النموذج المتحضّر غاية الشباب وأملهم

 

شبكة النبأ: الانسان منذ أن يولد، يفتح عينيه على محيطه، ويحاول أن يتعرّف عليه، ويصغي بسمعه الى الاصوات التي تدور حوله، فيحاول أن يعرف مصدرها ويفهم معناها، أما الحركات التي تحدث أما بصره، فإنه سرعان ما يحاول تقليدها، وهكذا جُبل الانسان على التقليد البصري والسمعي، ليكتسب مهاراته وخبرته، كي يتواصل مع متطلبات الحياة، ويلبّي حاجاته الفردية، أو العائلية، او المجتمعية بصورة عامة.  

وبهذا المعنى فإن الانسان، لاسيما في مراحل الطفولة والشباب، يبقى بحاجة ماسة الى النموذج الجيد، مقابل النموذج الرديء، الذي يمكن أن يتواجد في محيطه أيضا، وهكذا يحتاج الشباب الى النموذج الراقي، الذي يؤثر فيهم ويصقل أفكارهم وسلكوهم، ويجعلهم مؤمنين بالفكر المتوازن، والسلوك المتحضّر، حتى في أكثر المواقف حرجا وصعوبة.

ونخص الشباب في أهمية حضور النموذج، كونهم غالبا ما يشكلون الشريحة الاوسع في مجتمعاتهم، بالاضافة الى حيويتهم، وسرعة استجابتهم لتنفيذ المتغيرات الحاسمة في حياة الشعوب، وقد أثبتت الوقائع الاخيرة التي حدثت في معظم الدول العربية والاسلامية، خطورة الدور الذي يلعبه الشباب في حياة شعوبهم.

وحديثنا هنا عن النموذج، لابد أن يذكرنا بالشباب المصريين، والتونسيين، فهؤلاء إستطاعوا أن يوظفوا ادوات العصر، لصالحهم ولصالح شعوبهم، كما جعلوا من وسائل الاتصال الحديثة (الانترنيت، والنقال، والموبايل، ووسائل الاعلام الاخرى) تعمل لصالحهم، فقد تأسست وقامت ثورة التغيير في مصر مثلا، على موقع الفيس بوك الاجتماعي المعروف، في شبكة الانترنيت، وذلك من خلال حركة الشباب المصريين، وبلورة رؤية شبابية واضحة، قادت الى تجمعات شبابية في العالم الافتراضي اولا، لتتحول بعد ذلك الى مجاميع شبابية، ثورية، متحركة على ارض الواقع، الذي يمثله (ميدان التحرير في قلب القاهرة)، ثم معظم مناطق القاهرة، والمدن المصرية الاخرى، لتبدأ حركة الاحتجاج بمجموعة من الشباب، وسرعان ما تكاثرت وتضاعفت اعدادها وتأثيرها، لتواصل ضغطها على النظام السياسي، الذي تربع على صدور المصريين، وكتم انفاسهم طيلة ثلاثة قرون متعاقبة.

وشكّلت ثورة التغيير في مصر، نموذجا رائعا للشعوب الاخرى، التي تحتاج التغيير والتخلص من قادتها وحكوماتها القمعية الفاسدة، التي غالبا من تترك شعوبها تتضور جوعا وجهلا ومرضا، في الوقت الذي تكتنز فيه الذهب والاموال والارصدة، على حساب الفقراء والشباب الذين طالما حلموا بحياة حرة كريمة، تحفظ لهم حقوقهم، وتراعي مشاعرهم، وتحترم ذكاءهم وقدراتهم.

والعالم كله تابع بإعجاب كبير ما قدمه الشباب في مصر وتونس ايضا، وما أثار الاعجاب والاحترام حقا، ذلك الاصرار الكبير على تحقيق المطالب المشروعة للشباب المنتفضين، وكلما استجاب النظام لهم، رفع المتظاهرون من سقف المطالب، وكلما تنازل الحاكم لهم، تمّسك الشباب أكثر بحقوق إضافية مستلبة أصلا، حتى بدأ النظام المصري يترنح ويقترب من موته المؤجل، الذي حدث فعلا على أيدي الشباب، الذين لم تخبو جذوة الحماسة فيهم، ولم تضعف ارادتهم، ولم يتعبهم السهر، او مراوغة النظام وتنازلاته وسلوكه العقربي المحتال، حتى سقط اخيرا بإعلانه التخلي عن كرسيه مجبورا وليس مخيّرا، فيما هرب قبله زين التونسي الذي فرّ من غضب الشباب الثائر، بعد أن سامهم الذل والعذاب.

وما أثار الاعجاب ايضا وجعل من الشباب المصري نموذجا رائعا لغيرهم، ذلك السلوك المتحضّر الذي قاموا به من خلال حملات التنظيف لميدان التحرير وسواه من المناطق، وكان قد سبق هذا السلوك تشكيل اللجان الشبابية التي اخذت على عاتقها حماية المتاحف والممتلكات العامة والخاصة وتنظيم السير في الطرق وما الى ذلك من سلوكيات متمدنة تدل على وعي متحضّر يحصّن جميع الشباب من الزلل.

وهكذا حصل شباب البحرين والعراق واليمن وغيرهم، على النموذج المتحضّر، فحركتهم رياح التغيير، ليستعيدوا حقوقهم وشعوبهم المهظومة من لدن الحكومات، التي لاتفكر بحقوق الناس إلا عندما تشعر برياح التغيير تصفع كراسيها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 23/شباط/2011 - 19/ربيع الأول/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م