شبكة النبأ: في 5 كانون الثاني/يناير
المنصرم، دخل الزعيم الشيعي السيد مقتدى الصدر العراق بعد أن قضى
ثلاثة أعوام في منفى اختياري في إيران، لكنه عاد ثانية إلى إيران بعد
ذلك بخمسة عشر يوماً. ووفقاً لمنافذ إعلام تملكها السعودية إنه فر
خوفاً من تهديدات من قبل "عصائب أهل الحق" وهي فرع متشدد لـ "التيار
الصدري" الذي يتزعمه. وأياً كان السبب في رحيله ما زال الصدر يمثل قوة
كبيرة في العراق حيث ينظر إليه البعض بأنه الوكيل السياسي والعسكري
لإيران.
حركة مقتدى الصدر في عام 2011
لعدة سنوات كانت الصراعات الشخصية والخلافات السياسية داخل "التيار
الصدري" تمنع مقتدى الصدر من تحقيق سيطرة مُحكمة على مؤيديه المحتملين
من خلال "مكتب الشهيد الصدر" -- منظمة أنشأها في عام 2003. وكانت نقطة
الخلاف الرئيسية هي الهدنات مع الجيش الأمريكي في العراق -- القضية
التي دقت إسفيناً بين مقتدى (الذي أقر بعدد من هذه الهدنات قبل لجوئه
إلى إيران في 2007) -- والمقاتلين المتشددين مثل "عصائب أهل الحق" (الذين
تحولوا إلى إيران بصورة متزايدة طلباً للدعم واللجوء). بحسب معهد
واشنطن.
وككتلة سياسية، يُظهر اليوم "مكتب الشهيد الصدر" خليطاً من نقاط
القوة والضعف. فقد استطاع الصدريون الفوز بأربعين مقعداً في البرلمان
الوطني الجديد المكون من 325 مقعداً، ويرجع ذلك جزئياً إلى التدريب
الإيراني على استراتيجية انتخابية. وقد لعبوا أيضاً دوراً رئيسياً في
تأمين إعادة تعيين رئيس الوزراء نوري المالكي.
وفي المقابل، كسبوا منصب نائب رئيس البرلمان وست حقائب وزارية من
الدرجة المتوسطة، من بينها الإعمار والإسكان، والتخطيط، والعمل والشؤون
الاجتماعية، والموارد المائية والري. ويُقال أيضاً إنهم كسبوا إغراءات
أخرى أقل وضوحاً مثل "حق العودة" لمقتدى الصدر (الذي واجه في السابق
مذكرة اعتقال معلقة بسبب عملية قتل سياسية ارتكبها أتباعه في نيسان/أبريل
2003 -- والتي يُقال إنها نفذت بأوامر منه)، ومنصب محافظ ميسان،
المحافظة الاستراتيجية على الحدود الإيرانية العراقية.
هدف الزيارة
أدى الكثير من سمات زيارة مقتدى الصدر في كانون الثاني/يناير إلى
تعزيز الشائعات القديمة حول التهديدات ضد حياته من جانب الصدريين
المنافسين. وفي الظروف العادية، ربما يتوقع المرء أن يعود مقتدى في
حالة من الانتصار، متخطياً الحدود البرية في موكب فخم، آخذاً احتياطات
بصورة مسبقة وجمعه حشود خلال سفره. ولكنه دخل العراق سراً عن طريق مطار
النجف -- المطار التجاري الوحيد (خارج مناطق "حكومة إقليم كردستان")
حيث يمكنه تجنب القوات الأمريكية كلية -- في الوقت الذي عمل على تقليل
ظهوره العلني. وبعد ذلك بقي في بيته في النجف تحت حراسة صدرية مشددة
طوال مدة زيارته تقريباً. ورغم أنه ألقى خطاباً تلفزيونياً هاماً في 8
كانون الثاني/يناير، إلا أنه غادر البلاد قبل الاحتفال بذكرى أربعينية
[الإمام حسين]، الذي يتدفق خلالها ملايين الحجاج عن طريق النجف ومناطق
أخرى من وسط العراق لزيارة الأماكن المقدسة في كربلاء.
ووفقاً لصحيفة "الشرق الأوسط" كان زعيم "عصائب أهل الحق" قيس
الخزعلي -- المساعد السابق لمقتدى الصدر وتلميذ والده -- قد أصدر فتوى
في النجف "تعلن عن شرعية قتل مقتدى الصدر". وربما تكون التهديدات من
قبل المنافسين قد لعبت أيضاً دوراً في رحيل مقتدى الصدر من العراق عام
2007.
وقد يكون الصدر قد تلقى في الواقع تهديدات أثناء زيارته في كانون
الثاني/يناير، لكن ربما لم يكن الخوف من الاغتيال القوة الوحيدة
الدافعة وراء مدة زيارته القصيرة. ومن الأرجح أنه واجه مجموعة من
الضغوط التي اختصرت زيارته، ومن المحتمل أن تكون تلك الضغوط متوقَّعة
إلى حد بعيد قبل الزيارة.
فعلى سبيل المثال، تذكر بعض الروايات أن المؤسسة الدينية الشيعية (المعروفة
باسم الحوزة) في النجف، كانت عامل رئيسي لرحيله من العراق عام 2007،
مما يعكس الانزعاج التقليدي لرجال الدين من مظاهرات وعنف الصدريين في
المراقد الشيعية المقدسة أثناء الاحتفالات الدينية التي جرت تلك السنة.
ووفقاً لعدد من برقيات "ويكيليكس" من عام 2009 تعمل الحوزة أيضاً بنشاط
للحد من النفوذ الإيراني في الحوزات العلمية في العراق. ولذا فإنها
ربما لم ترحب بعودة مقتدى الصدر إلى النجف في كانون الثاني/يناير،
لكنها تسامحت مع زيارته المختصرة طالما أنها لم تتزامن مع الاحتفالات
بذكرى الأربعين الحساسة.
وربما الشئ الأهم من ذلك هو أن الكثير من العراقيين ما يزالون
ينظرون إلى "التيار الصدري" بعين الريبة والخوف، مشيرين إلى ضرورة وضع
استراتيجية أكثر صبراً من جانب مقتدى الصدر. ومن هذا المنظور، يمكن
رؤية زيارته القصيرة كخطوة محسوبة تم التفاوض حولها بمساعدة إيرانية
أثناء فترة تشكيل الحكومة العراقية مما سمح له بجس النبض حول وضعه في
النجف والبلاد بشكل عام. لقد كانت الزيارة قصيرة ومنسقة جيداً لتجنب
أية حوادث مؤسفة، وكانت مقصورة فقط على حدود معينة، من المرجح أنه قد
تم ترتيبها مسبقاً مع الحكومة العراقية والحوزة العلمية.
رسائل الصدر
كان محور زيارة مقتدى الصدر هو خطبته من يوم السبت 8 كانون الثاني/يناير
التي دامت خمساً وثلاثين دقيقة. وكانت هناك رسالتان رئيسيتان في خطابه
القصير. الأولى، قيام مقتدى بتوجيه كلماته إلى قاعدة الدعم التقليدية
المؤيدة له، مشيراً إلى تحديه لـ "الاحتلال" (أي الوجود العسكري
الأمريكي) والتأكيد على "الالتزام القانوني والديني" لمقاومته "عسكرياً
وثقافياً وبجميع وسائل المقاومة."
والرسالة الثانية أنه عكس الدور الجديد لـ "مكتب الشهيد الصدر"
كشريك في الحكومة العراقية مُعلناً أنه لو "قدمت الحكومة العراقية
الخدمات والرعاية للشعب العراقي فسوف نقف إلى جانبها وليس ضدها....
وإذا لم تفعل ذلك، هناك طرق سياسية -- سياسية فقط -- لإصلاح الحكومة."
وقد سعى إلى تعزيز إعادة اندماجه في الطيف السياسي السائد بإعلانه
أنه لا يمكن توقع المقاومة المسلحة من جميع أتباعه، وإظهار نيته الطيبة
لنبذ الطائفية، والتعبير عن رفضه للتجمعات غير المصرح بها والتي تتخذ
شكل الميليشيا من جانب مؤيديه. بل أن زيارته ذات الطبيعة الهادئة
والمختصرة قد أظهرت، أكثر من كلامه، رغبته في العمل ضمن القواعد التي
وضعها الطيف السياسي والديني السائد -- في الوقت الراهن.
وكانت الصيغة السياسية الوحيدة في خطبة الصدر تتعلق باحتمال قيام
اتفاق أمني أمريكي عراقي جديد ربما يُطيل الوجود العسكري الأمريكي إلى
ما بعد عام 2011. وعند حديثه باسم "التيار الصدري" حذر مقتدى الحكومة
بقوله "نحن نراقبكم" مُذكراً المالكي بتعهده من 28 كانون الأول/ديسمبر
2010، بأن "آخر جندي أمريكي سيرحل من العراق" في نهاية 2011.
وحول هذا الموضوع كانت مصالح مقتدى منسجمة دائماً مع مصالح طهران.
كما أن وصفه في 8 كانون الثاني/يناير لــ "عدونا المشترك: أمريكا
وإسرائيل وبريطانيا" ليس جديداً، لكنه يعكس تماهي الصدريين مع قوس
المقاومة المعادي للغرب الذي تسعى طهران لزرعه في غزة ولبنان وسوريا
والعراق وغيرها.
دلالات للسياسة الأمريكية
إن التركيز ضعيف الإدراك على العوامل الأوضح والأعلى صوتاً للنفوذ
الإيراني (على حساب الأشكال الأكثر دقة) كان نقطة ضعف ثابتة في السياسة
الأمريكية في العراق. وتوضح التطورات الأخيرة أن "مكتب الشهيد الصدر"
ما يزال يتعافى من إخفاقاته في الفترة 2007-2009، وأن مقتدى الصدر ما
يزال لاعباً مهماً على المشهد السياسي. غير أن عودته القصيرة إلى
العراق تشير أيضاً إلى ضعفه السياسي على المدى القريب، والوضع غير
الناضج لإعادة اندماجه، والدور المحدود الذي ربما تلعبه حركته في دفع
السياسات الحكومية الحالية. وبالتالي، يجدر بواشنطن أن تستمر في مراقبة
نفوذ طهران الأوسع نطاقاً على المدى القريب الذي يمكن لإيران استخدامه
عبر وكلائها الذين يشغلون مناصب جيدة في الطيف السياسي الشيعي السائد،
وأبرزهم عناصر "حزب الدعوة الإسلامي" برئاسة المالكي و"منظمة بدر"
اللذان يسيطران بشكل جماعي على حصة الأسد من قوات الأمن العراقية،
والكثير من الوزارات السيادية.
وعلى المدى البعيد، ربما يصبح مقتدى لاعباً أكثر أهمية: حيث يركز
نصب عينيه بوضوح على الهيمنة النهائية للمؤسسة الدينية العراقية. كما
أنه ما يزال يأمل أن يؤسس حكم رجال الدين في جنوب ووسط العراق مستعيراً
إياه من نموذج "ولاية الفقيه" في إيران، ولكن مع رجل دين عراقي --
يُفترض أن يكون هو نفسه -- على قمة الهيكل. وفي مرحلة ما، سوف تنتهي
فترة آية الله العظمى علي السيستاني كرجل الدين البارز في العراق،
وربما يسعى الصدر إلى عرقلة اختيار خليفة للسيستاني من المدرسة
التقليدية "الأهدأ" (التي ترفض قيام نظام "ولاية الفقيه" في العراق).
وفي ذلك السيناريو هناك احتمال بأن تتعارض المصالح القومية وتلك الخاصة
بالسلالة العائلية لمقتدى الصدر، مع طموحات طهران للسيطرة على الحوزة
العلمية، ومن خلالها السيطرة على الشيعة في العراق.
وبناءاً على ذلك، يجدر بواشنطن أن تجد طرقاً لاستغلال التوترات في
علاقة مقتدى الصدر مع الحكومة الإيرانية، سواء فيما يخص مسألة خلافة
السيستاني الوشيكة وغيرها من الكثير من القضايا (مثل تمزيق طهران
المتعمد لقاعدة دعمه).
وفي حين تسعى الولايات المتحدة إلى موازنة النفوذ الإيراني في
العراق سيكون التعقب المستمر للديناميات الداخلية لـ "التيار الصدري"
أمراً حاسماً، مثله مثل صيانة المراكز الدبلوماسية الأمريكية في
المواقع الاستراتيجية مثل [محافظة] الحلة، القريبة من النجف.
نبذة عن معهد واشنطن
الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه
الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية
في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل
توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه
المنطقة الحيوية من العالم.
وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم
المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة
العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم
للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق
باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف
الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف
به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة. |