الحكام العرب بين رهبة السقوط ورغبة المجازفة

ناجي الغزي

رهبة السقوط

منذ ثورة الياسمين في تونس التي أقطفت ثمارها بهروب بن علي الى زلزال مصر الذي أجبر مبارك على التنحي وترك السلطة وقبوله بخيار الشعب, الذي أسدل الستار على عهد مبارك وأصر على طمس ملامحه وطي صفحة نظامه المتهرئ الذي عبث بمقدرات الشعب وعاش على دماء الناس وصادر حرياتهم السياسية والشخصية.

سقوط النظام في تونس ومصر كانت رهبة ترقب غير افتراضية انتابت الانظمة الاستبدادية العربية. ومغامرة السقوط وفرط رهبة الخسارة للانظمة المتخشبة التي سقطت تعني الكثير لحكام العرب الدكتاتوريين, فهي تعني بداية لمسلسل من السقوط المروع الذي يحقق للشعوب أهدافها وآمالها.

وفي مشهد السقوط المبرح للانظمة المتحجرة في شباك الثورات تتعرى تلك الوجوه وتكشف حقائق ووثائق من الفضائح والقبائح لأنظمة الاستبداد والطغيان.

رهبة السقوط في تونس ومصر خلف زلزال مدوي في المنطقة العربية مما جعل الزعماء تدرك حجم المخاطر التي تؤطر عروشهم وتهدد كياناتهم البالية التي عاشت على افقار الشعوب وإهدار مقدراتها المالية ومصادرة حقوقها السياسية والشخصية.

هذه الرهبة جعلت حكام الشعوب العربية ان تسوق المزيد من التنازلات الى شعوبها بشعارات فضفاضة وتعديلات طفيفة في مفاصل أجهزتها القمعية, من أجل ترضية الشعوب الغاضبة.

وتلك الرهبة من السقوط لانظمة القمع دفعت الحكام الى تشكيل غرفة عمليات مشتركة تعمل على استشارات قمعية للثورات والثوار وتطرح فيها البدائل والحلول وتتكون من مستشارين وخبراء أمنيين ووعاظ السلاطين وأدوات قمع.

رغبة المجازفة

رهبة السقوط في تونس ومصر دفعت الحكام والزعماء العرب الى رغبة في المجازفة لمواجهة الضربة الثورية للشعوب الغاضبة, بعصا الجهاز الامني وجزرة السلطان. فبعد هزيمة بن علي ومقاومة مبارك من خندق بائس واستشارات متهالكة عبر الهاتف تنهال من حكام العرب التي خلقت له حالة من التخبط وعدم الفهم لمطالب الشارع حتى خضع في نهاية المطاف الى هضم رغبة واصرار الشارع وقد خسر الرهان ووقعت الهزيمة.

والحكام الدكتاتوريون يميلون الى رغبة المحاولة على الانخراط في حراك المجازفة وخلق بيئة للأمان تمنحهم نشوة البقاء على كراسيهم, ولكن الشعوب مشدودة بشوق الى الحرية ومنازعة الحكام على السلطة التي خطفت بصورة غير شرعية من الشعوب صاحبة الاحقية بها ومصدرها الاصلي.

والرغبة في المجازفة تدفع الحكام الى أعداد المزيد من السيناريوهات التي تحيٌد الثورات وتشوه وجهها النقي من خلال دس سم السلطات القمعية بعسل الثورات الشعبية. فقد تم أعداد مجاميع من البلطجية والمؤجورين المسلحين من رجالات الامن السري بثياب مدنية. لنهب المؤسسات وحرق المحال التجارية ونهب البنوك والمتاحف والسطو المسلح على المخازن والشركات وأطلاق سراح السجناء وإرهاب العوائل الامنة وسفك الدماء في الشوارع والطرقات. لكي تخلق تلك السلوكيات حالة من الإرباك والفوضى في المجتمع التي تدعو بعض شرائح المجتمع ذوي المواقف المتذبذبة والمترددة من الثورات بدعوة الجيش للتدخل لصالح النظام القهري باعتباره أكثرا أمنا وحفاضاً على البلاد من تلك الفوضى.

هذا المجازفة تعتبر آخر محاولة يقوم بها الدكتاتور للانتقام من الشعوب الثائرة فهو يبقى يناور بين المزيد من التنازلات والضرب بعصا البلطجية من أجل منح نفسه لحظات أخيرة يحفظ بها ماء وجهه. ربما تنجح تلك المحاولات الشيطانية التي يقوم بها بعض الحكام التي لاتعير أهمية لدماء شعوبها ولا الى المواثيق والقوانين الدولية التي تحرسها القوى العالمية التي تنظر الى مصالحها اكثر من أرادة الشعوب ورغباتها.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 19/شباط/2011 - 15/ربيع الأول/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م