نعم لتغيير الحكومة الفلسطينية

ولكن مشكلتنا ليست بالحكومة

د. إبراهيم أبراش

يبدو أن عدوى التعديلات والتغييرات الحكومية التي تلجأ إليها الحكومات العربية للتهرب من استحقاقات الديمقراطية وللالتفاف على القضايا الأساسية المصيرية المأزومة انتقلت للساحة الفلسطينية، حيث تحاول السلطتان المأزومتان في غزة والضفة التهرب من جوهر المشكلة الوطنية بإبداء الرغبة في الإصلاح والتغيير وتقديم إغراءات للأحزاب والشخصيات المستقلة للمشاركة في حكومتيهما ثم افتعال أزمة تشكيل حكومة.

لسنوات والأنظمة العربية تلعب لعبة التعديلات والتغييرات الحكومية لإلهاء الجماهير والتهرب من الاستحقاقات الحقيقية للتغير بالزعم بأن الرئيس أو الملك قد استجاب لمطالب الجماهير وأقال هذا الوزير أو ذاك أو غير أو أقال الحكومة بكاملها. هذه اللعبة باتت أكثر حضورا مع هبوب رياح الثورة العربية حيث باشرت أنظمة لعبة التغييرات الحكومية عندما دهمتها رياح الثورة كتونس مصر والبحرين واليمن وبعضها استبقت الأمر قبل وصول رياح الثورة كالأردن والكويت والجزائر.

إلا أن هذه اللعبة باتت ممجوجة ومكشوفة لأن الجماهير باتت مدركة بأن الحكومات العربية لا تحكم حقيقة وأنها مجرد أدوات لتنفيذ سياسات يضعها آخرون وأنها مجالا يوظفه الحاكم لإرضاء الأحزاب السياسية والنخب ببعض المناصب الوزارية. الحكومات في العالم العربي تنفذ سياسات النخب الحاكمة: الأسرة الحاكمة والحزب الحاكم والأجهزة الأمنية ومستشارو الحاكم، بحيث أن نفوذ وسلطة مسئول حزبي أو أمني قد تكون أكبر وأهم بكثير من نفوذ وزير أو حتى رئيس وزراء، ولأن الوزراء يعرفون هذه الحقيقية فإنهم يسكتون عنها مقابل سكوت أصحاب القرار عن فسادهم. لأن أغلبية الوزراء يدركون أنهم ليسوا أصحاب قرار وأنهم مجرد أدوات وأن وجودهم لا يعود لكفاءتهم أو نزاهتهم بل لحسابات وتوازنات سياسية وأنهم مؤقتون يمكن للحاكم أن يغيرهم بأي وقت، فإنهم يستغلون كل ساعة من وجودهم في المنصب ليكدسوا الثروات ويعيثوا فسادا.

ففيما يشهد العالم العربي ثورات شعبية ستؤدي لتغيير الخارطة السياسية إن لم يكن الجغرافية، وفيما تفشل عملية التسوية التي رعتها واشنطن لمدة عقدين من الزمن وتكشف واشنطن عن وجهها الحقيقي المعادي للفلسطينيين من خلال استعمالها للفيتو في مجلس الأمن، وفيما تسارع إسرائيل من عملياتها الاستيطانية والتهويدية بل وصلت الوقاحة والاستفزاز لدرجة طرح مشروع قرار بالكنيست يدعو لضم الضفة الغربية لإسرائيل، وفيما تصل المصالحة لطريق مسدود لدرجة تهديد السيد خالد مشعل بقرارات قريبة غير مسبوقة ولا نستبعد أن تكون تشكيل قيادة أو مرجعية فلسطينية بديلا عن منظمة التحرير، وفيما يتهيأ غالبية الشعب الفلسطيني -فئة الشباب -للثورة على الانقسام والأحزاب والاحتلال... وسط هذه القضايا والمتغيرات الكبرى والمصيرية تنشغل السلطتان في الضفة وغزة بالحديث عن تغييرات وزارية قادمة وتجرى اتصالات مع كل الأطراف بهذا الشأن بل ويستنجد الدكتور سلام فياض بالفيس بوك لمساعدته في تشكيل حكومة وحدة وطنية مع رسائل مضمرة تطمئن حركة حماس بأن حكومة وحدة وطنية لن تهدد سيطرتها الأمنية على قطاع غزة.

نفهم جيدا بأن هناك أربعة ملايين فلسطيني تقريبا في الضفة والقطاع تخلت إسرائيل عن مسئوليتها في إعاشتهم أو تقديم الخدمات والمتطلبات الحياتية لهم، وذلك بمقتضى اتفاقات أوسلو التي أوجدت السلطة لتتحمل هذه المسؤولية، وندرك جيدا أنه بدون السلطتين والحكومتين لا توجد مؤسسة وطنية فلسطينية قادرة أو مؤهلة للقيام بعبء إدارة شؤون الفلسطينيين، فمنظمة التحرير الفلسطينية على درجة من الضعف حتى أن مؤسساتها باتت تتعيش من أموال السلطة، ونعلم أن التمويل الخارجي وخصوصا من الرباعية سيتوقف إن تم حل السلطة – إضعاف منظمة التحرير جزء من مخطط تدمير الشرعية الثورية والمشروع الوطني وإحلال شرعية سلطة يعتمد استمرارية وجودها سياسيا على الالتزام باتفاقات أوسلو والعملية السلمية، وماليا على تمويل الرباعية -، كما لا نريد التشكيك بنوايا حسنة قد توجد عند الدكتور فياض وإسماعيل هنية من خلال سعيهما لتشكيل حكومة وحدة وطنية أو حكومتي وحدة وطنية واحدة في الضفة وأخرى في غزة.

ولكن هل مشكلة الفلسطينيين تكمن في الوزارات والوزراء وأن تغييرها وتغييرهم سيحل المشكلة؟هل إذا غيرنا وزير الزراعة أو الصناعة أو السياحة أو الخارجية الخ سيستقيم حالنا ؟.

في الحالة الفلسطينية المشكلة الأول هو الاحتلال وأي فعل أو نشاط سياسي سواء كان سلطة أو حزب أو حكومة أو مجتمع مدني... لا ينتظم في الحلقة المقدسة للمشروع الوطني كمشروع تحرر وطني لن تكون له قيمة وسيكون نوعا من سياسة الهروب من الاستحقاق الوطني.

حكومة وحدة وطنية ضرورة وطنية ولا شك وسيكون لها معنى ومغزى وطني حقيقي غير الدور الوظيفي إن كانت حكومة وحدة وطنية حقيقة وليس مجرد شعار يخفي أهدافا غير وطنية. حتى تكون الحكومة حكومة وحدة وطنية يجب أن تكون في إطار عملية توافق وطني على كل أو أهم القضايا الخلافية الأساسية حتى لا تتكرر تجربة حكومة الوحدة الوطنية التي تشكلت في أعقاب تفاهمات مكة في ربيع 2007.

لا تكون الحكومة حكومة وحدة وطنية لأنها تصف نفسها بذلك ولا لأنها مكونة من أكثر من حزب وفصيل وشخصيات مستقلة، حكومة الوحدة الوطنية هي التي تأتي بعد توافق وطني على القضايا الإستراتيجية، وهي الحكومة التي تستطيع التعبير لفظا وممارسة عن الاهتمامات والانشغالات الكبرى للوطن، وهذه الاهتمامات ليس فقط الأكل والشرب وتامين الراتب بالرغم من أهميتهم بل أيضا وبالأساس حرية الوطن والمواطنين والقدرة على التواصل بين كل مكونات الشعب، وفوق كل ذلك أن تكون حكومة متجاوِزة للانقسام ومتصادمة مع الاحتلال، لا نريد حكومة وطنية تخضع لشروط الاحتلال وتمارس دور شاهد الزور على عمليات الاستيطان والتهويد ووأد المقاومة ووأد حلم السلام العادل، لا نريد حكومة وحدة وطنية تشتغل في ظل الانقسام وتتكيف معه، إلا إذا كان ذلك في إطار توافق وطني على مرحلة انتقالية مؤقتة إجبارية.

لن يجد الدكتور سلام فياض ولا السيد إسماعيل هنية صعوبة كبيرة في إيجاد أحزاب وفصائل وشخصيات مستقلة تقبل المشاركة في حكومة كل منهما، ولكن إن لم تشارك حركة حماس في حكومة الدكتور فياض وإن لم تشارك حركة فتح في حكومة السيد إسماعيل هنية فلن تكون هناك حكومة وحدة وطنية، ولأن كلاهما يدرك هذه الحقيقية فقد طال الحديث عن تعديلات وزارية في الضفة وغزة. منذ أشهر طويلة ونحن نسمع عن عزم الرئيس أبو مازن تشكيل حكومة جديدة وعن عزم حركة حماس تشكيل حكومة جديدة في غزة ولم تُشكل هذه الحكومات.

نعتقد أن التأجيل المتكرر لتعديلات أو تشكيلات حكومية جديدة ترجع لرفض الأحزاب والفصائل الفلسطينية الرئيسية المشاركة في أي من الحكومتين، ولحالة عدم الاهتمام الشعبي بهذه التعديلات الحكومية حيث الشعب بات مدركا لعدم شرعية أية حكومة انفصالية، ولحقيقة أن وجود حكومتين يخفي نوايا عند البعض ممن يستفيد من الانقسام بتكريس الانقسام، وأن الحديث عن التعديلات محاولة لتجميل الحكومتين والحزبين اللذين يقفان وراءهما. ولا نستبعد في نفس الوقت أن الأحداث العربية المحيطة بنا وتوجه الشباب الفلسطيني للقيام بثورة على الانقسام وهي في نفس الوقت ثورة على الأحزاب التي تتحمل مسؤولية الانقسام، كان سببا مستجدا لتأجيل تشكيل حكومات جديدة، وربما هناك تفكير بالانتظار إلى ما بعد تحرك الشباب حتى تبدو الحكومتان الجديدتان وكأنهما استجابتا لمطالب الشباب.

لسنا ضد وجود حكومة وحدة وطنية الآن أي في ظل وجود الانفصال الجغرافي، إن كان ذلك ممكنا، بل لسنا ضد وجود حكومتي وحدة وطنية مؤقتا ولحين إنجاز التوافق الوطني الاستراتيجي، واحدة في الضفة تشارك فيها كل الفصائل بما فيها حركتي فتح وحماس وشخصيات مستقلة وأخرى في غزة بنفس التشكيلة، ولكن على شرط أن يكون ذلك في إطار إستراتيجية وطنية وجزءا من إعادة بناء المشروع الوطني وفي إطار مرجعية واحدة واتفاق وطني على وجودهما بحيث تتصدى كل منهما للتحديات التي تواجه الشعب، بحيث تضع حكومة الوحدة الوطنية في قطاع غزة على سلم اهتمامها رفع الحصار نهائيا وإعادة بناء قطاع غزة، وتضع حكومة الوحدة الوطنية في الضفة على رأس سلم اهتمامها مواجهة الاستيطان والحواجز، وأن يكون للحكومتين مرجعية واحدة، وأن يتم ذلك في نفس الوقت الذي تعود فيه الأطراف وخصوصا حركتي فتح وحماس إلى طاولة الحوار لحسم القضايا الخلافية المتبقية، وحتى لا يفسر الأمر وكأنه تكريس للانقسام يمكن التفكير بأن يكون على رأس كل حكومة شخصية مستقلة يتم اختيارها بالتوافق.

 ندرك جيدا تعقد الحالة الفلسطينية وقوة تأثير التدخلات الخارجية، ولكن علينا تعلم درس مما يجري حولنا وأهم درس هو أن الشعب لديه دائما مفاجآت ولديه عقول يمكنها إبداع وسائل غير مألوفة للتصدي لأوضاع مأزومة وغير مسبوقة، ولذا يجب كسر النمطية والتقليد، بالتفكير بحلول إبداعية ولو مؤقتة، العالم العربي يمور ويثور ومقبل على تغيرات لا يمكننا أن نتكهن بصيرورتها، وليس بالضرورة أن الثورات العربية ستنعكس إيجابا وبشكل مباشر على الحالة الوطنية الفلسطينية، بل بالعكس قد تستغل إسرائيل انشغال العرب بمشاكلهم الداخلية وانشغال العالم بأحوال العرب، لتُقدم على خطوات خطيرة بحق شعبنا وقضيتنا الوطنية.

إن كل الثورات العربية لن تفيدنا في شيء إن لم نُثَوِر أوضاعنا الداخلية من خلال حل إبداعي لإنهاء الانقسام والتوصل لإستراتيجية شمولية للعمل الوطني، في حالة عدم التوصل بسرعة لمصالحة وطنية تنهي الانقسام من خلال حل إبداعي وليس بالضرورة من خلال الورقة المصرية، سيكون من حق الشباب بل واجب عليهم الثورة على كل الأحزاب بما فيها الحزبين الكبيرين، لأنه لا يمكن أن نرهن مصير شعب بيد أحزاب عاجزة ومأزومة، حتى وإن توفرت نوايا حسنة وصادقة عند بعض قياداتها وقواعدها الشعبية.

Ibrahem_ibrach@hotmail.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 3/آذار/2011 - 27/ربيع الأول/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م