تركت التظاهرات التي اجتاحت مدن العراق يوم الجمعة المصادف 25 شباط
2011 اكثر من تساؤل؛ حول القوى المحركة لها، خصوصا بعد ان نفضت كافة
الاحزاب السياسية وبعض المرجعيات الدينية يدها عنها، ناهيك عن اتهامها
من قبل مجالس المحافظات بانها مخالفة لتعليمات وضوابط اجازات التظاهر
السلمي من جانب، ومن جانب آخر اتهام القائمين عليها؛ من قبل الحكومة؛
بانهم بقايا البعث البائد.
ورغم ذلك، خرجت التظاهرات وشملت الكثير من المدن والاقضية والنواحي
والقصبات، بدون ان تعرف الجماهير التي خرجت؛ الجهة المنظمة او حتى ما
هي مطالبها بالتحديد، فمنهم من يبحث عن الخدمات المفقودة والبعض يطلب
الحصول على مفردات البطاقة التموينية وآخر يطالب بالتوظيف وغيرهم
الكثير والكثير من اصحاب المطالب الشخصية والمختلفة، ولكن ما يثير
الحيرة والتساؤل ان كافة المطالب لم تتعدى الخدمية من كهرباء ومشتقات
او تعيين وغذاء او دعوة الى محاربة الفساد ومحاسبة المفسدين او في
سقفها الاعلى دعاوى اصلاح عامة، فمن اين جاءت المطالب السياسية... بشكل
يثير تساؤلات من قبيل:
هل دعوات الفيسبوك كانت سببا في تحريك ونزول الجماهير الى الشوارع ؟
وهل بيانات الفيسبوك السياسية؛ حد النخاع؛ ممثلة حقيقية لمطالب
الجماهير ؟
ان البون الشاسع، بين ما افرزته الصور القليلة والنادرة عبر وسائل
الاعلام وبعض الفضائيات من مطالب بسيطة لجماهير غاضبة تبحث عن كرامتها
الانسانية في حق العمل والعيش الكريم وتوفير الخدمات الاساسية والغذاء؛
وبين ما بثته ذات القنوات من بيانات سياسية لمجاميع ادعت انها من اخرجت
التظاهرات عبر دعوتها للجماهير عن طريق الشبكة الدولية للمعلومات -
الانترنت، يؤكد ان محرك الجماهير ليس مجموعة او حركة او " ثورة وثوار "
مثلما يطلقون على انفسهم، خصوصا وان اكثر من تسعين بالمئة من العراقيين
لا يمتلكون خدمة الانترنت او لا تتوفر لديهم ادواتها ووسائل الاشتراك
عبرها.
ان حركة ونبض الشارع تقف وراءها اسباب، غير تلك تماما، منها:
1. فشل مجالس المحافظات في اداء واجباتها رغم مرور عامين على
انتخابها.
2. فشل الادارات المحلية والبلدية في تقديم الخدمات الضرورية
للمواطن.
3. تأخر البرلمان في اقرار قانون مجلس الخدمة الاتحادية، وبالتالي
تأجيل توظيف العاطلين من الخريجين الشباب.
4. الفساد المالي والاداري الذي احدث شرخا كبيرا بين طبقات المجتمع،
ناهيك عن نهبه للمال العام ودوره في عرقلة المشاريع او اكمالها دون
المواصفات المطلوبة.
لذا نرى ان اغلب التظاهرات انفضت، دون تدخل، حال استقالة المحافظ
مثلما حدث بالبصرة وواسط، او استقالة المجلس البلدي مثلما حدث في ناحية
البطحاء بمحافظة ذي قار... وهذا ما يؤكد ويثبت ان مطالب الجماهير ذات
صبغة وطبيعة تتعلق بالخدمات والبلديات، ليس الا.
عليه، فان الاستجابة الى مطالب المتظاهرين او ضرورات التعامل معهم
تستوجب سحب البساط اولا؛ ممن يريدون ركوب الموجة او تحويل الجماهير
بعيدا عن وجهتها او قيادتها... الى مواقع تضر بالعراق والعراقيين وتحدث
فوضى، لا سامح الله، قد لا يمكن السيطرة عليها.
وثانيا؛ الابتعاد عن تخدير الجماهير من خلال دعوات غير صادقة او
وعود غير قابلة للتطبيق او تشكيل لجان تحقيقية لا طائل او نتائج من
وراءها او قرارات ليس لها تأثير على ارض الواقع.
ان ذلك لن يكون كافيا لتهدئة الوضع وايقاف مسلسل مظاهرات جديدة، بل
التعامل مع الشارع والتظاهرات يجب ان يتم من خلال:
1. الدعوة الى انتخابات مجالس محافظات مبكرة؛ من خلال تحمل البرلمان
لمسؤوليته؛ او الاسراع بانتخابات الاقضية والنواحي المتأخرة اصلا.
2. السعي لارضاء المواطن عبر تقديم خدمات افضل كما ونوعا.
3. فتح ابواب التعيين في كافة الوزارات بعيدا عن حبائل الفساد
والمفسدين.
4. ابتعاد الحكومة عن كيل الاتهامات جزافا؛ بحق المتظاهر؛ وبما لا
يؤدي الى اهانته او جرح كرامته.
التحركات اعلاه؛ قد تكون كفيلة بتهدئة الشارع وايقاف غليانه؛
والتجاوب معه بروحية الحوار والفهم المشترك باعتباره ركنا اساسيا من
اركان العملية الديمقراطية، وجزءا لا يتجزأ من اسباب ترسيخ وديمومة
العملية السياسية. |