رسالة يوم الغضب... تحذير اخير لحكومة المالكي

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: في الوقت الذي نجحت بعض الجهات الدينية والحكومية في اجهاض ما اصطلح عليه العراقيون بجمعة الغضب الاخيرة، يرى اغلب المتابعين للشأن العراقي ان الرسالة وصلت بقوة الى النخب السياسية وحكومة المالكي بشكل مرعب، كإنذار اخير شديد اللهجة لحضها على مكافحة الفساد المستشري في المؤسسات من جهة وتحسين واقع ادائها من جهة اخرى.

حيث كان لتدخل المرجعية الدينية في النجف دورا كبيرا في عدم مشاركة الملايين من العراقيين في ثورة الغضب التي اعد لها بقوة، بعد ان تسببت بعض الجهات المشبوهة في اثارة القلق مما قد تكون عواقب غير محمودة قد تشهدها تلم المظاهرات.

ويؤكد اغلب العراقيين ان حكومة المالكي لم توفق في تحسين الخدمات العامة في البلاد على الرغم من تكرار وعودها في هذا الصدد، فيما يرى اخرون في الوقت ذاته انها باتت تمارس سياسات قمعية تخالف تعاليم الدستور وحقوق الانسان، بعد تعرض المتظاهرين وبعض الاعلاميين الى هجمة شرسة من بعض القوى الامنية التي تأتمر برئيس الوزراء، مما خلف استياء كبير في الاوساط الثقافية والاجتماعية على حد سواء.

ضربة قوية للمحتجين

فقد شكلت الدعوة التي اطلقها الزعيمان السيستاني والصدر ضربة قوية لمنظمي التظاهرات الذين كانوا يأملون ان يخرج الملايين الى الشوارع يوم الجمعة للمطالبة بتحسين الخدمات. وجاءت دعوة مقتدى الصدر لدى عودته الى العراق من ايران.

الا ان الزعيم الديني الشاب لم يعلن دعوته شخصيا، بل جاءت الدعوة على لسان حازم الاعرجي الناطق باسمه الذي قال في مؤتمر صحفي إن على العراقيين تأجيل تظاهراتهم لمدة ستة شهور لاعطاء حكومة نوري المالكي فرصة لتحسين الاقتصاد ومستوى الخدمات العامة كالكهرباء.

وقال الاعرجي إن مقتدى الصدر "طرح مشروع استبيان شعبي حول التظاهرات التي شهدتها بعض المدن العراقية مؤخرا للمطالبة بتحسين مستوى الخدمات."

واضاف الاعرجي: "ان مقتدى الصدر طرح هذا المشروع لاستبيان رأي الشارع حول التظاهرات وان مدة الاستبيان ستكون سبعة ايام" مضيفا ان الاستبيان سيتضمن سؤالا عما اذا كان المشاركون يرغبون بالاحتجاج بعد مرور فترة الشهور الستة.

كما اكد الاعرجي ان مكتب الصدر لم يتبن التظاهرات، لكن مقتدى الصدر قد شكل ثلاث لجان دينية وبرلمانية وعشائرية للذهاب لكل تظاهرة لمعرفة مطالب المتظاهرين والعمل على تفعيلها.

وكان الصدر قد اصدر في الاسبوع الماضي تصريحا قال فيه إن اكثر من مليون من انصاره سيتظاهرون سلميا لتشجيع الحكومة على تحسين الخدمات التي توفرها للمواطنين. الا انه اردف بأنه من غير المحتمل ان تفعل الحكومة ذلك لأن الامريكيين ما زالوا يحتلون البلاد ولأن الفساد مستشر في مفاصل الدولة العراقية.

ونقلت النيويورك تايمز عن احد اتباع مقتدى الصدر ويدعى عماد علي - وهو من سكان مدينة الصدر ببغداد - قوله: "لن اشارك في التظاهرات ولن افعل اي شيء ما لم يأمرني مقتدى بذلك."

في غضون ذلك، اصدر ناطق باسم المرجع الشيعي آية الله علي السيستاني تصريحا قال فيه إن السيستاني يتعاطف مع مطالب العراقيين ولكنه اردف بأن التظاهرات "قد تخرج عن السيطرة" وقد "تستغل من قبل اطراف ذات آجندات خاصة."

ونقلت الصحيفة عن زيد العلي، الذي عمل خبيرا قانونيا لدى الامم المتحدة بين عامي 2005 و2010 قوله إن هاتين الدعوتين جاءتا انقاذا لرئيس الحكومة نوري المالكي.

وقال: "ثمة مخاوف جدية في صفوف السياسيين العراقيين بسبب ما قد يحدث يوم الجمعة، ولكن بدون مشاركة شيعية واسعة ستفقد الاحتجاجات الكثير من تأثيرها."

وطالب المرجع الشيعي علي السيستاني الحكومة العراقية باتخاذ "خطوات جادة" لتحسين الاوضاع في البلاد غداة تظاهرات عمت المحافظات العراقية مخلفة نحو 16 قتيلا وحوالى 130 جريحا.

وقال السيستاني في بيان "ادعو مجلس النواب والحكومة العراقية الى اتخاذ خطوات جادة وملموسة لتحسين الخدمات العامة لاسيما الكهرباء و(...) البطاقة التموينية وفرص عمل للعاطلين ومكافحة الفساد المستشري في مختلف دوائر الدولة".

ونظمت نحو 18 تظاهرة الجمعة بمشاركة الالاف في عدد كبير من المدن العراقية بينها بغداد، حيث تظاهر نحو خمسة الاف شخص في ساحة التحرير وسط المدينة.

ورغم سير التظاهرات بشكل سلمي عموما، قتل نحو 15 متظاهرا واصيب حوالى 130 اخرين بجروح، وفقا لحصيلة اعدتها وكالة فرانس برس استنادا لمصادر رسمية.

وطالب المرجع السيستاني الحكومة ب"اتخاذ قرارات حاسمة بالغاء الامتيازات غير المقبولة التي منحت للاعضاء الحاليين والسابقين في مجلس النواب ومجالس المحافظات وكبار المسؤولين في الحكومة والوزراء والدرجات الخاصة وغيرها". بحسب فرانس برس.

كما طالب ب"الامتناع عن استحداث مناصب حكومية غير ضرورية تكلف مبالغ طائلة سنويا من اموال هذا الشعب المحروم" مؤكدا ضرورة "الغاء ما يوجد منها حاليا".

وكانت الحكومة الجديدة استحدثت خمسة مناصب وزارية جديدة بدون حقائب وهي اكبر حكومة في تاريخ العراق، كما تسعى لاستحداث نائب ثالث لرئيس الجمهورية، الذي يتمتع اصلا بصلاحيات محدودة.

وشدد البيان على ان المرجعية "طالما اكدت على المسؤولين على ضرورة العمل على تحقيق مطالب الشعب المشروعة وتحذر من مغبة الاستمرار على هذا المنهج الحالي في ادارة الدولة ومما يمكن ان ينجم عن عدم الاسراع بوضع حلول جذرية لمشاكل المواطنين الذين صبروا عليها طويلا".

وجاءت تصريحات المرجعية بعد دعوة منظمة "هيومن رايتس ووتش" الانسانية السلطات العراقية الى فتح تحقيق بمقتل المتظاهرين والاستخدام غير المشروع للقوة من جانب القوات الحكومية.

وجاء في بيان المنظمة ومقرها نيويورك ان "أي استخدام غير مشروع للقوة... ينبغي ان يؤدي إلى محاكمة المسؤولين عنها".

وعلى الرغم من رفع حظر التجول على المركبات في بغداد، مازال جسر الجمهورية الذي يربط المنطقة الخضراء حيث المقار الحكومية بساحة التحرير، مغلقا بالجدران الاسمنتية.

ويقع داخل محيط المنطقة الخضراء شديدة التحصين، مقر الحكومة العراقية والسفارات الاميركية والبريطانية والامم المتحدة.

واصيب نحو 15 متظاهرا بجروح خلال تظاهرة الجمعة في ساحة التحرير وسط بغداد، جراء استخدام قوات الامن القوة لتفريق المتظاهرين الذين القوا الحجارة والاحذية والقناني البلاستيكية على قوات مكافحة الشغب.

وخلفت تظاهرات مماثلة اندلعت في مدن الموصل وتكريت، شمال بغداد، عشرة قتلى فيما قتل اثنان في بلدة الحويجة.

كما قتل متظاهران في سامراء، شمال بغداد، واخر في ناحية كلار غالبية كردية في محافظة ديالى، شمال شرق بغداد.

ويحتل العراق المرتبة الرابعة بين دول العالم في الفساد الذي يقف وراء معاناة العراقيين من الفقر ونقص الخدمات والبطالة بعد ثمانية اعوام من اجتياحه بقيادة الولايات المتحدة.

ودفعت التظاهرات شبه اليومية، في عموم المدن العراقية خلال الايام الماضية السلطات الى خفض رواتب المسؤولين الحكوميين وتأجيل العمل بقانون التعرفة الجمركية الذي قد يساهم في ارتفاع اسعار المواد الاساسية.

مهلة المائة يوم

من جهته امهل رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الاحد فترة لا تتجاوز مئة يوم، للوزارات من اجل تحسين ادائها، اثر موجة التظاهرات في البلاد للمطالبة بالخدمات والعمل ومكافحة الفساد.

وعقد مجلس الوزراء العراقي الاحد جلسة استثنائية لمناقشة الاوضاع الخدمية اثر تصاعد موجة الاحتجاجات في البلاد.

وجاء في بيان صادر عن مكتب المالكي انه "حدد فترة 100 يوم يجري بعدها تقييم عمل الحكومة والوزارات كلا على حدة ومعرفة مدى نجاحها او فشلها في تأدية العمل المناط بها". وأكد المالكي "انه سيتم إجراء تغييرات على ضوء النتيجة التي سينتهي اليها التقييم".

وقدم محافظ بابل سلمان ناصر الزركاني استقالته، ليكون ثالث محافظ يقدم استقالته منذ بدء التظاهرات احتجاجا على نقص الخدمات والفساد والبطالة في العراق.

وقال المحافظ الزركاني في مؤتمر صحافي ان "هذه الاستقالة تاتي بسبب ضعف الخدمات البلدية ووجود مشاكل فنية في انجاز عدد من المشاريع التي تنفذ حاليا خاصة في مجال انشاء الجسور والطرق الرئيسية وعدم وجود التفاهم والانسجام بين مسؤولين مسؤولي المحافظة". والزركاني (43 عاما) تولى منصبه منذ ثلاثة اعوام.

وفي الوقت الذي قدم فيه استقالته، اعلن تلفزيون العراقية الحكومي ان رئيس الوزراء (نوري المالكي) طلب من الزركاني التنحي.

ومحافظ بابل (100 كلم جنوب بغداد) هو ثالث محافظ من ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه رئيس الوزراء نوري المالكي يقدم استقالته بعد محافظ البصرة شلتاغ عبود ومحافظ واسط لطيف حمد الطرفة.

ونظمت نحو 18 تظاهرة الجمعة بمشاركة الالاف في عدد كبير من المدن العراقية بينها بغداد، حيث تظاهر نحو خمسة الاف شخص في ساحة التحرير بوسط المدينة، احتجاجا على الفساد والبطالة ونقص الخدمات.

امل التغيير

وبعد ثماني سنوات من غزو قادته الولايات المتحدة للعراق وأطاح بالديكتاتور السابق صدام حسين مازالت التنمية في البلاد بطيئة ويوجد نقص في الغذاء والماء والكهرباء والوظائف.

وقالت لينا التي وقفت في ساحة التحرير وحملت باقة ورد ان المظاهرة سلمية وأضافت أنها تريد أن تسمع الحكومة العراقية أصوات المتظاهرين فهي الحكومة التي اختاروها. وأوضحت أن الحكومة يجب أن توفر الخدمات للناس. وأضافت ان الدول الاخرى تتحرك صوب التغيير فلماذا يقف شعب العراق صامتا.

وتصاعدت الاحتجاجات في الاسابيع القليلة الماضية في مدن وبلدات بالعراق. وتم الترتيب لمظاهرة يوم الجمعة بشكل أساسي عبر مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك مثلما فعل شبان في تونس ومصر مما أدى في النهاية الى الاطاحة بالرئيسين التونسي زين العابدين بن علي والمصري حسني مبارك.

وأكد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي على حق العراقيين في التظاهر السلمي لكنه نصحهم بالابتعاد عنها وقال ان مقاتلي القاعدة والموالين لحزب البعث المحظور قد يقومون بأعمال عنف.

ومازال التمرد العنيد في العراق قادرا على شن هجمات كبيرة على الرغم من تراجع العنف بشكل واسع النطاق عن أوج العنف الطائفي في البلاد عامي 2006 و2007 .

البرلمان العراقي يعلق جلساته

على صعيد متصل قال رئيس البرلمان العراقي ان البرلمان علق جلساته لمدة اسبوع ووجه أعضاءه للعودة الى دوائرهم للمساعدة في تهدئة الاحتقان المتصاعد بسبب الفساد ونقص المواد الغذائية وتردي الخدمات.

وشهد العراق خلال الاسابيع الاخيرة موجة متزايدة من الاحتجاجات مدفوعة بالانتفاضات الشعبية المناهضة للحكومات عبر العالم العربي. ورغم أن غالبية المتظاهرين العراقيين لم يطلبوا الاطاحة بالحكومة الاتحادية المنتخبة التي تولت زمام الامور قبل شهرين فقط الا أنهم طالبوا بعزل المسؤولين المحليين.

وتشكلت الحكومة العراقية الجديدة في ديسمبر كانون الاول بعد مرور تسعة أشهر على انتخابات وطنية غير حاسمة. ويكافح العراق من أجل انشاء مؤسسات ديمقراطية بعد قرابة ثماني سنوات من الغزو الذي قادته الولايات المتحدة وأطاح بنظام الرئيس الراحل صدام حسين.

وقال رئيس مجلس النواب العراقي أسامة النجيفي في مؤتمر صحفي انه طلب من جميع الاعضاء التوجه الى محافظاتهم والعمل هناك لما يزيد على اسبوع.

وأضاف أن النواب سيبقون في محافظاتهم الى أن يتسلموا جميع الشكاوى ويتعرفوا على نقاط الضعف والمشكلات والبحث عن حلول بالتعاون مع المنظمات غير الحكومية واجهزة الحكم المحلي واطراف اخرى.

وتعليق جلسات البرلمان هو الاحدث في سلسلة اجراءات اتخذها الساسة الذين ازعجتهم الانتفاضات في العالم العربي من أجل احتواء الاستياء المتصاعد.

وعرضت الحكومة على العراقيين توفير الكهرباء بالمجان واشترت السكر لدعم الحصص التموينية وحولت 900 مليون دولار كانت مخصصة لشراء مقاتلات الى برامج التموين. وقال رئيس الوزراء نوري المالكي انه سيخفض راتبه الى النصف.

وقال النجيفي ان الموازنة الوطنية البالغ حجمها 82.6 مليار دولار والتي تم اعتمادها يوم الاحد تتضمن خططا طموح لمساعدة العراقيين من بينها خفض رواتب ومكاسب رئيس الوزراء ورئيس الدولية ورئيس البرلمان واعضائه والوزراء.

وأضاف النجيفي ان تلك الموازنة ستخلق وضعا جديدا للشعب العراقي لتحقيق المطالب المشروعة للشعب في ان يعيش افراده حياة كريمة.

وقال أيضا ان البرلمان سيفتح من جديد ملفات قضايا الفساد المتراكمة من السنوات الماضية وطلب من العراقيين منح النواب الوقت الكافي.

وتابع أن الحكومة بدأت مباشرة مهامها قبل شهرين وأن هناك حاجة لمنحها وقتا مشيرا الى أن الشعب العراقي ذكي وشجاع لكنه لابد وان يدرك ضرورة مساندة مشروع الحكومة الاصلاحي.

40 مليار دولار ضائعة

وشكل مجلس النواب العراقي لجنتي تحقيق لمعرفة مصير أربعين مليار دولار سحبت من صندوق التنمية العراقية ومصيرها مجهول، وذلك في أكبر عملية فساد في تاريخ العراق حتى الآن.

قال رئيس المجلس "أسامة النجيفي" الذي كشف في مؤتمر صحافي تشكيل عدد من لجان التحقيق لمتابعة ملفات الفساد: "شكلنا لجنتي تحقيق حول مبلغ غائب يقرب من أربعين مليار دولار سحب من صندوق التنمية العراقي ولا نعرف أين ذهب؟".

وأضاف: "لا توجد حسابات ختامية حتى الآن.. يجب أن نعرف بدقة ما مصير هذه الأموال بالتعاون مع ديوان الرقابة المالية الحكومة ووزارة المالية".

لكنه استدرك قائلاً: "بالتأكيد هي مصروفة باتجاه معين، لكن لم تظهر لدينا في الحسابات ومجلس النواب سيحقق في قانونية صرف الأموال".

ويودع في "صندوق تنمية العراق" جميع عائدات العراق من تصدير النفط وتسحب الأمم المتحدة من هذه العائدات نسبة 5 بالمائة وهي التعويضات التي تمنح للكويت عن حرب 1991، فيما تسدد وزارة المالية جميع ديون العراق قبل استلام الحكومة الإشراف على الصندوق لكي لا تستنزف الأموال الموجودة فيه من قبل الدول الدائنة.

ووقع العراق مطلع الشهر الجاري على اتفاقية تتضمن دفع 400 مليون دولار تعويضات لمواطنين أمريكيين من أجل إصدار قرار رئاسي تنفيذي لحماية أموال العراق المودعة في الخارج بموجب قرارات مجلس الأمن الدولي.

وطلب مجلس الوزراء العراقي من البنك المركزي فتح حسابات فوراً لنقل أموال "صندوق تنمية العراق" قبل الأول من مايو/أيار القادم، والاتفاق على آلية محددة وشفافة لاستقطاع خمسة بالمائة تعويضات أقرتها الأمم المتحدة للكويت.

وجاء في بيان صادر عن علي الدباغ ان هذه الاخيرة قررت "تخويل الأمانة العامة لمجلس الوزراء اعداد مشروع قانون يقضي بتعليق العمل بقانون التعرفة الجمركية رقم 22 لسنة 2010 وحتى اشعار آخر".

وصدر قانون التعرفة في كانون الاول/ديسمبر الماضي قبل انتفاضتي تونس ومصر اللتين اثارتا احتجاجات في انحاء المنطقة بما في ذلك العراق حيث انطلقت تظاهرات ضد الفساد وارتفاع مستويات البطالة وسوء الخدمات الاساسية مثل الغذاء والماء.

وتكشف الوثائق تفاصيل القانون رقم 22 الصادر عن وزارة المالية وفيها انه تقرر البدء بتطبيقه في السادس من اذار/مارس المقبل بعد نشره في الجريدة الرسمية في السادس من كانون الاول/ديسمبر.

وتؤكد الوثائق ان الغرض من الزيادة حماية المنتجات المحلية والاقتصاد الذي عانى كثيرا بسبب الحظر واعمال العنف التي اعقبت اجتياح البلاد. وزيادة الرسوم الجمركية تترواح من صفر الى 80 في المئة.

وعلى سبيل المثال، ستفرض ضريبة خمسة بالمئة على الارز والسكر لكنها تبلغ 80 بالمئة على المشروبات الكحولية ومياه الشرب المعدنية و15 بالمئة على السيارات.

وكان يفترض ان يحل هذا القانون محل سلسلة من الاحكام السابقة، ومنها تلك التي اقرتها سلطة الائتلاف المؤقت بعد سقوط النظام السابق. وكانت سلطة الائتلاف المؤقت امرت بالغاء جميع الرسوم الجمركية في 12 حزيران/يونيو 2003.

وادى هذا القرار الى ادخال مئات الاف السيارات المستعلمة من دول الجوار واوروبا وحتى من الولايات المتحدة، ما اسفر عن اختناقات مرورية في شوارع بغداد.

وكان الحاكم المدني على العراق بول بريمر فرض في ايلول/سبتمبر 2003 "رسوم اعادة الاعمار" بنسبة خمسة بالمئة على جميع المواد المستوردة باستثناء الاغذية والادوية والملابس والكتب والمساعدات الانسانية وما يستخدم في اعادة الاعمار.

ولم تشمل الرسوم القديمة المواد المستوردة لصالح سلطة الائتلاف وقوات التحالف والمتعاقدين معها او الدول الاجنبية الاخرى العاملة معها.

نظام البطاقة التموينية

فيما تعهدت الحكومة العراقية بتحسين نظام البطاقة التموينية الذي تديره الدولة في أعقاب الاحتجاجات المتفرقة والاستياء الذي بدأ منذ مدة بشأن نوعية الحصص المقدمة والفئات المستهدفة في هذا النظام.

وأخبر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي مؤتمراً صحفياً يوم 17 فبراير: "نحن نعمل بجد لإصلاح نظام البطاقة التموينية هذا العام وتقديمه بجميع مفرداته [الخمس] وليس بعضها فقط...لقد اتخذنا عدداً من التدابير التي يمكنها مساعدتنا في معالجة هذه القضية ونحن نتابع ذلك عن كثب".

وفي خطوة لامتصاص الغضب في أعقاب المظاهرات التي خرجت في العراق، مستلهمة من الاحتجاجات الواسعة في كل من تونس ومصر، أعلن المالكي في 15 فبراير تأجيل شراء 18 طائرة من طراز "إف 16" من الولايات المتحدة واستخدام المال المدخر لتحسين نظام البطاقة التموينية.

وأضاف قائلاً: "إننا بحاجة لهذه الطائرات المقاتلة في جهودنا لتعزيز الأمن ولكننا بحاجة أيضاً إلى المال لتحسين نظام البطاقة التموينية، لذلك قررنا تأجيل شراء الطائرات" موضحاً أن المليار دولار المخصصة لذلك ستنفق الآن على دعم المساعدات الغذائية.

وأشار المالكي إلى أن الحكومة قررت أيضاً اتباع اللامركزية في إدارة نظام البطاقة التموينية من خلال السماح للحكومات المحلية في محافظات العراق الـ 18 باستيراد المواد الغذائية المناسبة وتوزيعها وتخزينها موضحاً أن التوزيع سيستهدف الفئات الأكثر ضعفاً.

ويشكو الكثير من العراقيين من أنهم يتسلمون بعض الحصص فقط أو أنها تصلهم في حالة سيئة. كما شهدت البلاد عدة مظاهرات ضد رداءة نوعية الحصص التموينية والبطالة والفساد وضعف الخدمات العامة.

وقالت إحدى اللافتات التي رفعها المتظاهرون في محافظة واسط جنوب العراق في 16 فبراير: "إنها حصة علف وليست حصة غذائية" وقالت أخرى: "نحن نجلس على المليارات من براميل النفط ولكننا لا نجد شيئاً نأكله". بحسب شبكة الأنباء الإنسانية "إيرين".

وقد بدأ نظام المساعدات الغذائية المعروف بنظام البطاقة التموينية أو نظام التوزيع العام عام 1995 كجزء من برنامج الأمم المتحدة للنفط مقابل الغذاء في أعقاب غزو العراق للكويت عام 1999. وقد أفادت وزارة التجارة أن أكثر من نصف سكان العراق البالغ عددهم 29 مليون نسمة يعتمدون على البطاقة التموينية للحصول على احتياجاتهم من الغذاء.

وفي نهاية 2009 كانت الحصة الغذائية الشهرية للشخص الواحد تشمل: الأرز (3 كلغ) والسكر (2 كلغ) وزيت الطبخ (1.25 كلغ أو لتر) والدقيق (9 كلغ) وحليب الكبار (250 غرام) والشاي (200 غرام) والبقوليات (250 غرام) ومسحوق حليب الأطفال (1.8 غرام) والصابون (250 غرام) ومعجون الطماطم (500 غرام).

وفي 2010، خفضت الحكومة مكونات الحصة إلى خمس مواد هي الطحين والأرز والسكر وزيت الطهي وحليب الأطفال مع الإبقاء على الكميات السابقة. ولكن المستفيدين كانوا يستلمون مكون أو اثنين فقط في وقت واحد غير أن المالكي وعد بالحصول على المكونات الخمسة الآن.

ووفقاً لوزارة التخطيط، يعيش نحو 25 بالمائة من سكان العراق تحت خط الفقر في الوقت الذي تصل فيه نسبة البطالة في البلاد إلى حوالي 30 بالمائة.

في غضون ذلك، ارتفعت عائدات النفط التي تشكل نحو 95 بالمائة من عائدات العراق بشكل حاد خلال الأشهر الأخيرة، مما دعم موقف أولئك الذين يطالبون الحكومة بإنفاق المزيد على نظام البطاقة التموينية.

ووفقاً لوزارة التجارة، تم إنفاق حوالي 3 مليارات دولار على نظام البطاقة التموينية عام 2010. وتطالب الوزارة بتخصيص 5 مليارات دولار لنظام البطاقة التموينية من ميزانية هذا العام التي لا تزال تنتظر موافقة البرلمان.

منطقة حربية

الى شمال العراق، تحولت السليمانية التي تعتبر محورا ثقافيا واقتصاديا في العراق الى مدينة عسكرية في الايام الاخيرة فيما يشارك الاف الاشخاص في احتجاجات مناهضة للحكومة في ظل وجود أمني مكثف.

ونزل نحو 3000 شخص الى الشوارع وتظاهر الاف الطلبة في جامعة السليمانية في أحدث جولة من الاحتجاجات ضد الفساد والحكومة المحلية تهز المدينة الشمالية.

وقتل ثلاثة أشخاص حتى الان وأصيب أكثر من 100 في الاشتباكات بين المحتجين وقوات ميليشيا مدججة بالسلاح لها صلة بالحزبين الحاكمين في الاقليم الكردي الذي يتمتع بحكم شبه ذاتي.

وكتب على بعض اللافتات ان هذا بلد الشعب الجائع وأنهم لا يخشون من الدبابات. وردد بعض المحتجين الاغاني الوطنية الكردية.

وبينما انتشرت الاضطرابات في انحاء العالم العربي رفع العراقيون أصواتهم أيضا وان كانت مطالبهم أكثر تركيزا على انهاء نقص الغذاء والكهرباء وعزل مسؤولين محليين بدلا من السعي لتغيير الحكومة بالكامل.

وبينما كانت الاحتجاجات متفرقة في العراق فان المظاهرات في السليمانية تحدث يوميا منذ يوم الخميس الماضي عندما اشتبك محتجون يحاولون اقتحام مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني مع قوات الامن.

وتم جلب عشرات الجنود من الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه الرئيس مسعود البرزاني من معقله في أربيل لحماية المبنى وأغلقت عربات عسكرية الشارع الذي يقع فيه.

والاحزاب السياسية المهيمنة في كردستان العراقية هي الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه البرزاني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يتزعمه جلال الطالباني وكل منهما له الميليشيا الخاصة به. بحسب رويترز.

وتتمتع كردستان العراقية باستقلال فعلي تحت حماية الغرب منذ نهاية حرب الخليج الاولى في عام 1991 مما اجتذب مستثمرين اجانب باعتبارها منطقة مستقرة نسبيا مقارنة مع بقية العراق الذي تعرض لحرب طائفية وتمرد مستعر في اعقاب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في 2003 .

وتسببت الاحتجاجات الاخيرة في اغلاق الاعمال والمطاعم وأثار القلق بين الاحزاب الحاكمة والمعارضة التي اجتمعت امس الاثنين لكنها لم تتمكن من ايجاد حل لتهدئة التوترات.

وقال محتجون انهم لن يتوقفوا عن المظاهرات الى ان تلبي مطالبهم. وحصل طلبة جامعة السليمانية على ساعتين يوميا للاحتجاج.

وقال رئيس الوزراء الكردي برهم صالح ان ما حدث في السليمانية خلال الايام القليلة الماضية أثر على الانشطة التجارية وعلى عمل الشركات. ووضع القلق في تفكيرهم فيما يتعلق بحالة الامن في المنطقة.

وأفرج عن بعض المتظاهرين الذين اعتقلوا في وقت سابق من الاسبوع في محاولة لاسترضاء الحشود الغاضبة.

واستقال رفيق فدير رئيس لجنة مكافحة الفساد في البرلمان الكردي من منصبه احتجاجا على عدم احراز تقدم في اللجنة.

العرب والاكراد

من جانبه قال مبعوث الامم المتحدة في العراق ان الاحتجاجات في العراق وفي انحاء العالم العربي تظهر مدى الحاجة لحل الخلافات القديمة بين العرب والاكراد في شمال العراق قبل ان تتحول الى أزمة.

وتشهد العراق -بما فيها المنطقة الكردية بالشمال- احتجاجات متصاعدة مستلهمة من الثورات المناهضة للانظمة الحاكمة في انحاء العالم العربي.

ولم يدع غالبية المتظاهرين العراقيين للاطاحة بحكومة رئيس الوزراء نوري المالكي المنتخبة التي تسلمت مقاليد الامور قبل شهرين فقط لكنهم طالبوا بتنحي مسؤولين محليين.

وقال اد ميلكرت لرويترز في واشنطن حيث كان يلتقي بمسؤولين من البيت الابيض والكونجرس "في اعتقادي هذه المظاهرات (الاحتجاجات) تظهر مدى اهمية استئصال المنابع المحتملة للاضطرابات في المستقبل."

وقال ميلكرت ان الامم المتحدة تعمل مع مسؤولين في بغداد والاقليم الكردي الذي يتمتع بشبه استقلال ذاتي في العراق لمحاولة وضع جدول اعمال لمعالجة النزاعات بما فيها الخلافات بشأن تقاسم عائدات النفط ومستقبل مدينة كركوك التي تقع في وسط جزء غني بالنفط في العراق.

وقال "مادامت هذه القضايا كامنة وبدون حل فانها قد تصبح في اي وقت بالمستقبل فتيل ازمة واستقطاب."

واضاف "وما نراه اليوم في الشوارع يظهر ان هذا يمكن حدوثه في عشية وضحاها ويجب ان نحاول منع هذا." ويشغل ميلكرت منصب الممثل الخاص للامين العام للامم المتحدة لدى لعراق.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 28/شباط/2011 - 24/ربيع الأول/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م