شبكة النبأ: عندما تصبح الحياة
الزوجية رتيبة هل تفقد العلاقة الزوجية كل معناها؟ الذي استطاع علماء
الاجتماع التأكد منه هو أن الرتابة تتأتى من عاملين:
الأول ـ عامل طبيعي نابع من جوهر العلاقة بين كل شخصين.
الثاني ـ عامل بيئي ينبعث من المحيط الذي يعيش فيه الزوجان.
يخلص العلماء الى القول انه، من أجل تبديل هذا الواقع لا بد من
تغيير النظم الاجتماعية كلها، ومن الأسس، هذا ليس بالطبع شيئا سهلا ولا
ميسورا.
إلا أن الإنسان يستطيع، في كل حال، التأثير في محيطه، وتكييف بيئته
بمقدار كاف للحيلولة دون السقوط في هاوية الرتابة دفعة واحدة، ثمة
وسائل عملية كثيرة لتحقيق هذه الغاية، في مقدمتها النشاطات الاجتماعية
والفكرية، كالتردد على المسرح الجاد، المكتبة الأدبية، نادي اجتماعي
ورياضي.
أثبتت التجربة الاجتماعية ان مثل هذه النشاطات فعالة ومجدية في
إعطاء العلاقات الزوجية بعض جدتها وطراوتها القديمتين.. نقول بعض لأن
هذه النشاطات ليست خليقة في إنقاذ الحياة الزوجية نهائيا من التردي في
مهاوي الرتابة القتالة.
وإذا كان الضجر هو مقبرة الحياة الزوجية فما هو قاتله؟ القاتل الأول
هو الغيرة! كيف؟
ان الغيرة، من بين مختلف أنواع الانفعالات البشرية، هي أكثر تنوعا
واختلافا. هي مختلفة في مظاهرها كاختلاف الأسباب التي تحركها وتثيرها.
من يرغب في شفاء الغيرة أو وقاية نفسه منها لا مناص له من البحث
والتنقيب عن أسبابها العميقة، ودوافعها البعيدة. أما السطحي من هذه
الأسباب والدوافع فلا جدوى فيه ولا نفع.
الشخص الذي يقع بين براثن الغيرة يصبح عاجزا عن تصحيح مواقفه
الانفعالية إلا إذا تعمق حتى جذورها وعالجها من هذه الجذور. مثل هذه
المعالجة تبدو ضرورية عندما نعلم كم من مآس وأزمات تثيرها الغيرة في
الحياة الزوجية وفي العلاقات الأخرى بين الناس.
مع أن علماء الاجتماع يميلون الى التفرقة بين ضروب الغيرة وألوانها
إلا إنهم يكادون يجمعون على أن منبعها جميعا: حب الامتلاك والحرص على
إبقاء المملوك باليد، هذا ما يعبر عنه، علميا، باسم: الغيرة الجنسية.
ذلك ان (الامتلاك) في قاموس المبادلة الإنسانية هو (العطاء والأخذ)،
عطاء وأخذ يتناول الجسد والروح معا.
من هنا كانت الغيرة الجنسية غير مقتصرة على العمل الجنسي بحد ذاته
بل تعداه الى عواطف الشريك وانفعالاته ومواقفه جميعا. من الرجال من
يغار لمجرد إبداء زوجته إعجابا بربطة عنق رجل آخر! من النساء من تغار
إذا ما أبدى زوجها أو خطيبها أعجابا بثوب امرأة أخرى، وان كانت واثقة
من انه غير معجب بلابسة الثوب نفسها.
الغيرة عاطفة على تعقيد شديد، نظرا لاختلاف أشكالها، تعدد أسبابها،
لعلها تبدو أشد بروزا، أكثر وضوحا، أسهل دراسة، عندما تنجم عن علاقة حب
خارج نطاق الزوجية. أي عن علاقة غير وثيقة كالزواج، عندئذ تتحول الى
ظاهرة مرضية لها جميع أعراض الأمراض العصبية المعروفة.. عندما تثور
ثورتها الجنونية الكاسحة.
يبدو من العسير التمييز بين الحد الذي يفصل الغيرة المعقولة عن
المرضية. فعندما يغار شخص من بادرة عاطفية من شريكه نحو شخص ثالث، لا
يقصر غيرته على عمل محدد، يكون من الصعب جدا تبين ما إذا كانت غيرته
هذه قائمة على أساس منطقي أم لا؟.
في أحيان كثيرة تثور الغيرة لدى الشريك من اهتمام شريكه بشخص رمزي ؛
كأن تتعلق المرأة بأحد نجوم الرياضة القدماء خاصة كرة القدم، ممن لم
ترهم في حياتها أبدا ولا يحتمل أن تراهم..بدهي أن هذا الضرب من الغيرة
شاذ وبعيد كل البعد عن جادة المنطق والمعقول.
هذا ما يفسر لنا لماذا نجد الغيارى مع الناس قلقين دائما، معذبين
أبدا، متعكري المزاج بصورة دائمة، مستعدين للشجار والمناحرة.
الغيور عاجز، بصورة عامة، عن شرح (لماذا) و(من ماذا) يغار، فقد يكون
مالكا الدليل القاطع على وفاء شريكه وإخلاصه، من حيث الأعمال على الأقل،
مع ذلك فهو لا يستطيع كبح جماح غيرته. هو يعرف انه مخطئ، لكنه يعود
فيبرر لنفسه فعلته ويعطيها الحق في تصرفاته. هذا التأرجح بين ادراكه
الخطأ، وإعطائه الحق لنفسه، هو الذي يدفعه الى القيام بأعمال بعيدة كل
البعد عن المنطق والمعقول، هو الذي يحثه على خلق المتاعب، إثارة
المشاجرات، تهديم سعادته بيديه.
بيد انه يبدو عاجزا، في كل حال، عن التحرر من هوسه، ذلك لأنه بعيد
كل البعد عن ادراك طبيعة متطلباته من شريكه وان هذه المتطلبات تفوق ما
يستطيع الشريك إعطاءه أو القيام به.
الغيور يلمس ان مواقفه مخزية، هذا ما يحدث بعد هدوء سورة الغيرة،
فيلوم نفسه لوما مريرا، قد يراوده الندم على ما فعل، ربما قطع العهود
بعدم العودة الى مثله، لكن.. عبثا!.
لو أن مثل هذا الإنسان استطاع أن يعترف بينه وبين نفسه انه لن
يستطيع وليس من مخلوق يستطيع، ان يمتلك إنسانا آخر امتلاكا كاملا: روحا
وجسدا وتفكيرا واحساسا ومشاعر..لأن أي شخصين لا يمكن لهما أبدا أن
يشكلا شخصا واحدا مهما كانا متحابين ومتحدين. لو استطع ذلك لأصبح قادرا
على توجيه عواطفه وتسييرها على صورة معقولة، وإن كان لا مفر له من أن
يتألم ويتعذب أول أمره.
نجد ان وراء الغيرة مظهرين أساسيين:
أولهما: ان الغيور قلما يعرف حقيقة غرضه من غيرته.
ثانيهما: ان الغيرة تثور في نفسه بدافع من شعور حقيقي أو وهمي مرتبط
بنوع من المهانة التي تنجم عن فقدان الثقة بالنفس، هذا ما يجعلها مريرة
الوقع في النفوس.
ان الغيرة المعتدلة التي تتخذ صورة الحرص والمحافظة معقولة ومقبولة،
أو هكذا يجب أن تقابل من الشريكين. أما الغيرة المرضية المجنونة فهي
آفة عاطفية خبيثة طالما هدمت من صروح السعادة وطالما فرقت من محبين
أبرياء! هذه الغيرة هي التي يجب أن تحارب وتقاوم بالمنطق السليم
والتفكير الصائب. |