أمن الطاقة العالمي وسلسلة الانتفاضات العربية

 

شبكة النبأ: أثار الاضطراب السياسي في مصر مخاوف متجددة حول أمن إمدادات النفط والغاز من الشرق الأوسط. فقرب البلاد من ممرين رئيسيين - قناة السويس [التي تمر عبر أرضها]، ومضيق باب المندب بين البحر الأحمر وخليج عدن - أمر مهم. غير أن المخاوف بخصوص هذه الممرات تُبرز عدم حصانة ممر آخر للطاقة أكثر أهمية وهو مضيق هرمز - المخرج الوحيد من الخليج العربي. ينبغي اعتبار الأزمة المصرية فرصة لإعادة النظر في خطط الطوارئ، لتجنب حدوث تعطل في إمدادات الطاقة أو الحد منها. إن هذا التعطل، سواء كان ناجماً عن اضطرابات سياسية أو تدخل مباشر من قبل إيران أو أية عوامل أخرى، يمكن أن يكون له تأثير مدمر على الاقتصاد العالمي.

تعرض صادرات الغاز للتخريب

أسفرت الأزمة حتى الآن عن حدوث انقطاع واحد في تزويد الطاقة، وهو تخريب محطة ضخ في شبه جزيرة سيناء في 5 شباط/فبراير، أدى إلى قطع إمدادات الغاز الطبيعي إلى إسرائيل والأردن. ويستخدم كلا البلدين هذا الغاز لتوليد الكهرباء، وتعتمد الأردن عليه بشكل خاص. ومن المتوقع أن تستعيد مصر عملية التدفق خلال فترة وجيزة؛ وفي هذه الأثناء، سوف تضطر عمان إلى الاعتماد على مخزون محدود من زيت الوقود، وربما تسعى للحصول على إمدادات إضافية من العراق أو السعودية. ومن جانبها، باستطاعة إسرائيل أن تتحول إلى زيت الوقود أو مخزون الفحم، رغم أن الحادثة سوف تستحث على الأرجح استغلالاً مبكراً لاحتياطيات الغاز البحرية التي اكتشفت مؤخراً في البحر الأبيض المتوسط. بحسب معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.

وبالإضافة إلى خط سيناء، تُصدّر مصر الغاز الطبيعي المسال بواسطة السفن. كما تستخدم أيضاً قدرتها الكبيرة لتكرير النفط لمعالجة وإعادة تصدير الخام الأجنبي، على الرغم من أنها نفسها لم تعد دولة مُصدرة للنفط. إن قناة السويس وخط أنابيب النفط "سوميد" الممتد من خليج السويس إلى البحر المتوسط - طريقا مرور الطاقة الرئيسيان في مصر - ما يزالان مفتوحين، لكن أهميتهما النسبية قد انخفضت إذ زاد الطلب على الطاقة في آسيا بمعدل أسرع من الطلبات في أوروبا وأمريكا الشمالية.

وبالنظر إلى وفرة شحنات الغاز الطبيعي المسال في جميع أنحاء العالم، فإن أي إخلالات ناتجة عن الأزمة المصرية (مثل إضرابات العمال) سيكون لها تأثير ضعيف نسبياً. بيد، إن غلق قناة السويس سواء بالانسداد أو بمرسوم حكومي، سيجبر السفن على السفر حول إفريقيا مما يزيد من طول وتكلفة رحلاتها. وفي الواقع، يتوجب بالفعل على أكبر ناقلات النفط والغاز سلك هذا الطريق بسبب المحدودية التي تتسم بها القناة والقائمة منذ فترة طويلة.

مضيق هرمز حاسم الأهمية

في عام 2010، كان حجم النفط الذي مر عن طريق مصر عبر قناة السويس وخط أنابيب "سوميد" حوالي مليونا برميل يومياً، أو ما يقرب من 5 بالمائة من تجارة النفط العالمية المنقولة بحراً. وبالمقارنة، كان الرقم لمضيق هرمز حوالي 15.5 مليون برميل. وعلى الرغم أن المضيق أقل ضيقاً - حيث أن كلاً من ممرات الشحن الشرقية فيه وتلك المتجهة نحو الغرب هي باتساع ميلين مقارنة بالممرات الضحلة والضيقة في السويس - إلا أنه الخيار البحري الوحيد لتصدير النفط الخام من دول الخليج العربي.

وأثناء الحرب الإيرانية - العراقية خلال الأعوام 1980-1988، أوقف العمل العسكري الإيراني صادرات النفط العراقية عبر الخليج، وأجبر بغداد على بناء خط أنابيب عبر السعودية. بيد، تولت الرياض منذ ذلك الحين مسؤولية خط الأنابيب وحولته إلى جزء من نظامها الداخلي لتوزيع الغاز. ولذا فبالإضافة إلى قيام خط أنابيب عراقي عبر تركيا إلى البحر المتوسط، ستكون بغداد بدون بديل لو حدث وأغلقت إيران ثانية خيار الخليج.

وأما عن السعوديين، فباستطاعتهم تسيير ثلثي صادراتهم عبر خط أنابيب من حقول نفط الخليج في المملكة إلى موانئ على البحر الأحمر إذا لزم الأمر. غير أن خط الأنابيب السعودي إلى ساحل البحر المتوسط في لبنان - وهو الطريق الذي سيكون مفيداً لإمداد الأردن بالطاقة التي تفتقر إليها، من بين فوائد أخرى - قد تم إغلاقه منذ عام 1990. ويقع الطريق البري الجديد الوحيد - الذي يطوق مضيق هرمز - في الإمارات العربية المتحدة ["الإمارات"] التي يُبنى فيها خط أنابيب طوله 230 ميلاً بمساعدة صينية، والذي من المقرر اكتماله بحلول آب/أغسطس. وبالرغم من أنه ستكون لديه القدرة على نقل أكثر من نصف صادرات "الإمارات" التي تمر بمضيق هرمز، إلا أن مساره ومحطات التحميل فيه ستبقى معرضة لأي تخريب أو هجوم جوي.

اعتبارات السياسة الأمريكية

تحصل الولايات المتحدة على أكثر من نصف وارداتها النفطية من النصف الغربي للكرة الأرضية، وفي المقام الأول من كندا وفنزويلا والمكسيك، بينما يأتي 17 بالمائة فقط من وارداتها من الخليج العربي. لذلك، فإن أهمية مضيق هرمز هي أكثر عمقاً بالنسبة للأسواق الآسيوية مثل الصين واليابان والهند وكوريا الجنوبية التي تعتمد بشكل كبير على إمدادات الخليج. ويساهم الوجود البحري الأمريكي في الخليج في تأمين تدفقات الطاقة هذه، سواء بمكافحة القرصنة أو دعم القوات البرية المتبقية في العراق أو مساندة الحلفاء العرب القلقين من إيران أو دعم قوات التحالف في أفغانستان (التي يأتي الكثير من دعمها الجوي من حاملات الطائرات الأمريكية التي تعمل خارج الساحل الباكستاني). ويتناقض هذا الموقف تناقضاً صارخاً مع فترة ما قبل الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 - عندما كان جميع منتجي النفط في الخليج في علاقات سلام مع واشنطن ومتحالفين معها، وعندما اقتصر الوجود العسكري الأمريكي الوحيد الدائم في الخليج على سفينة لمركز القيادة ترسو خارج البحرين.

وقد أشار كثيرون إلى أن الحل المناسب لهذه الظروف المزعجة هو تقليل أو محو الاعتماد الأمريكي على النفط المستورد عن طريق زيادة الإنتاج المحلي، أو [رسم أهداف] أكثر طموحة، تتمثل باستبداله بأشكال بديلة من الطاقة. ورغم أن هذا طموح جيد على المدى الطويل إلا أنه لن يبدد المخاوف إزاء أمن طاقة الشرق الأوسط في المستقبل المنظور. وكان رئيس "إدارة معلومات الطاقة الأمريكية" ريتشارد نيوويل قد أخبر لجنة في الكونغرس الأمريكي في 10 شباط/فبراير، أن اعتماد الولايات المتحدة على واردات النفط - التي بلغت 60 بالمائة عام 2005 وانخفضت إلى 52 بالمائة في 2009 - كان متصوَّراً له برغم ذلك أن يظل مرتفعاً ليصل إلى نسبة لا تزيد عن 42 بالمائة عام 2035. إن توقعات "إدارة معلومات الطاقة الأمريكية" - التي تهدف إلى تقديم إحصائيات وتحليلات مستقلة إلى الحكومة والشركات الأمريكية - تتضمن بالفعل افتراضات وافرة حول المكاسب المحققة من كفاءة استخدام الطاقة والإمدادات القابلة للتجديد.

وحتى مع قيام الولايات المتحدة بتخفيض اعتمادها على النفط المستورد، فإن أية هزة في الشرق الأوسط ستظل تؤثر على سعر النفط المنتج محلياً، لأنه سلعة متداولة عالمياً. كما أن الاستخدام الموسع لمصادر الطاقة البديلة سوف يُبقي أمريكا عرضة للتقلبات في أسعار سلع أخرى تَستخدم النفط كمدخل من مدخلاتها (مثل الطعام والكثير من السلع المصنعة) وغيرها من الآثار الناجمة عن هزات اقتصادية في دول الشرق الأوسط.

واختصاراً، لن يتفوق أي خيار من خيارات سياسة الطاقة المحلية على الحاجة إلى صيانة إمدادات النفط الشرق أوسطية في المستقبل القريب، حتى لو لم تكن الولايات المتحدة هي الدولة المشترية لتلك الإمدادات. وبناءاً على ذلك، ينبغي على واشنطن أن تفكر في خطوط العمل العريضة التالية:

• "تعزيز الاحتياطيات الاستراتيجية الدولية". على الرغم من أن لدى الولايات المتحدة والكثير من الدول الصناعية احتياطيات نفط استراتيجية كبيرة الحجم، إلا أن الأنظمة الاقتصادية الأصغر ربما تكون أكثر ضعفاً. فعلى سبيل المثال، كان لدى الأردن ثلاثين يوماً فقط من احتياطيات وقود الديزل والنفط الثقيل عند وقوع الهجوم على خط أنابيب سيناء في 5 شباط/فبراير، وبالتالي فقد تأثرت بشكل كبير من تعطيل إمدادات الغاز.

• "تقوية خيارات تتجنب مضيق هرمز". على الرغم من أن المسؤولين الأمريكيين قد عبَّروا مراراً عن استعدادهم وقدرتهم على جعل المضيق مفتوحاً في حال وقوع تدخل إيراني، إلا أن وضع خطط طوارئ لأي غلق محتمل ما يزال هو المسار الأكثر حكمة. يجب على الولايات المتحدة أن تركز على زيادة قدرة الطرق الالتفافية الحالية مثل "خط أنابيب [الزيت الخام] شرق-غرب" في السعودية. وعلى المدى الأطول، ينبغي لها أن تشجع أو ترعى بناء خطوط أنابيب جديدة، أو أن تربط بين الشبكات القائمة (مثل خط جديد عبر السعودية أو الأردن إلى البحر الأحمر، والذي يمكن أن يحمل الصادرات العراقية والكويتية).

• "استثمار أكثر في الحماية الحاسمة للبنية التحتية للطاقة". إن التهديدات الأمنية الرئيسية في المنطقة غير متماثلة، مثل الجماعات الإرهابية العابرة للدول، وترسانة إيران المتزايدة من الصواريخ. يجب على الولايات المتحدة أن تحوّل جزء من مساعدتها الأمنية بعيداً عن التسلح والتدريب العسكري التقليدي ونحو حماية وتدريب حاسميْن للبنية التحتية للطاقة، بما في ذلك الأمن السيبراني للشبكات والمنشآت الرئيسية. وقد كانت الولايات المتحدة، ولعدة سنوات، تساعد السعوديين على هذه المسارات، كما تقوم دولة "الإمارات" والكويت ببناء قدرتهما في هذه المجالات. ينبغي على واشنطن أن توسع هذه الجهود لضمان تغطية إقليمية شاملة، وتعاون بين الدول، وتنفيذ أفضل الممارسات.

ولم تستحث الأزمة المصرية حتى الآن ذلك النوع من التعطل في إمدادات النفط التي حدثت عام 1956 (عندما أغلقت القاهرة قناة السويس للاحتجاج على المحاولات البريطانية والفرنسية للاستيلاء عليها) أو بين الأعوام 1967 و1975 (عندما احتلت إسرائيل سيناء). بيد، يجب أن تمثل الأزمة تذكرة قوية لعدم حصانة إمدادات نفط الخليج العربي، وللتدابير التي يلزم اتخاذها لتحسين أمن الطاقة العالمي على حد سواء.

نبذة عن معهد واشنطن

الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه المنطقة الحيوية من العالم.

وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 26/شباط/2011 - 22/ربيع الأول/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م