظاهرات..

الحكومة ممثلة برئيس الوزراء وكتلته ، والجماعات الشيعية رأت في التظاهرات محاولة بعثية للانقلاب على النظام القائم رغم اعترافها بأحقية مطالب المتظاهرين.

القوائم العلمانية (واتحفظ على التسمية) والسنيّة رات في التظاهرات حقا مشروعا على اعتبار ان ذلك جزء من حرية التعبير مع تحميل الحكومة ممثلة برئيس الوزراء والمحافظين التابعين لكتلته ، وخاصة محافظ بغداد ورئيس مجلسها ، مسؤولية تردي الخدمات مع اخراج انفسهم من دوائر التقصير رغم اشتراكهم في الحكومة.

الاكراد كانت مطالبهم واضحة ، اشتراك الجميع في حكومة موسعة وكسر احتكار الحزبين الرئيسيين للسلطة اضافة الى قضايا الفساد الاداري والمالي وغيرها من هموم الاقليم.

رئيس البرلمان العراقي اسامة النجيفي من القائمة العراقية حمّل الاحزاب الخاسرة في الانتخابات البرلمانية الاخيرة مسؤولية التظاهرات ، غامزا من قناة الاحزاب الكردية ، التي فقدت مواقعها في محافظة الموصل وكركوك، فيما حمّل اخوه اثيل النجيفي مسؤولية عمليات احراق المباني الحكومية على عاتق جماعات عسكرية مدربة دخلت المحافظة بلباس مدني واطلقت النار على المتظاهرين لاسباب طائفية وهو يغمز من قناة رئيس الوزراء وكتلته دولة القانون... خاصة بعد طلب رئيس الوزراء منه تقديم استقالته.. قائلا:

(على السيد المالكي أن ينظر إلى توفير الخدمات ومفردات البطاقة التموينية ومطالب المتظاهرين)، مبينا أن (90% من هذه المطالب تتعلق بالحكومة المركزية وليس المطالبة باستقالتي).

وتابع (لن أتنحى إلا بمطلب جماهيري أو عبر صناديق الاقتراع). لافتا إلى أن (الحكومات المحلية لا علاقة لها بهذه المطالب) ، وزاد (أما عن تغيير المحافظين الآخرين فاعتقد لأنهم من كتلة السيد المالكي وله صلاحيات بذلك).

حتى الان لا تتحدث الكتل السياسية بلسان واحد رغم اشتراكها في الحكومة ، بل هي تتحدث بعدة السن تبعا لانتماءاتها الطائفية والجهوية.

جميع الاحزاب التي فازت في الانتخابات البرلمانية الاخيرة اصبحت لها حصصها الوزارية بين سيادية وخدمية ، وحتى درجات اخرى ، كما اشار الى ذلك علي الدباغ في ندوة في كلية العلوم السياسية مؤخرا حين قال:

(الحكومة الحالية مكونة من جميع الأحزاب المشاركة في الانتخابات وهي أمام مسؤولية تضامنية)، مشددا أن (هناك خلل أساسي يجب تشخيصه ومحاسبة البعض ممن وعد خلال الانتخابات الماضية بتقديمه القوي والأمين والكفء والمخلص والنزيه).

وتابع أن (هؤلاء البعض حين قدم مرشحيه لمراكز صنع القرار سواء بمنصب الوزارة أو وكيل وزير أو مدير عام لم يأت بالكفء الذي يستطيع أن يدير الدولة لعدم امتلاكه الخبرة الإدارية والفنية)، لافتا إلى أنه (من غير المعقول أن يكونوا جميع الوزراء أو المدراء العامين سياسيين).

 وأكد المتحدث باسم الحكومة أن (الكتل السياسية فشلت في أن تقدم عناصر كفوءة لقيادة الدولة) ، مشيرا إلى أن (هناك أشخاص غير قادرين على إدارة الدولة أو الوزارة).

السبب الحقيقي حسب اعتقاد الكاتب يكمن في مسالة تقاسم السلطة الذي يصر عليه ائتلاف القائمة العراقية المتمثل بالانشقاقات السبعة كما وصفها عضو القائمة حسن العلوي في لقاءه مع قناة الحرية يوم الجمعة 25/ 2 / 2011.

يتمثل ذلك التقاسم في دور مجلس السياسات الوطنية الذي فصّل على مقاسات رئيس ائتلاف العراقية ولمرة واحدة ، والذي يصر اياد علاوي ان يكتسب الشرعية البرلمانية والقانونية من خلال عرضه على البرلمان والتصويت عليه ، وهو ما ترفضه كتلة دولة القانون ، قائمة رئيس الوزراء.

طارق الهاشمي في كلمة له نشرت على الانترنت ربط بين ملف الخدمات والاصلاحات السياسية حين قال: ان الاصلاحات الخدمية تتطلب بموازاتها (اصلاحات سياسية، ولا سيما استكمال اتفاقات اربيل التي ابرمت قبيل تشكيل الحكومة وملء الوزارات الشاغرة والفراغ من الجدل المثار حول مجلس السياسات الاستراتيجية) الذي يفترض ان تكون رئاسته من قبل القائمة العراقية وفقا لصفقة (تقاسم السلطة).

يتذكر المتابعون للعملية الانتخابية الاخيرة ، قبلها وبعدها ، التهديدات الكثيرة التي اطلقها اعضاء القائمة العراقية ضد نوري المالكي وضد العملية السياسية والتهديد بنسفها اذا سارت الامور عكس ما يشتهون. وجميعنا نتذكر تهديدات اياد علاوي بعودة العنف اذا لم تاخذ القائمة العراقية استحقاقها الانتخابي.. والمتمثل حصرا برئاسة الوزراء حتى لو لم يستطع علاوي ان يجمع الاصوات المؤهلة لنيل الثقة كما هو متبع ومتعارف عليه.

اعود الى تصريحات اسامة النجيفي حول الدعوة الى انتخابات مبكرة لمجالس المحافظات.. قبل مدة اثيرت الكثير من الاعتراضات من قبل الكتل السياسية حول الحاق الهيئات المستقلة ومن ضمنها مفوضية الانتخابات برئاسة الوزراء.

اي انتخابات مستقبلية سوف تجرى سوف يتم الطعن بمشروعيتها من قبل اي طرف خاسر مقابل كتلة رئيس الوزراء حتى لو كان الفشل له اسبابه الموضوعية.

اذكر هذا التوضيح ، واضيف ان الانتخابات القادمة سوف تغير الكثير من ملامح الخارطة السياسية في العراق ، ولكن ليس بالضرورة لصالح القائمة العراقية كما يتوقع العديدون.

فالتيار الصدري بات يعرف بقواعد اللعبة السياسية ويتعلم بسرعة اهّلته لهذا الفوز بهذا العدد من المقاعد.. الانتخابات المزمعة سوف تعيد لهذا التيار حضوره في مجالس المحافظات وخاصة بعد عودة زعيمه واستقراره في العراق.

والتيار الصدري اكثر تصلبا فيما يتعلق بمنصب رئاسة الوزراء والتي اصبحت عرفا سياسيا ان يكون المنصب لشخصية شيعية.. يمكن ان يخرج المالكي وكتلته بخسائر معينة في اي انتخابات قادمة ، وسوف يخرج المجلس الاعلى كذلك ، لكن هذا الخروج سوف يدفع بالتيار الصدري الى مواقع متقدمة تكون نصف المسافة الى الانتخابات البرلمانية عام 2014.

التيار الصدري ورغم الخلافات مع نوري المالكي هو الاقرب الى حزب الدعوة منه الى المجلس الاعلى نتيجة لتراكم التجربة على مستوى التاريخ الشخصي او العقائدي.

القائمة العراقية بعد انكشاف ضعفها امام الكتل السياسية في البرلمان وعدم القدرة على حصولها على منصب رئاسة الوزراء او حتى رئاسة الجمهورية سوف يتخلى عنها الناخب السني ، والناخب ذو التوجهات البعثية ، الذي اسهم في حصول القائمة على ذلك العدد الكبير من الاصوات.

ولا عجب ان نسمع حسن العلوي في اللقاء الذي ذكرناه يؤكد ان القائمة العراقية قد فازت باصوات البعثيين وان هؤلاء لن يعيدوا اعطاء اصواتهم لها وهي تعلن البراءة من البعث والبعثيين عبر مقاعد البرلمان او وسائل الاعلام.

اذا استمر الشحن بهذا الاتجاه السائد حاليا سوف تكون الانتخابات البرلمانية القادمة شبيهة بانتخابات 2005 مع صعود اسهم التيار الصدري وربما كان مرشح رئاسة الوزراء من نصيبهم وقد يكون هذه المرة جعفر الصدر.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 3/آذار/2011 - 27/ربيع الأول/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م