جوائز السلطان... جوائز الثقافة

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: اعطوه الف درهم تلك جائزة الخليفة، الوالي، السلطان، لاحد الشعراء وهو انتهى للتو من قصيدة في مدحه. ترتفع قيمة الجوائز او تنخفض تبعا لمكانة السلطان او الشاعر او كليهما وتبعا لكمية المديح والمفردات الجديدة في تلك القصيدة.

مع تطور الحياة وتعدد الفنون والعلوم اكتسبت تلك الاعطيات والمنح السلطانية تسميات الحكام في البلدان العربية اذكر منها جائزة صدام جائزة مبارك جائزة القذافي، وهي جوائز كثيرا ما تقترن بالابداع في العلوم والفنون والاداب.

بعد الثورات الاخيرة التي حدثت في تونس ومصر وليبيا اخذت تلك الجوائز ابعادا اخرى لا تنفصل عن الوعي السياسي العربي الجديد. ففي مصر وجه عدد من المثقفين المصريين بيانا طالبوا فيه بالغاء اسم (جائزة مبارك) التي تقوم وزارة الثقافة المصرية بمنحها سنويا لثلاثة شخصيات من عالم الآداب والفنون والعلوم الاجتماعية وتبلغ قيمتها في كل فرع من الفروع 400 الف جنيه مصري (72 الف دولار تقريبا).

وقال هؤلاء المثقفون الذين وقعوا على البيان (اننا نطالب بالغاء اسم جائزة مبارك واستبداله باسم آخر يليق بكرامة شعب مصر العظيم وثورة 25 يناير المباركة بعد الجرائم التي ارتكبها رئيس مصر السابق مبارك بحق الشعب وشباب الثورة يوم سحب قوات الامن من انحاء الجمهورية واطلق السجناء والمجرمين لترويع الاهالي الآمنين في بيوتهم بسائر المحافظات).

وتابع البيان (خدع الناس بخطاب كاذب في الوقت الذي اطلق البلطجية على المتظاهرين في ميدان التحرير واستخدامه العنف بافراط لازهاق ارواح مئات الشهداء واراقة دماء آلاف الجرحى وداب جهازه الاعلامي وقادة الصحف القومية على تضليل الرأي العام ونشر الاخبار الملفقة للثوار في ميدان التحرير ومدن مصر لاضعاف التأييد الشعبي الواسع للثورة).

وقد اعاد الروائي بهاء طاهر الجائزة الممنوحة له ورفض ان يكون واحدا من الحائزين عليها اثر الاحداث التي شهدتها مصر.

اما وزير الثقافة المصري السابق جابر عصفور فقد قرر التنازل عن جائزة القذافي العالمية للآداب التي حصل عليها العام الماضي وقيمتها تصل الى مائة وخمسين الف يورو، بسبب (المجازر التي ارتكبها) النظام الليبي بحق شعبه.

وقال عصفور (بعد ما جرى وما شهدناه من ارتكاب كل هذه الجرائم الانسانية بحق شعبه وقتله للمتظاهرين العزل المطالبين بابسط حقوقهم الانسانية ارى انه لا يشرفني ان تكون جائزة القذافي العالمية للاداب بين الجوائز التي حصلت عليها طوال مسيرتي العلمية كونها تحمل اسم هذا السفاح).

وكان عصفور نال جائزة القذافي للاداب في دورتها الاولى العام الماضي وسط انتقادات حادة من قبل مثقفين عرب، خصوصا بعدما تردد ان الكاتب الاسباني غوان غويتسوولو رفض الترشح لنيلها.

يذكّر هذا بالموقف المرتبك للروائي المصري يوسف ادريس حين رفض مشاركة الأديب العراقي الفلسطيني جبرا ابراهيم جبرا في جائزة صدام حسين وأرسل إليه برقية يطالبه بمنح قيمة الجائزة كاملة ووافق صدام على طلبه.. وطلب أن تحول المئة ألف دينار العراقي إلى دولار لأنها ستصبح أكثر من ثلاثمئة ألف دولار «كان الدينار العراقي في تلك الفترة يساوي ثلاثة دولارات ونصف الدولار».

وقد أصبحت هذه الواقعة النميمة المفضلة في الوسط الثقافي خاصة وانه بعد سنوات قليلة وقبل موت يوسف ادريس بسنة واحدة اضطر إلى لعنها في الصحف. فقد تغير الوضع واصبح صدام بعد مقامرة الكويت على قائمة المغضوب عليهم. اضف إلى ذلك ان ابن يوسف ادريس الكبير كان يعمل هناك واختفت اخباره لعدة أسابيع مما اضاف عامل الانتقام الشخصي إلى الموقف من زعيم زين قهره وسلطانه بابتسامات نجوم الثقافة ومدائح صغارها.

كان ذلك بعد ان ألغى صدام حسين جميع الجوائز الأدبية وأنشأ جائزة موحدة كبرى سماها (جائزة صدام للعلوم والآداب والفنون) تمنح مع وسام خاص وتبلغ قيمتها ملايين الدولارات فاز بجائزتها الكبرى المفكر المغربي محمد عابد الجابري، ويؤكد الكثير من المثقفين العراقيين انه قبلها من دون الإعلان عن ذلك، إذ حضر إلى العراق وقابل صدام شخصياً بعد مؤتمر عقد في بغداد. على الأغلب، نال الجابري هذه الجائزة عن كتابه (نقد العقل العربي) الذي يفاضل فيه بين البرهان والعرفان، وهو كما يعرف الكثير من القراء يحفل بطائفية مقيتة كانت تدغدغ مشاعر الديكتاتور.

بالانتقال الى دول العالم التي تعنى بالثقافة والابداع بعيدا عن احلام الحكام المستبدين والطغاة، يوجد ما يزيد عن 500 جائزة أدبية معروفة، ذات تاريخ متواصل، ومخصصة لمجالات الابداع الادبي: كالرواية والقصة القصيرة والشعر والنص المسرحي والنقد وأدب الطفل.. ويشير هذا العدد فقط الى الجوائز ذات النهج المؤسسي المعروفة، أو ذات المكانة الادبية المرموقة، أو التاريخ العريق، أو الشهرة الدولية أو الاقليمية أو الوطنية، أو ذات القيمة الرمزية المهمة، أو المكافأة المالية العالية. وتتنوع الجوائز، تبعاً لذلك، بحسب موطنها ولغتها ومعاييرها وقيمتها، بدءاً من جائزة نوبل في الآداب 1901، وهي الاشهر والاضخم، التي تبلغ مكافأتها ما يزيد عن مليون يورو، الى جائزة أكوتاغاوا اليابانية، التي أُحدثت في العام 1935، في أقصى الشرق، الى الميداليات الذهبية للاكاديمية الامريكية للفنون والآداب، والتي تأسست في العام 1915، في أقصى الغرب.

يبلغ عدد الجوائز العالمية المفتوحة أمام جميع الجنسيات اثني عشرة جائزة، ومن أشهرها: نوبل، وهانز كريستيان أندرسن لأدب الطفل، وهناك جائزة القدس التي أُحدثت في العام 1963، وجائزة فرانز كافكا، في عام 2001. وآخر من حصل على جائزة القدس، في عام 2009 هو الروائي الياباني هاروكي موراكامي. كما حصل عليها، من قبلُ عدد من أشهر الروائيين مثل خورخي بورخيس، وسيمون دو بوفوار، ويوجين ايونسكو، وجي. إم. كوتزي، وماريو فارغاس يوسا.

 ومن الجوائز المشهورة والمرموقة، عالمياً، جائزة أمير أستورياس الاسبانية التي تمنح سنوياً في حقول الفنون، والانسانيات، والعلوم، والتعاون الدولي، والاداب، والعلوم الاجتماعية، والرياضة. تأسست الجائزة في عام 1980.

تعتبر الولايات المتحدة، أكثر دولة يوجد بها جوائز أدبية والتي يصل عدد جوائزها المؤسسية المعروفة، والممنوحة في المجالات الابداعية والنقدية، الى حوالي 70 جائزة. وهناك، نيوزيلندة، تلك الدولة الصغيرة، التي يوجد لديها، 50 خمسون جائزة مختلفة، ثم اليابان، بينما، تمنح، في المملكة المتحدة حوالي خمس وعشرين جائزة. ولا تشمل هذي الاعداد الجوائز ذات الصفة العالمية، المتاحة المشاركة فيها لكل من يكتب أدباً بلغة البلد، الذي يمنح الجائزة.

ومن أشهر الجوائز العالمية في ايطاليا جائزة مونديللو بريمو، التي تمنحها مدينة باليرمو، في صقلية، والتي أحدثت في العام 1975. وقد حصل عليها، في العام 2009، الروائي الليبي ابراهيم الكوني، عن مجموعته (وطن الرؤى السماوية). حصل على هذه الجائزة عدد من كبار الروائيين في العالم، من مثل، جونتر جراس، ودوريس ليسنغ، وخوسيه ساراماغو، وجي. ام. كوتزي، والبرتو مورافيا، وميلان كونديرا، وايتالو كالفينو.

 وفي الاداب الفرنسية هناك جائزة غونكور Goncourt، التي أشهرت منذ منذ عام 1903. جاء انشاء الجائزة رداً على عدم قبول الاكاديمية الفرنسية أدباء الاتجاه الواقعي، مثل أونوريه دي بلزاك، وجوستاف فلوبير، واميل زولا. ومن بعدها بسنة ظهرت الجائزة النسوية المشهورة فيمينا Femina.

 أما في الادب الاسباني فإن أشهر جائزة هي ميجيل دو ثيربانتيس، التي أنشئت عام 1976، لتكريم المنجز الابداعي بأكمله، لكاتب يكتب بالاسبانية. تبلغ قيمة الجائزة 125 الف يورو، وتمنح لأي من مواطني الدول الناطقة بالاسبانية. ومنذ تأسيسها منحت لمواطني تسع دول، هي: كوبا، والارجنتين، والاوروغواي، وتشيلي، والباراغواي، والمكسيك، وكولومبيا، والبيرو، بالاضافة الى اسبانيا ذاتها. ومن أشهر الروائيين الذين فازوا بها الارجنتيني خورخي بورخيس، والمكسيكي أكتافيو باز، والبيروفي ماريو فارغاس يوسا.

 أما من حيث القيمة المادية، فإن أغلى جائزة في العالم، من بعد جائزة نوبل، هي جائزة بريمو بالينتا الاسبانية، التي تقدمها دارالنشر بالينتا منذ عام 1952، وتمنح لرواية مكتوبة بالاسبانية، وتصل قيمتها الى 601 ألف يورو. ومنذ عام 1974 صار الكاتب الذي يحل في المركز الثاني يحصل على جائزة قيمتها 150 الف يورو.

اخر ماتناقلته الاخبار هو تنازل احدى المغنيات الامريكيات عن مبلغ الحفلة التي احيتها في احدى مناسبات القذافي وقد تنازلت عن هذا المبلغ لصالح الجمعيات الخيرية. متى سنرى او نسمع عن تنازل بعض الادباء والشعراء العراقيين والذين نالوا جائزة صدام عن تنازلهم عن تلك الجائزة ولعنها؟

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 2/آذار/2011 - 26/ربيع الأول/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م