شبكة النبأ: تنظر الشعوب المنهكة بسبب
الفقر والسياسات الخاطئة، الى الشعوب المتطورة باندهاش وتعجّب، بسبب
القيمة العليا التي يتمتع بها إنسان المجتمعات المتطورة، وكلنا نتابع
بشيء من الألم والحسد والحسرة أحيانا، كيف تهتم الحكومات الغربية
برعاياها، فيما لو تعرض احدهم او مجموعة منهم، الى خطر قد يتهدد حياتهم،
سواء في خارج بلدانهم ام داخلها، وكلنا نعرف كيف تتحرك الشعوب المتقدمة
ازاء الحوادث العصيبة، نحو حالة التكافل والتعاون، ومد يد العون الى من
يحتاجها في شعوبهم.
هذه الثقافة السلوكية في التعامل مع الكوارث والاحداث المميتة او
سواها، لم تأت في ليلة وضحاها، ولم تكتسبها الشعوب المتطورة في غمضة
عين، لقد تمكنت هذه الشعوب من زرع ثقافة التكافل والتعاون بين افرادها،
وجماعاتها، بأساليب عدة، ومنها إتقان عمليات الدفاع المدني، التي
تحتاجها الشعوب في الملمات، والاحداث الكارثية، سواء كانت طبيعية مثل
الحرائق والفيضانات، أو تلك التي يقف خلفها الانسان نفسه، كالحروب
الاهلية والدولية او سواها.
وبمناسبة اليوم العالمي للدفاع المدني، وطالما أننا لانزال نقبع في
خانة شعوب الحروب والازمات، فإننا أحوج الناس الى الاهتمام بعمليات
الدفاع المدني واتقانها، لاننا نحتاجها بصورة يومية، إن لم نقل لحظوية،
ولهذا ينبغي على جميع افراد الشعب، وفئاته، ومكوناته، لا سيما الشباب،
أن يتقنوا الخطوات التي يمكنها إسعاف الناس في حالة تعرضهم لاصابة ما،
ومعاونتهم لغرض تقليل الاضرار والخسائر، التي تنتج عن الحروب والارهاب
والكوارث الاخرى.
وبهذا فإننا كشعب وكمجتمع لا يزال يخطو ويتحرك ببطء، نحو بناء نفسه
في جميع المجالات، لابد أننا نحتاج الى التشجيع على نشر الخطوات
العملية للدفاع المدني، سواء على مستوى الافراد او الجماعات، وهنا
يتقدم دور المؤسسات، والمنظمات الحكومية المعنية بهذا الامر، على غيرها،
مع ان المنظمات الاهلية المحلية والدولية، غير معفية من مسؤولية تطوير
قدرات الشعوب، على التعاطي مع عمليات الدفاع المدني بصورة متقنة.
بمعنى اوضح لابد للحكومة التنفيذية، والجهات المعنية، بتطوير قدرات
الشعب في مجال الدفاع المدني، أن تقدم على خطوات عملية ملموسة في هذا
المجال، كإقامة الدورات التدريبية المنتظمة للشباب وغيرهم، من الفئات
العمرية، القادرة على القيام بتقديم المعونة، والاسعاف، عندما يحتاجها
احدهم، ويمكن للوزرات وما يتبعها من مؤسسات ودوائر رسمية، أن تهتم
بصورة منتظمة، ودائمية، باعطاء الدروس العملية والنظرية، لموظفيها في
اتقان عمليات الدفاع المدني، ويمكن أن تخصص أيام محددة من الاسبوع،
للتعاطي مع هذا الامر الذي ينبغي أن يتعامل معه الجميع، رسميون
واهليون، بروح المسؤولية العالية، ولابد أن تكون مثل هذه الخطوات
ملزمة، اذا تعلق الامر بالدوائر الحكومية، وطوعية حين يتعلق الامر
بالمنظمات المدنية التي تهتم بالدفاع المدني.
وفي حالة تنامي روح المسؤولية الفردية والجماعية تجاه عمليات الدفاع
المدني، فإننا سنكتسب نوعا جديدا من السلوك الانساني المتحضّر، الذي
يدل على تطور وعي المجتمع حيال قضية قيمة الانسان، وأهمية الحفاظ عليه
من المخاطر، والنظر إليه والى سلامته بجدية عالية، لأن الهدف الاهم
للدولة والحكومة والمجتمع، هو الحفاظ على سلامة افراده، ومساعدتهم على
التعاون في الملمات، والاحداث العصيبة، وذلك من خلال الاهتمام المنظّم
والمدروس في نشر ثقافة التعامل الصحيح مع الاخطار التي قد يتعرض لها
الانسان، من خلال إتقان عمليات الدفاع المدني.
وهكذا تبدو لنا قضية إتقان الدفاع المدني، ذات ابعاد جماعية اكثر
منها فردية، كما أنها تعني الجهات الحكومية قبل الاهلية، اذ لابد
للحكومة أن تحمي رعاياها، من المخاطر المتعددة، من خلال تأسيس وتطوير
الدوائر الخدمية المتخصصة بتقديم خدمات الدفاع المدني، ولكن ينبغي ان
لا يتوقف دور الحكومة عند هذا الحد، بل يمتد الى توفير كل الظروف التي
تساعد افراد الشعب، على التعامل مع خدمات الدفاع المدني باعتبارها سمة
حضارية تدعم الانسان وتضاعف من قيمته الانسانية في الحياة. |