القائد السياسي نموذج الشعب الأمثل

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: القائد السياسي والحاكم الأعلى للشعب، ينبغي أن يكون قدوة لشعبة، لأن عيون الشعب تنظر إليه أولا، وتحاول أن تتمثله، وتجسد أخلاقه، وسلوكه، وافكاره، وطريقته في التعاطي مع الحياة اليومية، كونه يمثل نموذجا جيدا لهذا الشعب أو هكذا ينبغي أن يكون، فغالبا ما تكون المراتب العليا في العلم والدين والسياسة محط أنظار الناس.

كذلك ينبغي على القائد السياسي أن يعي دوره القيادي ويتصرف بحكمة في تسييس الامور التي تتعلق بمصالح شعبه سواء في الداخل او الخارج، أي أن القائد مطالبا بالنجاح حتى في سياسته خارج حدود شعبه ورعيته، وهكذا كان رسولنا الأعظم محمد صلوت الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين الأطهار، إذ كسب الجميع الى جانب الاسلام والمسلمين بسياسته التي كان يمثل فيها النموذج الامثل للجميع مسلمين أو غيرهم.

يقول سماحة المرجع الديني، آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في كتابه القيّم الموسوم بـ (السياسة من واقع الاسلام) بهذا الخصوص:

(استطاع رسول الله صلی الله عليه و آله بسياسته الحكيمة أن يجمع حول الإسلام أكبر عدد ممكن من البشر، في مدّة قصيرة، أدهشت التاريخ، وأنست الأولين والآخرين، وأخضعت حكماء العالم لها إجلالاً وتقديراً.. مما لا يوجد في تاريخ العالم الطويل مثيل ولا نظير لها).

ويؤكد سماحة المرجع الشيرازي على النموذج القيادي الهام وما يمثله بالنسبة للشعب، ويذكر في هذا الصدد بكتابه نفسه على أن:

(القائد تكون أعمالُهُ درساً للشعب، ومنهاجاً للأجيال، ولذلك كان القائد متحملاً لما يمارسه الشعب نتيجة تعلمه منه، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر. والحياة الشخصية للقائد أدق مدرسة للأجيال المتمسّكة بذلك القائد، ولهذا كان من سياسة أمير المؤمنين عليه السلام بناء حياته الشخصية على الإيمان والزهد).

وطالما أن تأريخنا الاسلامي في حلقاته المشرقة ينطوي على الدروس الرائعة لقادة الحاضر العربي والاسلامي، فلابد لهم أن يدخلوا بطون التأريخ ويبحثوا في هذه الحلقات المشرقة في الجانب السياسي لقادة المسلمين في نموذجهم الامثل رسولنا الاكرم (ص) والامام علي بن ابي طالب عليه السلام، حيث يذكر سماحة المرجع الشيرازي في كتابه المذكور نفسه:

(كانت سياسة أمير المؤمنين عليه السلام العملية خير درس للقادة وللمسلمين في تطبيق حياتهم العملية السياسية عليها، كما كان ذلك بالنسبة لرسول الله صلی الله عليه و آله).

لقد كان المسلمون ابان حكومة الامام علي (ع) متنعمين بخيرات المسلمين ويعيشون حياة متميزة بالمساواة والعدل والغنى المادي والمعنوي حيث تضاءلت حالات الفقر حتى تقلص الفقر بصورة تامة في ربوع الدولة الاسلامية والسبب الاساس يكمن في السياسة الحكيمة لقائد المسلمين وحرصه على أن يكون نموذجا أصيلا وحقيقيا يقتدي به افراد الشعب كافة، فحرص على أن يفضّل الجميع من افراد النفس على نفسه وذويه وقد ترفّع بنحو كبير على المنافع الفردية او منافع الحاشية والبطانة وكان حريصا على اموال الدولة الاسلامية وعلى توزيعها وفق سبل عادلة بين الجميع.

يقول سماحة المرجع الشيرازي بهذا الصدد في الكتاب نفسه:

(في الوقت الذي عمت الخيرات بلاد المسلمين وبفضل الإسلام، فكان المسلمون وغير المسلمين يرفلون في نعيم من الطيبات. وكانت الكوفة ـ عاصمة أمير المؤمنين عليه السلام ـ لا تجد بها إلا المنعَّم من الناس. في مثل هذا الظرف تجد سيد الكوفة، وسيد البلاد الإسلامية، وزعيم الإسلام: أمير المؤمنين عليه السلام لا يأكل حتى ما يأكله أدنى الناس).

ويضيف سماحته قائلا في كتابه:

(كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لايأكل اللحم في السنة إلا مرة واحدة، في يوم عيد الأضحى وذلك لأنّ هذا اليوم هو اليوم الذي يأكل فيه كل المسلمين اللحم، من وفور لحم الأضاحي.. فلكي يواسي إمام الأمة أضعف الأمة، يأكل اللحم في ذلك اليوم فحسب).

إن الشعب الذي يرى ويلمس مثل هذه الخصال في قائده لابد أنه يتعلم منه ويكون مثاله ونموذجه في سلوك العدل والمساواة والترفع على ظلم الناس والتجاوز على حقوقهم، في جميع مجالات الحياة ومنها القدرة على ضبط النفس والتحكم بها تجاه اموال الشعب وثرواته، حيث تكون متاحة امام القائد السياسي وبامكانه التجاوز عليها في اي وقت كما حدث مع زين التونسي وحسني مصر حين سرقا اموال شعبيهما ثم وصلا الى النتيجة التي يستحقانها هما وجميع القادة الذين تصغر نفوسهم فتعتدي على اموال الفقراء وعموم الشعب، لهذا كان الامام علي (ع) ضابطا لنزعات النفس وحاكما لها، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الصدد:

(كان علي أمير المؤمنين عليه السلام لا يحتكر أموال المسلمين، اقتداءً برسول الله صلی الله عليه و آله، بل يعمد إلى توزيعها فور وصولها إليه. وهكذا يجب أن يكون القائد الإسلامي).

كذلك لابد للقائد السياسي أن يحذر من اغراءات السلطة والجاه والقوة والنفوذ وأن تتسم حياته بالبساطة والابتعاد عن التجمّل والبذخ حتى يظل نموذجا لشعبه وامته، إذ يؤكد سماحة المرجع الشيرازي في هذا الخصوص على أن:

(البساطة في الحياة الشخصية هي التي عُرف بها أمير المؤمنين عليه السلام، فكان لايعبأ بالتجملات إطلاقاً، ولا يصرف ثواني من وقته في سبيلها. وهكذا ينبغي أن يكون القائد الإسلامي لكي يصرف أوقاته كلها في أمور المسلمين والمستضعفين).

فحريّ بحكام اليوم من المسلمين والعرب أن يستفيدوا بعمق من المدرسة السياسية القيادية للامام علي (ع)، فهي التي ستمدهم بما يحتاجونه من دروس عظيمة تصحح مكامن الزلل والتجاوز على حقوق الشعوب، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي:

(على الحكّام، والقضاة، والرؤساء أن يطبقوا سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في حياتهم الشخصية أوّلاً، لكي يأمن المجتمع من الظلم والحيف، ثم يطبقوا سيرته عليه السلام في السياسة والاقتصاد والاجتماع والتربية وما إليها).

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 3/آذار/2011 - 27/ربيع الأول/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م