مسؤولية الحكومة في اصلاح المجتمع

رؤى من فكر الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: الاصلاح مفهوم يقابل الفساد، وكلا المفهومين في تضاد وتصادم دائم، فأينما وجد الفساد تراجع الاصلاح ويصح العكس، بيد أن المصلحين، والمثقفين، والمفكرين، والمعنيين من الحكماء بالاصلاح، لهم قصب السبق في زيادة الوعي الجماهيري، وبالتالي لن تكون هناك بيئة مناسبة لنمو الفساد، في ظل بيئة الاصلاح التي يعمل عليها المعنيون، ويوفرون ظروفها الموضوعية والمادية، التي تنهض بها وتجعلها بيئة فاعلة وحاضرة، بين عموم جماعات وافراد المجتمع.

يقول الامام الراحل، آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه الموسوم بـ (الاصلاح) في هذا المجال:

(كما أن لكل مخلوق من المخلوقات بيئته الخاصة به سواء كان إنساناً أم حيواناً أم نباتاً، من ماء وهواء وشمس وأرض، وما أشبه ذلك. فللتخلف أيضاً بيئة خاصة به، فبيئة التخلف هي الجهل والنزاع، والكسل والضجر، وشيوع الزنا والانحرافات الجنسية، والمرض والكآبة، وعدم الأمن والبطالة، واشتغال كل بلذائذه ومصالحه بأقصى ما يمكنه وعدم الاعتناء بحقوق الآخرين، عدم تحمل المسؤولية وخدمة الآخرين).

وهكذا يعمل المفسدون على ايجاد بيئة الفساد، لأنها تلائم أفكارهم وأفعالهم ومخططاتهم أيضا، ومن المفسدين من هم على درجة عالية في الوظائف الحكومية، وقد يكون الرأس الحاكم هو الذي يتربع على قمة منظومة الفساد، فيلتف حوله جوقة المفسدين، ويهيؤون بيئة الفساد التي تحارب الاصلاح والساعين اليه، والقائمين به، وبذلك تقوم معركة الحق والباطل، بين الفساد واهله من جهة، وبين الاصلاح وأهله من جهة اخرى، كما هو الحال مع سيدنا الامام الحسين (ع) حين رفع راية الاصلاح، للقضاء على المفسدين وفسادهم حينما انحرفوا بالاسلام الى سبل السوء والاثم والخراب.

وفي هذا الصدد يؤكد الامام الشيرازي في كتابه نفسه على أنه:

(من مقومات الإصلاح هو محاربة الفساد بكافة أشكاله، والحد من انتشاره، لأن نشر الفساد بين الأمة يعتبر من أهم موانع الإصلاح).

وهي مهمة الحكومة اولا، كونها تمتلك مقومات محاربة الفساد والمفسدين، في حالة اصطفافها الى جانب الاصلاح واهله، أما اذا كانت هي مصدر الفساد، والمروج  والراعي له، فإن هذا السلوك الحكومي الخاطئ سيقود الى قطيعة كبيرة بين الحاكم والمحكوم، وسيؤدي الى تظاهرات، واحتجاجات متواصلة وكبيرة، تنوي اسقاط الحكومة، كما حدث في تونس ومصر، ويحدث الآن في عدد من الدول العربية الاخرى، والسبب هو عجز تلك الحكومات عن مجاراة العصر، وعدم القيام بدورها في محاربة الفساد، وتنوير الشعب ورفع مستوياته المعيشية والثقافية وغيرها، إذ يقول الامام الشيرازي في هذا الصدد:

(ان تغيير زماننا وتطوره في الطب والعلوم الأخرى، وكثرة الوسائل والتقدم الصناعي وغزو الفضاء وما أشبه يوجب طبع كتب مناسبة لهذا الزمان، في مختلف المجالات من الاجتماع والاقتصاد والسياسة والتربية وغيرها).

ويضيف الامام الشيرازي ايضا: (من مقومات الإصلاح مواكبة العصر).

وهذا الفعل جزء من مهمات الحكومة التي ترعى الشعب بطريقة عادلة، وليس الحكومة التي تفتح ابواب الفساد والافساد على مصاريعها للمفسدين، ليقع الفقراء ضحية للفساد وبيئته، التي تغص بالجهل والمرض والفقر المدقع، وهي اسلحة تلجأ اليها الحكومات المستبدة كي تطيل بعمرها، لكنها واهمة، لأن الاصلاح وأهله موجودون وفاعلون، كما نلاحظ ما يحدث في المحيط الشرق أوسطي حاليا.

وهكذا لابد من المعنيين، وأولهم الحكومة والمصلحين، والمثقفين وغيرهم، أن يسهموا بجدية، في صنع بيئة الاصلاح وتنميتها، واذا كانت الحكومة عاجزة عن القيام بمثل هذا الدور بسبب فسادها، فإن واجب الآخرين سيتضاعف مرارا، في انقاذ الامة والمجتمع من مخالب الحكومة المفسدة ورموزها، ولابد أن يبدأ الاصلاح بالفرد كما يؤكد على ذلك الامام الشيرازي قائلا في كتابه:

(من أهم ما يلزم في إصلاح المجتمع، هو إصلاح الفرد، لأن المجتمع يتشكل من فرد وفرد وفرد، وكل من الفرد الفرد والمجتمع يؤثر في الآخر سلباً وإيجاباً. ومثل المجتمع مثل الفرد، في الصلاح والفساد، والصحة والسقم، والتقدم والتأخر).

وهكذا يبدو واضحا دور الحكومة في الاصلاح، ومحاربة الفساد، وفي حالة التلكؤ او الوقوف، مع عصابات الفساد ومافياته، التي غالبا ما تحاول أن تتسلل الى مركز صنع القرار، لكي تضمن بقاءها وتفوقها على الفقراء والمصلحين، فإن هؤلاء (طبقة المصلحين والمثقفين والفقراء) لابد أن يتقاطعوا مع الحكومة التي ترعى الفساد، وتحاربها بشتى الوسائل والسبل المتاحة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 28/شباط/2011 - 24/ربيع الأول/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م