تركيا... نموذج لتطلعات شعوب الشرق الاوسط

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: بعيون يملئها الامل تتطلع شعوب الدول العربية الى ما هو قائم في تركيا، خصوصا بعد التغييرات الايجابية التي طرأت على المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي ايضا على يد حزب العدالة والتنمية هناك.

حيث استطاعت تلك الدولة التي كانت توصف منذ حقبة السلطنة العثمانية بالبلد المريض الارتقاء بواقعها الذاتي والتفوق على نفسها بعد نجاح النظام الديمقراطي الشفاف في تثبيت ركائز الحكم الرشيد خلال العقد الحالي.

كما استعادت الدولة التركية خلال هذه الفترة عافيتها ودورها الدولي والاقليمي الذي غيب على مدى عشرات السنين من الانقلاب الذي قاده اتاتورك قبيل التحول العلمانية الصلف الذي فرضه العسكر خلال فترة هيمنة على مقاليد الامور.

وتعد تركيا احدى اكبر الدول الاسلامية في المنطقة وتتمتع بموقع جغرافي جعل منها بوابة مشتركة  بين الغرب والشرق، تمزج بين عدة ثقافات وقوميات.

فيما يتطلع قادتها الجدد الى العودة على المشهد العالمي بشكل فاعل وتدريجي، والاستقلال بمواقفها الدولية التي كانت غالبا ما تنحاز الى الغرب بعد انضمامها الى الحلف الاطلسي، مما تسبب بفجوة عميقة بينها وبين الدول العربية التي تعد امتداد حضاري وديني مشترك.

التعايش السلمي

فقد اظهر استطلاع للرأي اجرته مؤسسة تركية رائدة ان غالبية شعوب عدد من ابرز دول الشرق الاوسط ترى في تركيا نموذجا ودليلا على تعايش الاسلام والديموقراطية.

وبين الاستطلاع ان 66% من الشعوب في عدد من اهم دول المنطقة يعتبرون تركيا نموذجا ناجحا للتطور والتنمية.

واجرت الاستطلاع المؤسسة التركية للدراسات الاقتصادية والاجتماعية في اب/اغسطس وايلول/سبتمبر وشمل نحو 2300 شخص في مصر وايران والعراق والاردن ولبنان والمناطق الفلسطينية وسوريا والسعودية.

ويأتي نشر الاستطلاع في الوقت الذي تشهد مصر احتجاجات شعبية ضد النظام كما تشهد عدد من الدول الاخرى في المنطقة اضطرابات بعد سقوط نظام الرئيس التونسي زين العابدين بن علي الشهر الماضي.

وذكر 66% ممن شملهم الاستطلاع ان "تركيا يمكن ان تكون نموذجا لدول الشرق الاوسط" ورات اغلبية مماثلة في تركيا "نموذجا ناجحا لتعايش الديموقراطية والاسلام".

وردا على سؤال حول السبب الذين يجعلهم يعتبرون تركيا نموذجا، اشار 15% الى "الهوية الاسلامية" لتركيا بينما تحدث اخرون عن اقتصادها ونظامها الديموقراطي "ودفاعها عن حقوق الفلسطينيين والمسلمين".

ومن بين الذين رفضوا النموذج التركي قال 12% منهم ان السبب هو نظام تركيا العلماني، بينما قالت نسبة اقل ان البلد "ليس مسلما بما فيه الكفاية" او ان "له علاقات مع الغرب".

وذكر 73% انهم يعتقدون ان نفوذ تركيا في الشرق الاوسط تزايد خلال السنوات الماضية، وقال 78% ان على تركيا تقوية دورها بينما فضلت اغلبية مماثلة توسط تركيا في النزاع الاسرائيلي الفلسطيني. بحسب رويترز.

وتصدرت تركيا قائمة افضل الوجهات السياحية وقال 78% من المشاركين في الاستطلاع انه شاهدوا مسلسلا دراميا تركيا واحدا على الاقل.

واجري الاستطلاع بهدف معرفة تاثيرات مساعي تركيا خلال السنوات الماضية لتعزيز دورها في المنطقة.

اعادة تفسير العلمانية

في سياق متصل قال عضو بحزب العدالة والتنمية مسؤول عن وضع مسودة دستور جديد إن على تركيا اعادة تفسير مباديء العلمانية حتى تتكيف مع مجتمع متغير لينضم الى جدل متزايد بشأن هوية الدولة التي يغلب على سكانها المسلمون.

وأسس كمال اتاتورك تركيا - القوة الاقليمية الصاعدة التي تتطلع الى الانضمام للاتحاد الاوروبي - لتكون جمهورية علمانية على أنقاض الامبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الاولى.

لكن تغيرا في ميزان القوى تقوده طبقة متوسطة جديدة من المسلمين المتدينين تمثل العمود الفقري لحكومة حزب العدالة والتنمية يتحدى قدرة تركيا على تحقيق توافق بين الاسلام والعلمانية.

وفي أحدث منعطف بالنزاع المستمر منذ فترة طويلة أمر المجلس الاعلى للتعليم الاسبوع الماضي جامعة اسطنبول وهي واحدة من اكبر الجامعات التركية بمنع المدرسين من طرد الطالبات اللاتي يرتدين الحجاب من المحاضرات.

ويحظر ارتداء الحجاب في الجامعات والمنشآت العامة وهي احدى أكثر القضايا حساسية في حرب الثقافات.

وقال برهان كوزو رئيس اللجنة الدستورية بالبرلمان الذي يهيمن عليه حزب العدالة والتنمية "نحترم المبادئ العلمانية لتركيا لكن يجب اعادة تفسيرها."

وأضاف "قضية الحجاب على سبيل المثال لا تتعلق بالعلمانية بل بحريات الافراد. يجب أن يركز دستور تركيا الجديد على القيم الديمقراطية والحقوق الفردية."

وأعلن رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان الذي فاز في استفتاء الشهر الماضي على اصلاحات دستورية ترعاها الحكومة اعتزامه وضع دستور جديد يحل محل ذلك الذي تم وضعه في أعقاب انقلاب عسكري عام 1980 .

وخرج حزب العدالة والتنمية من رحم أحزاب اسلامية محظورة ولا يثق به خصومه الذين يشتبهون في أنه يريد الغاء العلمانية وتطبيق الشريعة الاسلامية.

وفي مقابلة مع رويترز في وقت متأخر يوم الثلاثاء كرر كوزون موقف الحزب قائلا ان الاتهامات بأن له جدول أعمال سريا تنتمي لاساليب سياسة الترويع. وقال انه يجب الوصول الى اجماع بشأن مسودة دستور جديد سيجري كشف النقاب عنها بعد انتخابات تجري في يونيو حزيران.

وأضاف "حزب العدالة والتنمية يحكم منذ عام 2002 ولا توجد واقعة واحدة لتدخل الحكومة في نمط حياة الشعب."

ويشبه الحزب نفسه بالاحزاب المسيحية الديمقراطية المحافظة في اوروبا الليبرالية فيما يتعلق بالسياسات الاقتصادية لكنها محافظة فيما يتعلق بالقضايا الاجتماعية. وترتدي زوجة اردوغان الحجاب. بحسب رويترز.

ويخشى العلمانيون الذين كانوا مهيمنين حتى مجيء الحزب من أن يؤدي الاتجاه الاجتماعي المحافظ الذي يتزايد و"ضغوط الجوار" الى فرض تغيير على تركيا كما يشعرون بالقلق من أن يفتح رفع الحظر عن ارتداء الحجاب في الكليات الباب امام أسلمة المجتمع بسرعة.

وقال يوسف اوزجان رئيس المجلس الاعلى للتعليم انه مصمم على الدفاع عن حقوق الطالبات غير المحجبات بنفس الدرجة.

وكتب جونجور منجي رئيس تحرير صحيفة وطن اليومية يقول "ضمان اوزجان اثبات أنه يتفق مع وجود خطر بتعرض الفتيات غير المحجبات لهذا الضغط."

وأطاح الجيش الذي يصف نفسه بأنه حامي العلمانية بأربع حكومات منتخبة. وكادت محاولة من حزب العدالة والتنمية لرفع الحظر عن ارتداء الحجاب قبل نحو ثلاث سنوات أن تؤدي الى اصدار المحكمة الدستورية قرارا باغلاق الحزب.

لكن صلاحيات الجنرالات قيدتها اصلاحات تهدف الى تقريب تركيا من الانضمام الى الاتحاد الاوروبي.

وقال كمال كيليجدار اوغلو زعيم المعارضة العلمانية انه يريد الوصول الى حل لمشكلة الحجاب.

وفي وجود مؤشرات على ازدياد الاسلام شيوعا ثارت تكهنات بشأن ما اذا كان الجنرالات سيحضرون حفل استقبال بالقصر الرئاسي بمناسبة العيد الوطني في 29 اكتوبر تشرين الاول.

ويقيم الرئيس عبد الله جول وزوجته محجبة هي الاخرى حفلي استقبال منفصلين عادة حتى لا يصافح الجنرالات زوجته لكن تقارير أفادت بأن جول يعتزم اقامة حفل واحد هذا العام.

الاصلاحات الدستورية

على صعيد متصل تعهدت الحكومة التركية بالمضي قدما في خططها للإصلاح عززت فرص حزب العدالة والتنمية في الفوز بفترة ثالثة في السلطة.

ودفع اقرار التعديلات جماعات لحقوق الانسان الى تقديم سيل من الطلبات لمحاكمة قادة الانقلاب العسكري الذي وقع عام 1980 والذين جردوا من الحصانة بموجب احد التعديلات في حزمة الاصلاحات الدستورية.

وأذكى فوز الوزراء التركي رجب طيب اردوغان في الاستفتاء مخاوف العلمانيين المتشددين حين قدم مذكرة تفيد بأن حزبه سيشرع على الفور في وضع دستور جديد للبلاد.

وصعدت نتيجة الاستفتاء بالاسواق المالية حيث رفعت الاسهم الى مستوى قياسي مرتفع وقال وزير المالية انها وفرت فرصة لتوسيع برنامج الاصلاح التركي.

وصوت 58 في المئة بنعم مقابل 42 في المئة صوتوا بلا. وبلغت نسبة الاقبال على المشاركة في الاستفتاء 77 في المئة بين 50 مليونا يحق لهم الادلاء بأصواتهم.

واجري الاستفتاء في الذكرى الثلاثين لانقلاب عام 1980 وشحذ اردوغان الرأي العام وراء تغيير الدستور الذي كتب خلال الحكم العسكري للبلاد من خلال تذكير الاتراك بالحكم الاستبدادي الذي نشأ مع تولي الجنرالات الحكم. وقالت صحيفة صباح الموالية للحكومة "تركيا تنظف عار الانقلاب."

وتحركت جماعات حقوق الانسان سريعا في اعقاب التصويت وتقدمت بالتماسات بمكتب مدعي انقرة لمحاكمة قادة الانقلاب وبينهم الرئيس السابق كنعان افرين وهو جنرال سابق على جرائم ضد الانسانية.

وبعد الانقلاب اعدم 50 شخصا واعتقل الالاف وعذب الكثير ومات المئات في الاحتجاز واختفى كثيرون.

ودافع افرين (93 عاما) عن الانقلاب قائلا انه وضع نهاية لسنوات من العنف بين جناحي اليسار واليمين والتي قتل فيها نحو خمسة الاف شخص.

ويخشى معارضون ان يكشف حزب العدالة والتنمية الحاكم بعد ان اكسبه الفوز قوة عن أجندة اسلامية اذا فاز بفترة ثالثة في السلطة خلال الانتخابات المقررة بحلول يوليو تموز القادم وان نفى اردوغان اي خطط للعدول عن السياسة العلمانية الرسمية لتركيا المعاصرة.

ومعظم حزمة الاصلاحات غير مثير للجدل ولكن منتقدين علمانيين يقولون ان تغيير الطريقة التي يتم بها تعيين كبار القضاة سيجرد السلطة القضائية من دورها في الاشراف على السلطة التنفيذية وسيفقدها استقلالها.

وشارك في الجدل الدائر المدعي العام التركي الذي كاد ان ينجح عام 2008 في حظر حزب العدالة والتنمية لنشاطه الاسلامي.

وقال عبد الرحمن يالجيناكيا رئيس مدعي محكمة الاستئناف العليا "تصميمنا كقضاة هو حماية استمرار استقلال النظام القضائي حتى في وجه تغيير الدستور والقوانين."

ويعتقد منتقدون ان حزب العدالة والتنمية سيمرر الان تشريعات دون خوف من ان تعطلها المحكمة الدستورية كما فعلت عام 2008 حين حاولت حكومة اردوغان الغاء حظر مفروض على دخول المحجبات الجامعات ولكن المحكمة الدستورية احبطت هذا التحرك.

وكسبت حكومة اردوغان قلوب الكثير من الاتراك بقيادتها لحملة الانضمام الى الاتحاد الاوروبي والاشراف على اصلاحات وعلى نمو اقتصادي لم يسبق له مثيل حول تركيا الى نجم متلالئ بين الاسواق الناشئة.

وقال وزير المالية التركي محمد شيمشك لرويترز ان اقرار التعديلات الدستورية يعزز استقرار الاقتصاد الكلي والاستقرار السياسي في البلاد. وقال "هذا سيعزز الثقة في تركيا. هذا سيوفر فرصة لتوسيع وتعميق برنامجنا الاصلاحي."

وقلص ركود عميق العام الماضي امال حزب العدالة والتنمية الانتخابية لكن الانتعاش القوي اعاد ثقة الناخبين اخذا بنتيجة استفتاء.

وتوج الاداء الضعيف للمعارضة العلمانية بعدم تمكن زعيم حزب الشعب الجمهوري العلماني المعارض كمال كيليجدار أوغلو من الادلاء بصوته في الاستفتاء.

وأصدر الحزب بيانا قال فيه ان زعيم الحزب لم يكن على علم بقواعد تقيد الاماكن التي يمكن ان يصوت فيها أعضاء البرلمان. وعلق الحزب العلماني اماله على كيليجدار اوغلو ليعلي مكانة حزب مؤسس تركيا العلماني مصطفى كمال اتاتورك قبل انتخابات العام القادم.

ويتوقع اشخاص كثيرون الان اتساع هوة الانقسامات بين مؤيدي حزب العدالة والتنمية والعلمانيين حيث لا تزال روح التسوية غائبة في ديمقراطية تركيا.

وقال فاروق لوغلو وهو سفير سابق في الولايات المتحدة انه يعتقد ان السياسات ستتعرض للاستقطاب.

وأضاف "الحزب الحاكم سيكون حتى اقل احتراما للمعارضة وستستخدم المعارضة كلمات واتجاهات اشد لتقويض الحكومة."

وكان زعيم الحزب العلماني قد صرح بأن الحكومة اتخذت " خطوة كبيرة" في اتجاه السيطرة على السلطة القضائية وان حزبه سيعارض محاولات حزب العدالة والتنمية لاحتكار السلطة.

الانضمام للاتحاد الاوروبي

من جهة اخرى يحاول رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان تنشيط مساعي تركيا للانضام الى الاتحاد الاوروبي خلال رحلة الى ألمانيا وبروكسل هذا الاسبوع لكن عدم وجود تغيير مواقف في قضية قبرص يعني أن حدوث انفراجة غير مرجح.

تأتي زيارة اردوغان الى مقر الاتحاد الاوروبي وهي الاولى منذ يونيو حزيران عام 2009 في الوقت الذي يشعر فيه زعماء تركيا باحباط متزايد بسبب عدم احراز تقدم في محادثات العضوية التي بدأت عام 2005 .

وتقول تركيا وهي قوة اقتصادية متنامية يقع جزء منها في اسيا وجزء اخر في أوروبا ان عضويتها في الاتحاد تمثل أكبر أولوية لها في سياستها الخارجية.

لكن تقسيم جزيرة قبرص وتحفظات دول لها ثقل في الاتحاد مثل ألمانيا وفرنسا بشأن منح العضوية الكاملة لتركيا التي تسكنها أغلبية مسلمة تمثل عقبات.

وزاد التشكك في بروكسل ازاء مدى اصرار أنقرة على اجراء اصلاحات جادة قبل الانتخابات البرلمانية في يونيو حزيران مما أطلق عليه شتيفان فوله مسؤول توسعة الاتحاد الاوروبي مشكلة "المصداقية" بين الجانبين.

ومن بين 35 محورا للتفاوض لم تتم تركيا سوى محور واحد وما زال هناك 12 محورا رهن البحث و18 توقف التفاهم بشأنها بسبب معارضة دول أعضاء في الاتحاد الاوروبي بما في ذلك قبرص وفرنسا. بحسب رويترز.

وقال فوله مؤخرا في بروكسل "الاحباط يتزايد من كلا الجانبين... نريد أن يكون هناك زخم جديد في العلاقة مع تركيا لانها شريك استراتيجي للاتحاد الاوروبي."

ومن المقرر أن يلتقي أردوغان الذي سيرافقه وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو بالمستشارة الالمانية أنجيلا ميركل في المانيا يوم الاثنين قبل اجراء محادثات في بروكسل يوم الثلاثاء مع رئيس المفوضية الاوروبية جوزيه مانويل باروزو. كما سيلتقي برئيس المجلس الاوروبي هرمان فان رومبوي.

ويريد الاتحاد الاوروبي من تركيا تعديل الدستور الذي جرت صياغته بعد انقلاب عسكري عام 1982 وتوسيع حقوق الاقليات. وانتقد تقرير من المفوضية في نوفمبر تشرين الثاني أنقرة بشدة لتقييدها حرية الاعلام.

ويتهم زعماء أتراك بعضا من الدول الاعضاء في الاتحاد الاوروبي باستغلال النزاع حول جزيرة قبرص المقسمة لاعاقة محاولة تركيا الانضمام وأبدوا شكوكهم في أن بعض الدول لا تريد لدولة بها عدد كبير من السكان المسلمين دخول الاتحاد المؤلف من 27 دولة.

وقالت أماندا بول وهي خبيرة في الشؤون التركية في مركز أبحاث السياسة الاوروبية ان أيا من الجانبين غير راغب في تعليق المحادثات.

كما أن تركيا عرضة للاضطرابات الداخلية لذلك فان المستثمرين يجدون طمأنة في الاصلاحات التي يطلبها الاتحاد الاوروبي حتى وان كانت بطيئة الخطى. وساعد وضع تركيا باعتبارها مرشحة للاتحاد الاوروبي على جلب الاستثمارات والمكانة لتركيا التي لديها القدرة على الوصول الى الاسواق الاوروبية ووسعت من علاقاتها التجارية في اسيا وافريقيا والشرق الاوسط.

وقالت بول "تحتاج أوروبا الى الحفاظ على اشراك تركيا وتريد أن ترى اصلاحات في تركيا في حين تريد تركيا أن تظهر أنها ما زالت دولة مرشحة لذلك. يمكننا أن نتوقع من باروزو أن يبلغ أردوغان ان الاتحاد الاوروبي ملتزم تماما بالعضوية الكاملة لتركيا وأن يقول اردوغان لباروزو ان تركيا ملتزمة بالعضوية في الاتحاد الاوروبي."

وأضافت أنه في ظل المشكلات الموجودة في منطقة اليورو فان هناك احتمالات محدودة في أن يسرع الاتحاد الاوروبي من قبول تركيا.

ومع الاحتجاجات التي تشهدها منطقة الشرق الاوسط طرحت تركيا العلمانية الديمقراطية باعتبارها نموذجا للتغيير.

ومن المرجح أن يركز المسؤولون الاتراك على موقع أنقرة الاستراتيجي ودورها كدولة مسلمة وحيدة في حلف شمال الاطلسي مع وجود قنوات مفتوحة مع ايران وسوريا ومنطقة القوقاز وأفغانستان وباكستان وقبل وقت قريب اسرائيل.

لكن المقاومة داخل الاتحاد الاوروبي ليست في صالح تركيا اذ أكد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي خلال زيارة لانقرة يوم الجمعة مجددا على ارائه وهي أن تركيا لا تلائم أوروبا وقال ان على الجانبين أن يبحثا شكلا بديلا من العلاقة بين الجانبين.

وصرح ساركوزي في مؤتمر صحفي "أعتقد أن الطريقة الاكثر نفعا في تجنب خطر الجمود هي محاولة بحث سبل التوصل الى حل وسط."

وتشارك ميركل التي ستقابل اردوغان في هانوفر ساركوزي في ارائه. وساهمت اراء ساركوزي وميركل الى جانب عدم احراز تقدم في اتفاق بين تركيا والاتحاد الاوروبي حول الدخول دون تأشيرات في تراجع تأييد انضام تركيا للاتحاد وتظهر استطلاعات للرأي أن الكثير من الاتراك يعتقدون أن الاتحاد الاوروبي لا يمثل أولوية.

لكن هيو بوب وهو محلل في مجموعة الازمات الدولية قال ان الاضطرابات في الشرق الاوسط يجب أن تكون "جرس انذار" لجعل تركيا تركز على الاصلاحات التي يطلبها الاتحاد الاوروبي بما في ذلك حل مشكلة قبرص.

وأضاف "علاقة تركيا مع الاتحاد الاوروبي ستخدم أهدافها بصورة أفضل. تركيا ليس لديها بديل حقيقي للاتحاد الاوروبي."

اختلافات ثقافية

من جانبه قال رئيس مفوضية الاتحاد الاوروبي جوزيه مانويل باروزو إن طموح تركيا للانضمام لعضوية الاتحاد يتعثر بسبب اختلافات ثقافية وتغير في الموقف من تركيا.

ويلاقي طلب تركيا الانضمام لعضوية الاتحاد المؤلف من 27 دولة مقاومة أوروبية منذ سنوات بسبب سجلها في مجال حقوق الانسان وخلافها مع قبرص وهي دولة عضو في الاتحاد لا تعترف بها تركيا.

وقال باروزو لطلاب جامعة كولومبيا ان هناك "تطورات في الرأي العام في تركيا وبعض الدول الاعضاء" بالاتحاد تعوق تحقيق تقدم بخصوص عضوية تركيا في الاتحاد الاوروبي.

وأضاف "انها لحقيقة اليوم أن هناك في بعض الدول أعضاء الاتحاد الاوروبي ... شكوكا كبيرة بشأن عضوية تركيا بسبب اختلافات ثقافية وهذا أمر هام للغاية. "ونحن نناقش هذا الامر حاليا مع الدول الاعضاء."

وفي حالة قبول عضويتها ستكون تركيا الدولة الوحيدة ذات الاغلبية المسلمة في الاتحاد واحدى أكبر دوله من حيث عدد السكان. والدول الاخرى التي لها طلبات معلقة للانضمام لعضوية الاتحاد هي ألبانيا وصربيا والبوسنة والهرسك ومقدونيا والجبل الاسود.

وقال باروزو انه سيلتقي مع الرئيس التركي عبد الله جول أثناء حضورهما اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة في نيويورك. وأضاف "تقر تركيا بأنه لم يتم الوفاء بكل المعايير .. هذه هي القضية الاولى. بحسب رويترز.

"وتؤيد المفوضية الاوروبية بشدة توسيع الاتحاد الاوروبي لكن يتعين أن يلبي كل الاعضاء كل المعايير."

وأضر تنامي المعارضة للهجرة في عدد من بلدان الاتحاد الاوروبي أيضا بترشيح تركيا وهي مصدر كبير للهجرة في أوروبا منذ فترة طويلة.

ومنح الناخبون السويديون الديمقراطيين السويديين المناهض للهجرة أصواتا كافية لدخول البرلمان. وفي عدد من الدول الاوروبية الاخرى مثل الدنمرك وهولندا حصلت أحزاب يمينية مناهضة للهجرة على تأييد أيضا في السنوات الاخيرة.

الكحول تدخل ساحة المعركة السياسية

من جهة اخرى تجمع مئات الاشخاص في عطلة نهاية الاسبوع متحدين درجات الحرارة المتدنية جدا في انقرة في تظاهرة مناهضة للحكومة لا سابق لها..اذ انهم لم يرفعوا الاعلام واللافتات بل عبوات البيرة وكؤوس الشمبانيا.

التجمع الذي اطلق عليه اسم "تحرك الشرب" الذي اقيم في مدن كبيرة اخرى سببه نظام جديد يفرض قيودا صارمة على بيع المشروبات الكحولية ما دق ناقوس الخطر في صفوف سكان المدن الاتراك العلمانيين الذين يتخوسشذفون من ان الحكومة الاسلامية الجذور تستهدف نمط عيشهم الليبرالي. وقالت امرأة شاركت في التظاهرة في انقرة "لسنا مدمني كحول. انهم ينتهكون حقوقنا".

وهتف المحتجون "لا للفاشية" فيما رفع اخرون كؤوسا مصنوعة من لمبات وهي شعار حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا. وكتب احد المحتجين على صفحة فيسبوك المخصصة لهذا الحدث "لنشرب حتى التقيؤ".

وشكلت هذه العبارة ردا على رئيس الوزراء رجب طيب ادروغان وهو مسلم ملتزم يرفض الاتهامات الموجهة الى حكومته بمحاولة فرض نمط حياة اسلامي الا انه لا يمكنه اخفاء اشمئزازه من المشروبات الكحولية.

وكان اردوغان قال غاضبا "من يتدخل؟ انهم يشربون (بحرية) حتى التقيؤ" مشددا على ان السلطات تسعى فقط الى حماية الشباب من عادات مضرة.

وحاول نائبه بولنت ارينج التخفيف من الجدل قائلا للمنتقدين ان "الحياة لا تقتصر على الشرب والجنس". بحسب فرانس برس.

ويكشف التأثير الاولي للنظام الجديد الذي دخل حيز التنفيذ في مطلع كانون الثاني/يناير انه لا يطال فقط الشباب بل ايضا البالغين الذين يحضرون مناسبات اجتماعية مثل الحفلات الغنائية وحفلات الاستقبال.

ويضع النظام قيودا صارمة على اعلانات المشروبات الكحولية ويمنع الباعة المخولين بيع المشروبات الكحولية من اخراجها من متاجرهم مما اثار تساؤلات حول كيفية قيام شركات الطعام بتنظيم مناسبات احتفالية.

ويحظر النظام الجديد المشروبات الكحولية في المناسبات المرتبطة "بالاطفال والشباب" مثل الحفلات الغنائية والمهرجانات ويحدد السن القانوني لتناول الكحول ب24 عاما ما يتناقض مع قوانين سارية المفعول تسمح للاتراك بشراء الكحول واستهلاكها والدخول الى مؤسسات تقدم الكحول في سن الثامنة عشرة.

ويقول كاتب الزواية محمد تزكان في صحيفة "ميليت" اليومية ان "الهدف ليس حماية الشباب بل التدخل في الحياة الاجتماعية بحجة الكحول".

ومن الضحايا البارزين لهذا النظام الجديد ملهى "بابيلون" في اسطنبول وهو المكان الاهم للموسيقى الحية من كل انحاء العالم.

بموجب النظام الجديد، اعتمد الملهى اجراء التدقيق بالهويات عند المدخل لمنع دخول من هم دون الرابعة العشرين عندما تكون الحفلة التي يستضيفها برعاية شركة للمشروبات الكحولية وهو امر كثير الانتشار لتمويل حفلات لفنانين اجانب.

يقول محمد اولوغ احد مالكي الملهى "انها ضربة كبيرة توجه الى سمعتنا على المستوى العالمي.. نحن نحتاح اطرافا راعية لعروضنا".

وفي حادث اخر وقع الاسبوع الماضي حذفت شركة انتاج النبيذ عن قائمة حفل استقبال اقيم بمناسبة اطلاق فيلم جديد خوفا من فرض غرامة عليها لان المسرح الذي اقامت فيه الحدث لا يملك رخصة لتقديم الكحول.

وطلبت جمعية المحامين في انقرة من المحكمة ادارية العليا في تركيا الغاء النظام الجديد بحجة انه ينال من الحريات الفردية.

وكانت الجمعية نجحت في 2007 في وقف مرسوم حكومي كان سيحدد "مناطق حمراء" خارج المدن للمؤسسات التي تقدم النبيذ والمشروبات الكحولية.

عندما كان رئيسا لبلدية اسطنبول في تسعينات القرن الماضي حظر ادروغان الكحول في المطاعم التي تديرها البلدية. وفي العام الماضي تصدر عنوانين الصحف بحثه الاتراك على تناول العنب بدلا من شرب النبيذ. ومنذ وصوله الى الحكم العام 2002 عمد حزبه الى رفع الرسوم على الكحول بشكل كبير.

ويقول ايتكيم ايكير وهو صاحب مقهى في انقرة "لا تجد روما مرتفعة الى هذا الحد في اي مكان اخر. انه بمثابة عقاب".

ويشير منتقدو موقف الحكومة القائم على محاربة ادمان الكحول الى الارقام التي تظهر ان الاتراك ليسوا مستهلكين كبارا للكحول مع 1,5 ليتر للفرد سنويا في مقابل حوالى 12 ليترا للفرد في دول اوروبا الغربية.

وهذا النظام الجديد اعطى ذخيرة جديدة لمعارضي الحكومة الذين يعتبرون ان حزب العدالة والتنمية يتحول الى حزب استبدادي مع حملات اردوغان المنتظمة على وسائل الاعلام وتشدد الشرطة مع التظاهرات في الشارع وخلافات الحكومة المتأججة مع القضاء.

إلغاء حظر الحجاب

من جانب آخر قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان ان قانونا يحظر على النساء ارتداء الحجاب في الجامعات مناقض لحرية العقيدة. وهذا أقوى تلميح حتى الان الى أن حزب العدالة والتنمية الحاكم ربما يحاول من جديد رفع الحظر على الحجاب.

ورفضت المحكمة الدستورية التركية محاولة في عام 2008 من جانب حزب العدالة والتنمية لرفع الحظر. ولكن بعد أن وافق الناخبون على التعديلات الدستورية هذا الشهر بغرض اجراء اعادة بناء شاملة للمحكمة أعاد مسؤولو الحزب هذه القضية الحساسة الى جدول أعمال الحكومة.

وقال اردوغان في كلمة أمام طلاب جامعيين في اسطنبول أذيعت في بث حي "نحن نتفق مع المجتمع في قضية الحجاب."

وأضاف "لا نريد أن نخيب ظن شبابنا. ليس من المنطقي التدخل بهذه الصورة في العقيدة والتعليم بعد الان."

وتأتي تصريحاته قبل شهور من موعد انتخابات من شأنها أن تؤذن بدستور جديد اذا فاز حزبه.

وارتداء الحجاب قضية حساسة بالنسبة لتركيا المرشحة لعضوية الاتحاد الاوروبي والتي فيها أغلبية مسلمة ودستور علماني متشدد.

ولا يسمح بارتداء الحجاب في الجامعات الحكومية ويمنع الموظفون من ارتدائه في العمل. ويقول المتدينون الاتراك ان الحظر انتهاك لحقوقهم الفردية ويقول العلمانيون الاتراك ان الحظر لازم للدفاع عن الجمهورية العلمانية التي أسسها كمال أتاتورك عام 1923.

وبعد الفوز في استفتاء في 12 سبتمبر أيلول على اجراء تعديلات دستورية أعلن اردوغان خططا من أجل وضع دستور جديد للبلاد عقب الانتخابات المقرر اجراؤها في يوليو تموز 2011.

وانبثق حزب العدالة والتنمية الذي لديه جذور سياسية اسلامية من أحزاب اسلامية محظورة. ولايثق به خصومه الذين يرون أن الاصلاحات الليبرالية غطاء من أجل الرجوع عن العلمانية.

ويعتبر حزب العدالة والتنمية الذي يحكم البلاد منذ 2002 نفسه نظيرا للاحزاب الاجتماعية الديمقراطية المحافظة في أوروبا. ويتهم خصومه باثارة الذعر.

وأدى فوز حزب اردوغان في استفتاء هذا الشهر الى تعزيز فرصه في الفوز في الانتخابات التي يسعى فيها حزب العدالة والتنمية الى ولاية ثالثة من حكم الحزب الواحد.

ويخشى خصوم الحزب أن يسعى الى اصدار تشريعات ترضي القاعدة الشعبية المحافظة في البلاد. كما يخشون أن يكون نمط الحياة العلماني محل تهديد.

وقال كمال كيليكدارأوغلو الزعيم الجديد لحزب الشعب الجمهوري العلماني المعارض انه مستعد لمناقشة قضية الحجاب وان حزبه مستعد للتعاون على وضع دستور جديد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 2/آذار/2011 - 26/ربيع الأول/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م