عنوان المقال مقتبس من عنوان كتاب البجعة السوداء لمؤلفه نسيم
نيكولا طالب، الفيلسوف واستاذ "اللايقين" في جامعة نيويورك. تدور فكرة
الكتاب حول اللامتوقع، واثره في تغيير كل الخطط والبرامج، يقول" ما لا
يضعه المرء عادة في حسبانه أو الذي يقلل غالباً من دوره، هو احتمال
وقوع حدث غير متوقع، يكون كافياً لتغيير كل المخططات الموضوعة، فيقلب
الموازين ويدمّر صورة الواقع وحقيقته، ليعطيه صورة أخرى وحقيقة مختلفة،
ويغير خارطة الاتجاهات والتوجهات بكامله".
"إن عجز العقل البشري عن توقع أي حدث، وبالتالي عجزه التحضير
للتعامل مع نتائجه ومع التغييرات الحاسمة التي يوّلدها، يعود إلى ندرة
إمكانية وقوعه، تلك التي تؤدي إلى إهماله وتجاهله. لذا يشبهه الكاتب
بـ"البجعة السوداء" التي هي في الاعم الاغلب بيضاء اللون.
اللامعقول واللامتوقع مؤشر لمحدودية تفكير وتوقعات الانسان، فخطط
الانسان ترسم بناء على معرفته، لكن ماذا عن عدم صوابيه هذه المعرفة
والافكار؟؟، وماذا لو كانت التقديرات خاطئة؟؟
مرة ثانية اللامعقول واللامتوقع مؤشر على ان الانسان لا يتحكم بكل
المعطيات والمعادلات، فهناك دائما اللامتوقع.
هذه الفكرة ليست جديدة، فقد ظهرت في الادبيات الدينية.. منها على
سبيل المثال قول الامام علي عليه السلام " يغلب القدر على التقدير حتى
تكون الافة في التدبير" ومنها قوله" كن لما لا ترجو، ارجى منك لما
ترجوا"
البجعة السوداء (اللامتوقع) حطت رحالها في تونس، اقوى الدكتاتوريات
في افريقي، والتي راهنت على الخوف والبؤس والتنكيل، فماذا كانت النتيجة؟؟
السقوط، والمهانه والذل. البجعة السوداء التي حطت رحالها في تونس،
غادرتها الى مصر، لكن دون ان يرها النظام المصري الذي اعتاد لون البجعة
البيضاء، والذي صرح وزير خارجيتها احمد نظيف حين سئل عن امكانية وقوع
زلزال مشابه لما حدث في تونس "كلام فارغ" ووصفه جمال مبارك " بالمسخرة"
السيناريو يتكرر اليوم في الخليج وليبي، فالعديد من المحللين
السياسيين، والانظمة الحاكمة... تراهن على قوة المال، وقوى الامن،
والسجون والتنكيل، والموت، ووعاظ السلاطين.. في ضمان الاستمرار في
سياسة التهميش، والبطش، واهدار الكرامات. لكن ماذا عن البجعة
السوداء؟؟.
البجعة السوداء في الخليج ليست بالضرورة ثورة شعبية، او انقلاب، او
دعوات للتظاهر عبر ادوات التواصل الاجتماعي.
فقط تذكروا ان البجعة السوداء هي اللامتوقع واللامعقول في حسابات
البشر، وان دوام الحال من المحال. من هنا فان سرعة المبادرة بالاصلاح،
والمصالحة مع الشعوب والجماهير المتطلعة للحضارة والحرية، امر ضروري،
ومطلب ملح على الحكومات قبل حلول البجعة السوداء. |