القدس تبكي بعيون سكانها الاصليين

شبكة النبأ: يقف نعيم أبو اسبيتان، البالغ من العمر 55 عاماً، وسط بقايا مرآبه التجاري في الطور في القدس الشرقية بعد أن تعرض للهدم يوم 29 ديسمبر.

يقول مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أن عمليات الإجلاء وهدم المنازل تشكل مصدر قلق إنساني متزايد للفلسطينيين الذين يعيشون في القدس الشرقية. والعواقب التي تواجه الأسر قد تكون مدمرة، وفقاً للمكتب، فبالإضافة إلى فقدان المنازل، التي تشكل المصدر الرئيسي للأمن الجسدي والاقتصادي، تواجه الأسر فواتير قانونية مرتفعة وغرامات ورسوم تتضمن تكاليف إجلائها من منازلها.

وتقول بلدية القدس أنها تملك الحق في هدم المباني غير القانونية من أي نوع بموجب قانون البلديات الإسرائيلي لضمان عيش السكان في منازل آمنة تتمتع بوضع قانوني.

وأضاف مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أن سلطات بلدية القدس وسلطة الطبيعة والحدائق الإسرائيلية هدمت 15 مبنى في حي الطور في القدس الشرقية يوم 29 ديسمبر، بما في ذلك أربعة مبانٍ سكنية ومرآب خاص وشبكات مياه وصرف صحي. كما تمت تسوية نحو 20 هكتاراً بالأرض واقتلاع حوالي 200 شجرة. ووردت تقارير كذلك عن مصادرة حوالي 60 طناً من الحديد، بينما تم تسجيل ثلاثة من الأسر الثمانية المتضررة كلاجئين.

ووفقاً للبلدية، أزال المفتشون بالتعاون مع الشرطة الإسرائيلية 11 مبنىً وأسواراً مؤقتة من حي الطور التي كانت قد بنيت دون ترخيص على الأراضي العامة المخصصة لإنشاء حديقة وطنية.

وقال بيان صادر عن البلدية أنه "قد تم وضع لافتات وإعلانات تطالب بإزالة المباني غير القانونية وعندما تم تجاهل تلك الطلبات، قررت البلدية اتخاذ إجراءات عملية".

وقال نعيم أبو اسبيتان، البالغ من العمر 55 عاماً، أن الشرطة وسلطات البلدية هدمت مرآبه التجاري، الذي يتسع لـ 40 مركبة في الطور، يوم 29 ديسمبر، مما كبده أضراراً تقدر بحوالي 57,000 دولار. فقد نعيم، وهو لاجئ مسجل ويحمل بطاقة هوية القدس، العمل التجاري الذي أقامته أسرته على أرض يمتلكها منذ 18 عاماً. وأضاف أن "قطاع الموارد الطبيعية في البلدية أفاد أنهم يريدون إخلاء المنطقة".

الاكتظاظ والفقر

وفي إطار نظام التخطيط الخاص ببلدية القدس، تم تخصيص 13 بالمائة من أراضي القدس الشرقية حالياً للبناء الفلسطيني، بينما تم تخصيص 35 بالمائة للمستوطنات الإسرائيلية، وفقاً للاتحاد الأوروبي. ولا يسمح للفلسطينيين بتقديم طلب للحصول على تصاريح بناء أو ترميم المنازل أو غيرها من المباني ذات الصلة بسبل العيش التي تصدرها إسرائيل سوى في هذه المنطقة الصغيرة (13 بالمائة)، مما يخلق أزمة سكن واكتظاظ في المنازل المتداعية.

ويعيش 75 بالمائة من البالغين و83 بالمائة من الأطفال الفلسطينيين في القدس الشرقية تحت خط الفقر، كما أفاد الاتحاد الأوروبي.

عاش سيد عبد الله، البالغ من العمر 60 عاماً، وزوجته ملك التي تبلغ من العمر 52 عاماً وأطفالهما العشرة بجوار ما كان مقر عمل نعيم لمدة ثماني سنوات. فقد دمرت أعمال الهدم التي نفذت يوم 29 ديسمبر جزءاً من منزل عبد الله، وشبكة الصرف الصحي وعدة خزانات مياه. وتتلقى أسرة عبد الله، المسجلة كلاجئة والتي يحمل أفرادها بطاقة هوية القدس، المساعدة من وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).

وقال عبد الله: "جاءت سلطات البلدية في 28 ديسمبر، وأمرتني بإخلاء منزلي خلال شهر واحد، ثم هدمت ممتلكات جاري في اليوم التالي".

وتقدم الأمم المتحدة وشركاؤها مأوى مؤقت للمشردين، حيث توفر اللجنة الدولية للصليب الأحمر الخيام، بينما تقدم الأونروا المساعدات النقدية وبدلات الإيجار لمدة 3 إلى 6 أشهر للاجئين المسجلين. كما تقدم سبع منظمات غير حكومية دولية ومحلية الدعم للنازحين والأشخاص المعرضين للخطر، مثل المجلس النرويجي للاجئين الذي يسهل التمثيل القانوني للأسر.

تكثيف النشاط الاستيطاني

وفي السنوات الأخيرة، تم تكثيف نشاط المستوطنين في الأحياء الفلسطينية، والذي كان في بعض الحالات يتم بدعم مباشر من الحكومة الإسرائيلية، وكثيراً ما يكون مصحوباً بمحاولات إجلاء السكان الفلسطينيين قسراً، وفقاً لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا). وبالمثل، فمن الواضح أن هدم المنازل في الكثير من الأحيان يفسح المجال لبناء المستوطنات الإسرائيلية.

وبين عامي 2001 و2009، تم بناء 37 بالمائة من جميع الوحدات السكنية الاستيطانية في الأرض الفلسطينية المحتلة في القدس الشرقية، وفقاً للاتحاد الأوروبي. وقد أكدت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون أن "الاتحاد الاوروبي لا يعترف" بضم إسرائيل إلى القدس الشرقية، وهذا يعني أن التغييرات الهيكلية في هذه المنطقة تخالف القانون الدولي.

وقد استحدثت البلدية خطة لإعادة تقسيم منطقة سلوان في القدس الشرقية، كما قال ايلي آيزاكسون، المتحدث باسم رئيس بلدية القدس نير بركات وسوف تسمح هذه الخطة للبلدية بتسجيل المباني غير القانونية وجمع الضرائب المتأخرة.

وأضاف آيزاكسون أن "خطة إعادة تقسيم المناطق (التي من شأنها إضفاء الشرعية على 75 بالمائة من المنشآت في المنطقة) تنتظر موافقة وزارة الداخلية - والسؤال هو متى". ويأمل آيزاكسون أن تشمل الخطة في نهاية المطاف جميع أنحاء القدس الشرقية، بما في ذلك الطور. في غضون ذلك، طلب مكتب بركات من المحاكم تجميد الهدم في منطقة سلوان.

ويوجد في القدس الشرقية 20,000 مبنى غير قانوني، معظمها غير آمن ويفتقر لشبكات المياه والصرف الصحي الملائمة. ومن بين مجموع  60,000 مبنى هناك 40,000 فقط مسجل لدى البلدية، وفقاً لآيزاكسون. ويقول مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أن المباني التي تفتقر إلى تصاريح تعرض 88,000 فلسطيني يعيشون في القدس الشرقية للخطر.

ولهدم المنازل آثار مادية واجتماعية واقتصادية ونفسية خطيرة على الفلسطينيين - فورية وطويلة الأجل، بما في ذلك زيادة الفقر ومحدودية فرص الحصول على الخدمات الأساسية، مثل التعليم والمياه والرعاية الصحية، وفقاً لمنظمة إنقاذ الطفولة الدولية غير الحكومية.

كما ثبت أن لهدم المنازل تأثير مدمر على الأطفال بشكل خاص، بما في ذلك إصابتهم باضطراب ما بعد الصدمة والاكتئاب والقلق وضعف التحصيل الأكاديمي بسبب اضطرارهم لتغيير مدارسهم. بحسب شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين).

ويدعو مسؤولو الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي العاملون في الأرض الفلسطينية المحتلة إلى تنفيذ القانون الدولي الإنساني لحماية الفلسطينيين في القدس الشرقية من التهجير القسري.

ويقول مسؤولون في الأمم المتحدة والسلطة الفلسطينية والاتحاد الأوروبي أن القدس الشرقية هي أرض محتلة، الأمر الذي يتطلب حماية السكان المدنيين بموجب القانون الدولي الإنساني، وهو الإطار القانوني الذي يحظر نقل السكان داخل الأرض أو خارجها.

وتقول إسرائيل أن عمليات نقل الملكية في القدس الشرقية هي معاملات خاصة يحكمها قانون البلديات المحلية الإسرائيلي. وفي الوقت الحالي، يطبق القانون الأساسي الإسرائيلي في القدس الشرقية التي ضمتها إسرائيل إليها عام 1967.

وفي الفترة من 5 إلى 11 يناير، هدمت السلطات الإسرائيلية خمسة هياكل مملوكة لفلسطينيين في القدس الشرقية لأنها لم تحصل على تراخيص بناء إسرائيلية، وفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا). وبسبب عدم كفاءة إجراءات التخطيط للمناطق الفلسطينية، أصبح الحصول على رخصة بناء من السلطات الإسرائيلية في القدس الشرقية ضرباً من المستحيل تقريباً، كما يقول مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية. كما تمنع القيود المفروضة الفلسطينيين من إصلاح أو بناء المنازل وشبكات المياه والبنية التحتية الضرورية بشكل قانوني، في الوقت الذي يوجد فيه ما لا يقل عن 1,500 أمر هدم ينتظر التنفيذ في القدس الشرقية، مما سيؤثر على سبل عيش آلاف الفلسطينيين.

وقال غسان الخطيب، الناطق باسم حكومة رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض أنه "ينبغي تنظيم نقل الممتلكات والمباني في القدس الشرقية وفقاً لأحكام إتفاقية جنيف الرابعة". ولكن من غير الواضح كيف يمكن تنفيذ القانون الدولي في ظل وجود 195,000 مواطن إسرائيلي (الذين يسمون بالمستوطنين) يعيشون في القدس الشرقية، من أصل 500,000 مستوطن في الأرض الفلسطينية المحتلة، وفقاً لتقديرات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا).

غير أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أفاد أثناء حديثه عن اتفاق تسوية محتمل بين الإسرائيليين والفلسطينيين، خلال حفل استقبال أقيم لوسائل الإعلام الأجنبية يوم 11 يناير أن "الربع مليون شخص الذين يعيشون في مجتمعات بضواحي القدس - التي تسمى مستوطنات - لن يرحلوا...لدينا مئات المنازل العربية في الأحياء اليهودية، ونحن لا نستطيع منع الإسرائيليين من شراء العقارات في المناطق العربية والعكس صحيح".

ووفقاً لتقرير القدس الصادر في ديسمبر 2010 والذي أعده 25 من رؤساء بعثات الاتحاد الأوروبي في القدس ورام الله، فقد "اتبعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة سياسة نقل اليهود إلى الأرض الفلسطينية المحتلة في انتهاك لاتفاقية جنيف الرابعة والقانون الدولي الإنساني". وقد تمت مصادرة 35 بالمائة من الأراضي في القدس الشرقية لمصلحة "أراضي الدولة". أما الفلسطينيون الذين يعيشون في القدس فلا يملكون سوى بطاقات هوية ويحظر عليهم شراء العقارات.

واليوم يعيش حوالي 924,000 شخص داخل حدود بلدية القدس، من بينهم نحو 277,000 فلسطيني، وفقاً لتقرير الاتحاد الاوروبي.

وتقول الولايات المتحدة أنه لا بد من إيجاد حل لوضع القدس بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وحذرت الطرفين من تغيير الوضع على الارض خارج عملية التفاوض الرسمي. في أثناء ذلك، يتزايد عدد المشردين والمتضررين في القدس الشرقية، مما يضعف الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.

فندق شبرد

وقد قامت السلطات الإسرائيلية بتجريف جناح من مجمع فندق شبرد الفلسطيني التاريخي في حي الشيخ جراح في القدس الشرقية يوم 9 يناير لافساح الطريق لبناء 20 وحدة سكنية يهودية جديدة، على الرغم من إدانة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لهذا الإجراء. ووفقاً للاتحاد الأوروبي، يعيش حوالي 5,000 مستوطن يهودي في البلدة القديمة والأحياء الفلسطينية سلوان ورأس العمود والطور ووادي الجوز والشيخ جراح.

وكان اليهودي الأمريكي إيرفينغ موسكويتز، وهو من الأثرياء المؤيدين لبناء المستوطنات الإسرائيلية في القدس الشرقية، قد اشترى في عام 1985 فندق شبرد - الذي بني تحت إشراف مفتي القدس الحاج أمين الحسيني في ثلاثنيات القرن الماضي - بمبلغ مليون دولار. وقال رئيس الوزراء نتنياهو أن "هذه المسألة ليست متعلقة بممتلكات حكومية، بل إنها عملية بيع خاصة".

وتدور الكثير من المنازعات القانونية التي تؤدي إلى نقل ملكية العقارات حول الملكية، في حين تتخذ السلطات الإسرائيلية قرارات بهدم المنازل والهياكل التي بنيت دون تصاريح.

يحمل ناصر صيام، البالغ من العمر 52 عاماً، وزوجته لينا وأطفالهما الستة، هوية القدس الفلسطينية وهم مسجلون كلاجئين. تعيش الأسرة في الغرفة الوحيدة الباقية من منزلها في حي الشيخ جراح بعد أن هدمته الشرطة الإسرائيلية وسلطات بلدية القدس في 3 يناير. وتقول البلدية أن تلك المنطقة ليست مخصصة لبناء العقارات السكنية.

وقال ناصر: "في عام 1967 صادرت القوات الإسرائيلية 40 دونماً [3.25 هكتار] من أصل 48 دونماً [3.88 هكتار] من الأراضي التي تملكها أسرتي في هذا الموقع. لقد دفعت 20,000 دولار [إلى البلدية] في عام 2004 للحصول على تصريح إقامة مبنى ولكن القوانين تغيرت في عام 2005 وفقدت المال، واضطررت لاعادة الإجراءات من جديد".

وقد أرسلت البلدية إلى ناصر فواتير قيمتها 14,000 دولار مقابل تكلفة هدم منزله، في الوقت الذي لا يكسب فيه أكثر من 16,800 دولار سنوياً من عمله كبائع. وفي بعض الحالات هدم أصحاب المنازل منازلهم بأنفسهم بعد تلقي أمر الهدم من السلطات الإسرائيلية لتجنب دفع الرسوم.

وقد تلقت عائلة ناصر حوالي 2,250 دولاراً من وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) لإزالة الأنقاض.

وصرح أستاذ القانون الدولي يوفال شاني من الجامعة العبرية أن "الإجراء القانوني عادل، ولكن القوانين متحيزة ضدهم [الفلسطينيين] في بعض النواحي". وأضاف أن قانون أملاك الغائبين، على سبيل المثال، والذي يمكن الأفراد أو الجمعيات اليهودية من ادعاء الحق في ملكية بعض الممتلكات التي يزعمون ملكيتها قبل 1948، لا يعترف بمطالبات فلسطينية مشابهة.

وفي عام 2010، هدمت السلطات الإسرائيلية 78 هيكلاً في القدس الشرقية، منها 24 منزلاً، بحسب الأمم المتحدة، مما أدى إلى تشريد 116 شخصاً والتأثير سلباً على 289 آخرين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 20/شباط/2011 - 16/ربيع الأول/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م