إن ما يجري في مصر ــ من مظاهرات شعبية تطالب بتغير النظام الحاكم
في مصر، وإجراء إصلاحات دستورية وسياسية واقتصادية من شأنها تحسين
المستوى المعيشي للشعب المصري ــ تحظى باهتمام إسرائيل، لما لها من
تأثير على إسرائيل ومشاريعها في المنطقة.
ولهذا فان إسرائيل تحرص على الاهتمام بما يجري في مصر لأسباب عديدة،
منها:
1- الحفاظ على معاهدة السلام بين مصر واسرائيل:
تحرص اسرائيل على ان لاتجري الأمور في مصر بما يعرض معاهدة السلام
التي عقدت بين البلدين في العام 1979 للخطر. وهذا ما دعى رئيس الوزراء
الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للطلب من المجتمع الدولي بأن يطلب من أي
حكومة مصرية جديدة احترام معاهدة السلام بين البلدين. فهذه المعاهدة
لها أهمية كبيرة لدى إسرائيل. وقد عملت إسرائيل بجهد كبير ومتواصل
لتوظيف المعاهدة لصالحها بتحقيق عدد من الانجازات، منها:
أ- إنها حيدت واحدة من أكبر وأهم الدول العربية وأخرجتها من معادلة
الصراع العربي ــ الاسرائيلي.
ب- شجعت دول أخرى على اقامة علاقات مع إسرائيل باعتبار ان أحدى
الدول العربية لها معاهدة سلام مع إسرائيل.
ت- إن إسرائيل قد وضفت هذه المعاهدة لاضفاء شيء من الشرعية لوجودها،
باعتبار ان عقد معاهدة سلام معها من قبل دولة يعني اعترافا بها كدولة.
ث- إن اسرائيل عملت بجهد كبير لتوظيف هذه المعاهدة لتغيير طبيعة
الصراع من صراع حول الوجود الى نزاع حول الحدود.
2- الحفاظ على مسيرة عملية التسوية مع الفلسطينيين:
تحرص إسرائيل على الحفاظ مسيرة التسوية والعملية التفاوضية مع
الفلسطينيين، والعمل على عدم تأثرها بالتغييرات الجديدة في مصر، ليس
لوجود قناعة منها بجدوى المفاوضات أو الرغبة بتحقيق حل عن طريق
المفاوضات، وإنما لأن المفاوضات توفر لاسرائيل عدد من المكاسب، منها:
أ- محاولة اكتساب الشرعية لوجودها باعتبار أن الطرف الفلسطيني
يتفاوض معها، وهذا يعني ضمناً، من وجهة نظر اسرائيل، اعترافاً بكيانها.
وهو ما تبحث عنه اسرائيل، فبعد أن أصبح وجودها أمر واقع بدأت تبحث عن
شرعية لهذا الوجود، وهو ما تحاول الحصول عليه عن طريق التفاوض.
ب- إنها توفر لاسرائيل فسحة من الوقت لترتيب أوضاع جديدة على أرض
الواقع عن طريق الاستيلاء على مزيد من الأراضي الفلسطينية واقامة
المستوطنات عليها، وتطالب الفلسطينيين في أية مفاوضات تجري بينهما، بأن
الواقع على الأرض يجب أن يؤخذ بنظر الاعتبار بسبب من عدم امكانية
تغييره.
والواقع إن مثل هذه الفسحة الطويلة من الوقت قد حققت لاسرائيل فرصاً
عديدة للاستيلاء على الكثير من الأراضي الفلسطينية. ولاتوجد رغبة
حقيقية لدى اسرائيل للتنازل عن أي جزء من الأراضي التي استولت عليها.
وترى اسرائيل بأن التغيير في مصر بشكل غير مسيطر عليه يمكن أن يأتي
بنتائج غير مرغوبة لاسرائيل، مما يؤثر سلباً على العملية التفاوضية مع
الفلسطينيين وطبيعة الاستقرار في المنطقة من وجهة نظرها.
3- الخشية من وصول الإخوان المسلمين للحكم:
تخشى إسرائيل من أن التغيير في مصر يمكن أن يأتي بتنظيم الإخوان
المسلمين للحكم في مصر. وهو ما يشكل تهديداً كبيراً من وجهة نظر
إسرائيل. كما انه يوفر عمقاً مكانياً لحركة حماس في قطاع غزة. وهذا
العمق المكاني يمكن أن يوفر دعماً كبيراً لحركة حماس في مواجهة الضغوط
والحصار الإسرائيلي.
4- الحفاظ على تدفق الغاز المصري الى اسرائيل:
تستورد إسرائيل (40%) من احتياجها من الغاز من مصر الذي يستخدم جزء
كبير منه في انتاج الطاقة الكهربائية في إسرائيل. وهذا أمر مهم
لإسرائيل، ولهذا فهي حريصة على استمراره وعدم حرمانها من هذا الغاز.
وفقاً لما تقدم، وبسبب من الأهمية الكبيرة التي تحظى بها هذه
المواضيع لدى اسرائيل، وخشيتها من تأثرها سلباً بما يمكن أن يحصل من
تغيير في نظام الحكم في مصر، فانه يمكن القول ان اسرائيل لاترغب في
حدوث تغيير في نظام الحكم بمصر،وانها تفضل بقاء الرئيس مبارك، أو نظاماً
يعتبر امتداداً له، لضمان استمرار الوضع في صيغته المرغوبة إسرائيلياً.
ولكن من جهة أخرى فان اسرائيل سترحب باجراءات التغيير اذا كانت
مخرجات التغيير ضمن المعايير الاسرائيلية، والتي يمكن معها ضمان عدم
المساس بالقضايا التي تهم اسرائيل. وهذا الأمر يمكن أن يتحقق في حال
جاءت نتائج التغيير بأشخاص يتبنون توجهات ورؤى ــ بخصوص القضايا التي
تهم إسرائيل ــ غير بعيدة عن توجهات ورؤى نظام مبارك.
كما ان إسرائيل سترحب وتدعم اجراء تغييرات في مصر اذا كانت من شأن
هذه التغييرات الاخلال بالوحدة الوطنية المصرية، وبما يتيح لها ترتيب
أوضاعها من خلال التدخل غير المباشر لضمان عدم وجود خطاب وطني مصري
موحد.
ومن جهة أخرى فان انشغال القوى السياسية في مصر بالمنافسة فيما
بينها ستحاول إسرائيل استثماره بما يمكن أن يشكل مدخلاً لعدم الاستقرار
الداخلي في مصر. والذي ستعمل إسرائيل على توظيفه لصالحها من خلال:
1- العمل على عدم المساس بالقضايا التي تهم إسرائيل.
2- محاولة اضعاف الداخل المصري بانهاك القوى السياسية في التنافس
فيما بينها.
3- محاولة ترسيخ حالة من فقدان الثقة المتبادلة بين القوى السياسية
المصرية.
ان الشعب المصري سيتمكن من انجاز التغيير بما يخدم تطلعاته وتحقيق
أهدافه. وسيتمكن من الإفلات من جزء كبير من الضغوط التي من الممكن أن
يتعرض لها. فالشعب المصري يتميز بانه يمتلك روح وطنية عالية، ويمتلك
وعي عالي جداً، وهذان الأمران سيشكلان ضامناً حقيقياً تجاه عدم تمكن
اسرائيل من التدخل بالشأن الداخلي المصري، أو السعي للاخلال بالوحدة
الوطنية في مصر. وان الشعب المصري سيقدم نموذجاً للتغيير جديراً لأن
يقتدى به، ويليق بحضارة الشعب المصري وثقافته.
* باحث في العلاقات الدولية بجامعة بغداد |