لا ينفك المرء عن تاريخه كفرد وكأسرة، لان الحاضر هو من تراكمات
الماضي والمستقبل من تفاعلات الحاضر، وهذه سلسلة حياتية جبل عليها
البشر منذ أبي بشريتنا الحاضرة آدم(ع) وحتى انتهاء حياتنا الدنيا،
والقائل خلاف ذلك إنما يغالط نفسه، صحيح أن المرء من قال ها أنا ذا
وليس القائل قد كان أبي، ولكن التأثير قائم في المرء عن أجداده ومستمر
في أحفاده.
فالأمة حالها حال الفرد لا تتخلف عن ركب التأثير والتأثر في داخلها
وخارجها، لأن حياة الأمم ما هي إلا هي صورة خارجية لمجموع حيوات
الأفراد، والصورة يمكن قراءتها ورؤيتها كوحدة واحدة وبالإمكان قراءتها
كأفراد وجزئيات، والنتيجة لا تختلف لأن الإنسان الفرد إبن أمته وبيئته.
والأمة كفرد أو كمجموع تعرف بتاريخها، والتاريخ مليء بالتجارب
الطيبة والمرة، والقراءة الواعية المنفتحة على الحاضر والمستقبل تتحقق
من خلال تذكر الخير والشر حتى يتحقق التوازن في مسيرة الفرد والأمة،
لأن التجارب السيئة عبارة عن تراكم للخبرات ومثلها التجارب الناجحة،
والصفحات السود من تاريخ الفرد والأمة مرآة وإن تقاطعت خطوط الصورة
وتفحَّمت، فالأمة الناجحة هي التي تمسك فرشاة التغيير والتجديد ترفع عن
حاضرها ومستقبلها الخطوط السود، ولا تحاول أن تزوّق تاريخها بما ليس
فيه أو أن تغطي عليه لتعمية الأجيال، فالمرء مهما دارت به عجلة الزمن
سيكتشف ملامح التاريخ وحقائقه، وإذا لم يتم اطلاعه تحت مدعى غسيل المخ،
فان ردة فعله ستكون شديدة إذا ما اكتشفها بنفسه، ولذلك فالأمة الناجحة
هي التي تطلع أبناءها على تاريخها بنوره وظلامه، بخيره وشره، بل أن بعض
الأمم تحرص على تذكير أبنائها بما فعل الآباء أو بما حلَّ عليها من فعل
الأغيار حتى تتحصن من تداعيات الإعياء وتتجنب استنساخ الأخطاء.
وتقرأ الصورة التاريخية عبر صفحات الكتب مرة ومرة عبر الشواهد
الباقية من آثار ومشاهد ومراقد، والأخيرة أكثر وقعا على القلب وأركز
ثباتا في الذاكرة، لأن العين حينئذ هي التي ترى بعين البصر والعقل هو
الذي يرى بعين البصيرة، وإذا اجتمع البصر والبصيرة تحقق في الفرد
والأمة الفعل والإنفعال والتفاعل وفق مستويات تحددها قابلية المرء على
التعاطي مع الحدث التاريخي بفؤاد منفتح أو قلب منغلق، ولذلك حينما نقف
أمام معلم تاريخي نطيل فيه النظر ونمعن في تفاصيله وجزئياته علنا نكتشف
ما غاب عن غيرنا رغم أن المعلم قائم للقاصي والداني، للقريب والغريب.
من هذه الكوة تأتي أهمية المراقد والمشاهد والمقامات والمعالم
التاريخية المتوزعة في بقاع الأرض، فهي تاريخ حي له قلب وقدم ويد وفم،
يسير إذا عسعس الليل ويمشي إذا تنفس وجه الصبح، ومن هنا تأتي أهمية
الجهد الذي يبذله البحاثة الدكتور الشيخ محمد صادق الكرباسي وهو يميط
اللثام عن المعالم التاريخية والشواهد القائمة المتعلقة بالنهضة
الحسينية، لأن الحديث عن النهضة الحسينية حديث عن إنعطافة تاريخية وقعت
عام 61 للهجرة ولازلنا إلى يومنا هذا نعيش تأثيرها في نهضات إسلامية
وحركات إنسانية ترى في الإمام الحسين بن علي (ع) الإنسان الحر الذي
يرفض العبودية، الإنسان الذي يريد الخير لأعدائه قبل أنصاره، الإنسان
الذي يمشي إلى موته من أجل حياة قومه، والقوم في قاموس الإمام الحسين(ع)
هم البشرية جمعاء من مسلم أو غيره، ولذلك حينما نتنقل بين 470 صفحة من
القطع الوزيري انطوى عليها الجزء السادس من "تاريخ المراقد .. الحسين
وأهل بيته وأنصاره" الصادر حديثا (2011م) عن المركز الحسيني للدراسات
بلندن، إنما نتحرك بين شواهد شامخة تذكرنا بالأجداد تجعل تراثهم كتابا
مفتوحا نفرج عن أساريرنا عند منعطف ونذرف دمعة عند أخرى، ونحن في
الحالتين نستلهم العِبرة والعَبرة.
حوارية قاهرية
في نيسان (أبريل) عام 2010م كنت مع أسرتي في رحلة سياحية للقاهرة
الفاطمية الغناء بالمعالم التاريخية، وفي كل مرة كانت محطتنا النهائية
عند حي الحسين ومسجد رأس الحسين (ع)، فهذه المنطقة المكتظة بحركة الناس
والسياح هي من المناطق المحببة على النفس، فهي تاريخ ناطق يمشي على
رجلين بروحه ونفسه، ولأن العمارة الإسلامية وتاريخها هي جزء من اهتمامي
كباحث مشارك في دائرة المعارف الحسينية، فقد كان لي حوار مفيد مع
الدكتور الشيخ السعيد محمد بن محمد إمام مسجد رأس الحسين(ع) حول عمارة
المسجد وتاريخ بنائه وتجديده وزخارفه ونقوشه وكتيباته.
وفي هذه الأثناء كان أحد الموظفين يرمقني وقد شدَّه اهتمامي بالمسجد
فأخذني بعد فترة عند إحدى زوايا المسجد وبدأ يوجه لي مجموعة من الأسئلة
ظاهرها استفهامية وباطنها اتهامية مما توحي أنه موظف غير عادي له
مسؤوليات غير دعوية أو إرشادية، وكان من جملة الأسئلة التي عرضها
بطريقة استفزازية عن رأينا بعائدية مرقد السيدة زينب الكبرى في القاهرة،
فقلت له: حسب ما توصل إليه المحقق الدكتور محمد صادق الكرباسي صاحب
الموسوعة الحسينية فإن المرقد القائم أمامنا في الطرف الآخر من الشارع
العام هو للسيدة زينب الكبرى (ع)، فاستغرب لجوابي، فقال مندهشاً:
ولكنكم تقولون غير ذلك وأن مرقد السيدة في دمشق؟، فقلت له: سألتني عن
رأي صاحب دائرة المعارف الحسينية فأجبتك، ثم واجهني بسؤال استنكاري آخر:
ولكنكم تقولون أن رأس الحسين (ع) غير مدفون في القاهرة؟، قلت له لم أقف
على رأي المحقق الكرباسي في هذا الخصوص حتى الآن، ولكن الثابت عندنا أن
الرأس الشريف هو في كربلاء المقدسة، وما موجود هنا أو في دمشق أو في
عسقلان بفلسطين أو في غيرها إنما هي أقوال وروايات ومعظمها مشاهد
ومقامات وليست مراقد ومثاوي للرأس.
تعددت الأسئلة التي لا تخرج في معظمها عن بدعة "المد الشيعي" الذي
كان يحذر منه الرئيس المصري السابق حسني مبارك الذي ترك الحكم مرغما في
11/2/2011 بسبب ثورة الشباب المصري، ولكني اليوم أتذكر ذلك الحوار وأنا
أتصفح الجزء السادس من كتاب "تاريخ المراقد .. الحسين وأهل بيته
وأنصاره" حيث استقلت معظم صفحاته للحديث عن رأس الإمام الحسين (ع) الذي
احتز من جسده الطاهر يوم 10 محرم 61هـ وطيف به في البلدان لأيام
وأسابيع، فترك في كل موضع مقاماً ومشهدا تهفو إليه قلوب العاشقين من كل
حدب وصوب ومن كل مذهب ودين، وقد عدها المحقق الكرباسي سبعة عشر موضعا
تتوزع على المدن التالية: بالس (سوريا)، بعلبك (لبنان)، البقيع (الحجاز)،
حلب (سوريا)، حماة (سوريا)، حمص (سوريا)، حنانة (النجف- العراق)، دمشق
(سوريا)، الرقة (سوريا)، عسقلان (فلسطين)، القاهرة (مصر)، كربلاء (العراق)،
مرو (إيران)، معرة النعمان (سوريا)، الموصل (العراق)، النجف (العراق)،
نصيبين (تركيا).
وقف الباحث على كل موضع شرحا وتحقيقا مع الصور، وانتهى به المطاف
البحثي إلى أن الرأس الشريف دفن في كربلاء يوم 20 صفر عام 61هـ اعتمادا
على رواية الشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه المتوفى سنة 381 للهجرة
ذلك بأن الإمام السجَّاد علي بن الحسين(ع) حمل رأس أبيه مع الأسرى إلى
كربلاء ودفنه فيها: (أما التفاصيل فلا نعلم عنها شيئا وإن كان المتيقن
أنه لم ينبش قبر أبيه وربما دفنه في الجهة الغربية من الرأس أي من
الجهة التي يجب أن يكون لو لم يكن قد حز من بدنه دون أن يلصقه به ولعله
على بعد ذراع حيث لا يمسه بدنه).
وفي الواقع أن الرأس أينما كان فهو شاهد على مرحلة مفصلية هامة كادت
البشرية أن تذهب في دوامة من الغيبوبة لولا الشهادة الحمراء، ولكن
بالقطع أن الإمام الحسين(ع) موجود في قلب كل إنسان حر يعمل من أجل صالح
المجتمع بغض النظر عن الدين والمعتقد والجنس، ولنعم قول أبي بكر عطاف
بن محمد الآلوسي المتوفى في الموصل سنة 557 للهجرة من مجزوء الكامل:
لا تطلبوا رأس الحسين *** بشرق أرض أو بغرب
ودعوا الجميع وعرجوا *** نحوي فمشهده بقلبي
أو قول الفلوجي مهدي بن عمران الحلي المتوفى سنة 1938م من بحر
الكامل مباريا الآلوسي:
لا تطلبوا رأس الحسين فإنه *** لا في حمى ثاوٍ ولا في وادِ
لكنما صَفْوُ الولاء يدلكم *** في أنه المقبور وسط فؤادي
أو قول المؤلف الشيخ الكرباسي المولود في كربلاء المقدسة عام 1947م
من مجزوء البسيط المخبون:
إن رمتَ رأس الحسين عاشقاً *** فاقصد فؤادي تجدهُ بارقا
لا تبحثوا عنه منذ فارقا *** طافوا بقلبي فظلَّ عالقا
من الثابت أن رأس الحسين (ع) لم يكن أول رأس حُزَّ في تاريخ الإسلام،
فقد سبقه إلى ذلك رأس مالك بن نويرة التميمي الذي قتل عام 12 للهجرة
على الولاء، كما أن رأس الحسين (ع) لم يكن أول رأس يُطاف به في البلدان
فقد سبقه إلى ذلك رأس الصحابي عمرو بن الحمق الخزاعي المستشهد على
الولاء سنة 50 للهجرة، كما أن رأس الحسين (ع) لم يكن أول رأس ينصب على
الرمح فقد سبقه إلى ذلك رأس حجر بن عدي الكندي المستشهد على الولاء سنة
51 للهجرة، كما أن رأس الحسين (ع) لم يكن أول رأس حُزَّ في تاريخ
النبوة والإمامة فقد سبقه إلى ذلك رأس النبي يحيى بن زكريا(ع) المستشهد
على التوحيد سنة 610 قبل الهجرة، ولكن من الثابت أنه لا يوم كيوم
الحسين (ع) في عرصات كربلاء.
عمارة وتعددية مذهبية
لم تكن الهندسة المعمارية أرقاما وقياسات، ولا ينبغي أن تتوقف على
ذلك، فهي ثقافة قبل أن تكون عمارة وبناء، لأن البناء يعكس في بعض
جوانبه ثقافة القرية أو البلدة أو المدينة، وفي كثير من الأحيان تعبر
العمارة عن عقيدة الوضع القائم من سلطة ومجتمع، فهناك تداخل كبير
بينهما، وبخاصة في المنشئات ذات العلاقة المجتمعية، ولذلك تعتبر الآثار
التاريخية بوصلة يستطيع علماء الآثار من خلالها التعرف على مسيرة الأمة
ضمن حركة دورة الحياة. وتحرص الحكومات، وبخاصة في البلدان التي تحكمها
العقيدة الدينية، أن تترك آثارها وثقافتها على واجهات الأماكن الدينية،
ولذلك قد تجد في المعلم الديني الواحد ما يشير إلى تعدد في المذاهب
الإسلامية التي مرت على هذا البلد وتنوع حكوماته.
ومن خلال تتبع المقامات والمشاهد والمراقد التي تركها الركب الحسيني
خلال مسيرة الأسر عام 61هـ انطلاقا من كربلاء نحو الكوفة ومنها إلى
دمشق وبالعودة إلى كربلاء ومنها إلى المدينة المنورة، والتي تابعها
البحاثة الكرباسي بعين المحقق الثاقب نلحظ مثل هذا التنوع المذهبي الذي
شهدته هذه المدينة الإسلامية أو تلك خلال القرون الأربعة عشر، بل أن
العقيدة تدخل في نوعية الهندسة البنائية وليس في نقوش ورسوم وخطوط فحسب،
فعلى سبيل المثال فإن القبة الحسينية في كربلاء فتح لها عام 1297هـ
سادنها السيد جواد بن حسن بن سلمان آل طعمة الذي تولى السدانة في
الفترة (1292- 1309هـ) اثني عشر شباكاً للتهوية وذلك تيمنا بالأئمة
الإثني عشر الذين قال فيهم النبي الأكرم محمد: (إن هذا الأمر لا ينقضي
حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش) صحيح مسلم: 4/175، وفي
رواية (كلهم من بني هاشم) ينابيع المودة للقندوزي الحنفي: 533، وفي
رواية: "معاشر أصحابي من أحب أهل بيتي حشر معنا ومن استمسك بأوصيائي من
بعدي، فقد استمسك بالعروة الوثقى" فقام إليه أبو ذر الغفاري فقال: يا
رسول الله كم الأئمة بعدك قال: "عدد نقباء بني إسرائيل"، فقال: كلهم من
أهل بيتك؟ قال: " كلهم من أهل بيتي تسعة من صلب الحسين والمهدي منهم"
بحار الأنوار: 36/310.
ومن قبة الإمام الحسين (ع) في كربلاء ننتقل إلى قبة مقام رأس الحسين
في المسجد الأموي بدمشق حيث فتح منه ثمانية شبابيك للتهوية والاستنارة
تخللها من الداخل الأسماء التالية: الله، محمد، أبو بكر، عمر، عثمان،
علي، حسن، حسين.
وعلى بعد أمتار من هذه القبة تقع "قبة النسر" القائمة فوق دكة أسارى
أهل البيت(ع) في المسجد الأموي بدمشق حيث يمكن من الداخل مشاهدة ثمان
دوائر متساوية الأحجام متوازية الأبعاد كتب فيها بالخط الأسود الأسماء
الثمانية نفسها.
وفي حلب بسوريا حيث مشهد رأس الحسين نجد فوق المشبك الفلزي (الضريح)
قطعاً حزامية وضعت في أطر ذات قاعدة إحداها حمراء وأخرى زرقاء بلغ
عددها أربعة عشر بعدد المعصومين الأربعة العشر: النبي الأكرم محمد (ص)
وبضعته فاطمة الزهراء والأئمة الإثنا عشر(ع).
وعند تجديد بناء المشهد الحسيني نفسه في حلب تم إعادة وضع الكتيبة
الغازية التي تعود إلى عام 596 للهجرة والتي نصبها ملك حلب غازي بن
يوسف الأيوبي (568- 613هـ) عند تعميره المشهد وجاء فيها: (اللهم صل على
سيدنا محمد وعلى آل محمد وسلم ورضي الله عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي
ورضي الله عن أصحاب رسول الله أجمعين).
وفي أواخر القرن العاشر الهجري أعيد للمشهد الحسيني بحلب ما كان على
عهد سيف الدولة علي بن عبد الله الحمداني (303- 356هـ) حيث كتب على
جانبي المدخل أسماء خلفاء النبي محمد (ص) وجاء النص من اليمين كالتالي:
(بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صلى على محمد النبي وعلي الوصي والحسن
المسموم والحسين الشهيد المظلوم وعلي زين العابدين ومحمد الباقر علم
الدين وجعفر الصادق والأمين)، ومن اليسار التالي: (وموسى الكاظم الوفي
وعلى الطاهر الرضا، ومحمد البر التقي، وعلي الهادي النقي، والحسن
العسكري، وصاحب الزمان الحجة المهدي..)، ولازالت الكتيبة قائمة حتى
يومنا هذا.
وهكذا فالناظر إلى العمارة الإسلامية وما فيها من نقوش وكتابات
يكتشف التنوع المذهبي الذي مرت به المدينة الإسلامية، وفي الوقت نفسه
يكتشف التأثير الذي تركته عقيدة الحاكم على العمارة الإسلامية، فاصطبغت
الهندسة المعمارية بعقيدة السلطان ومذهبه، وهي في الوقت نفسه تقدم
إشارات تاريخية طيبة عن مراحل التطور العمراني وبيان لنوعية الحكومات
وتأثيراتها على العمارة والهندسة.
شواهد تتنفس
ما يميز المحقق الكرباسي أنّ كتاباته غير منقطعة عن التجديد
والتحديث إذا ما بان له معلومة جديدة، وهذه قيمة العمل الموسوعي وميزته،
بل يكاد لا يخلو كتاب من أجزاء الموسوعة الأربع والستين التي صدرت حتى
اليوم من مستدركات، فالأداء المعرفي المتين لا يكمن في التأليف فحسب بل
في قدرة المؤلف على سد الثغرات المعرفية والفجوات المعلوماتية، وهذا ما
نجده في هذا الجزء من مستدركات على الأجزاء السابقة من باب "تاريخ
المراقد"، فضلا عن جداول الخطأ والصواب للأجزاء الخمسة الماضية.
ومثل هذا الجهد المعرفي المتميز هو الذي يجعل الأب فايز لوقا زعيم
الأقباط في الأراضي المقدسة بفلسطين يثني على العمل الموسوعي الفريد في
المقدمة الملحقة في نهاية الكتاب والتي كتبها يوم 26/4/2010م لبيان
رأيه في النهضة الحسينية ورائدها الإمام الحسين (ع) وانطباعه عن دائرة
المعارف الحسينية ومؤلفها الفقيه الدكتور الشيخ محمد صادق الكرباسي.
يؤكد الأب لوقا مندوب الكنيسة القبطية المصرية في فلسطين: (تشرفت
بعام 1980م لزيارة الأماكن المقدسة بالعراق وكم شاهدت إخلاص الناس في
انتمائهم إلى الأعتاب المقدسة وتفانيهم في الإحتفالات وأخص بالذكر يوم
عاشوراء ومقتل الحسين عليه لسلام)، ويضيف الأب لوقا الذي يحمل الشهادة
الجامعية (ليسانس قانون) من جامعة عين شمس بالقاهرة، وبكالوريوس في
العلوم اللاهوتية والإنسانية: (وكرجل دين قبطي وقانوني أنادي بالحرية
وحقوق الإنسان والمساواة وقبول الآخر والتواصل معه والإحترام المتبادل
بين جميع طوائف بني البشر ذهلت من إخلاص الأخوة الشيعة في ممارساتهم
الروحية والدينية لشعائرهم في ذكرى موتاهم، والتسمية التي تنم على
الإحترام والتقدير العظيم "الأعتاب المقدسة"، أو العتبات المقدسة
"المراقد المقدسة"، من قبيل مرقد الإمام الحسين عليه السلام).
ولأن المراقد المقدسة تعرضت إلى ما تعرضت إليه المدن من تخريب أثناء
الحروب والنزاعات، فإن الأب فايز لوقا يعرب عن أسفه حيث: (رأيت من خلال
الجزء السادس من تاريخ المراقد آثار الحرب والدمار بحق الموتى والعتبات
المقدسة، وكرجل دين مسيحي لا أؤمن بالحرب بالسلاح والقتال والدمار ولكن
أؤمن بالكلمة والموعظة الحسنة ولا زال الله في يومنا هذا يطلب أبطال
إيمان يؤمن بأن الكلمة "حية وفعالة وأمضى من كل سيف ذي حدين وخارقة إلى
مفرق النفس والروح والمفاصل والأمخاخ ومميزة أفكار القلب ونياته"،
لتعطي للإنسان الإستنارة ليسلك الطريق القويم طريق الأبرار والصالحين
وهذا هو دأبنا كباحثين ورجال فكرة وحضارة ورسالة خالدة).
وهذا ما ينبغي أن يكون عليه المرء في الحياة اليومية، يقرأ الفكرة
بروح منفتحة، ويشاهد المعلم التاريخي بعدسة مضيئة، ثم يقبل أو يرفض
بعين بصيرة، وهذا خُلُق القرآن: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ
كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) سورة ق: 37.
• باحث وأكاديمي عراقي - الرأي الآخر
للدراسات- لندن
alrayalakhar@hotmail.co.uk |