ظاهرة المطلبية وامراض الثقافة المزمنة

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: أكتب هذه الكلمات إيمانا بمبدأ إصلاح الذات، قبل أن أدعو وندعو الآخرين الى إصلاح ذواتهم وأفكارهم وسلوكهم، فليس مقبولا أن نطالب الآخرين بنبذ الانانية وتقديم الآخرين على المصالح والمنافع المعنوية والمادية، وفي الوقت نفسه تلازمنا ظاهرة المطلبية وكأنها جزء لا يتجزء من تفكيرنا واهدافنا، فعدما تُطرَح فكرة ما من لدن أحد المثقفين (على وزير الثقافة مباشرة) وتوصَف بأنها تمثل مشروعا ثقافيا يستحق الدعم من المعنيين الرسميين أو غيرهم، فإننا نتوقع من هذه الفكرة أو هذا المشروع الثقافي أن يكون ذا مردود جماعي يبتعد عن النزعة المطلبية الضيقة أو الفردية التي ظهرت وتنامت في الساحة الثقافية العراقية عبر سنوات طوال، وتصاعدت هذه النزعة حتى صارت مؤشرا يطبع معظم الآراء والافكار التي تتعلق بتطوير الثقافة العراقية.

والأغرب أن (التكسّب بشقيه المادي أو المعنوي) أو المطلبية التي كنا نتوقع خفوتها او تراجعها على الاقل بعد نيسان 2003، بلغت مع مرور السنوات أقصاها، لتصبح حالة مكرورة وحاضرة في الندوات والمهرجانات واللقاءات التلفزيونية والصحفية وغيرها حيث يردد بعض المثقفين طلبات مللنا منها.

فترى بعضهم أو ممن ينتمي لهم شكلا، يدعون الحكومة والوزارة المعنية والجهات ذات الصلة بضرورة معالجة المثقف الفلاني لتعرضه الى مرض عضال، أو منح المؤلف الآخر بيتا للسكن، أو إعطاء الثالث قطعة ارض للسكن، أو منح الرابع راتبا مجزيا لكي يتفرغ للابداع، وما شابه من دعوات ذات صيغة مطلبية معيبة، وربما كان مسموحا لمثل هذه النزعات بالظهور مع الهبّة الأولى للتغيير ومعطياته التي انعكست على عموم الحياة العراقية وشملت الثقافية منها، لكن الواقع يشير الى تزايد مثل هذه المطالبات حتى اللحظة.

والمؤسف حقا، أن مسؤولية المثقف في تأشير الاخطاء الرسمية في معظم شؤون الحياة العراقية تغيب او تتراجع على نحو غريب، ليحصر – المثقف- نفسه في كتابة القصة او القصيدة او النقد، ناسيا انه ينتمي الى النخبة المثقفة التي ستُسأل في يوم ما عمّا قدمته من مشاريع فكرية ثقافية للآخرين الأقل وعيا، وهكذا انشغل مثقفونا او بعضهم بذاته ومصالحه، وكأن المطالبة بتحقيق نواقص المثقفين هي الهم الاول لهم، وهو أمر ينمّ عن ضعف في الرؤية، وتراجع في المسؤولية، وتدنٍ في الصفة والدور الذي ينبغي على المثقف أن يؤديه في هذه المرحلة.

ومن الاسهامات المطلبية الجديدة التي طرحها أحد المثقفين (وكنت شخصيا أتوقع من عنوانها العريض أن تشكل مشروعا ذا نزعة ثقافية جماعية) أنه طالب وزارة الثقافة أن تبادر لتمنح بعض الادباء والمثقفين العراقيين الذين يعيشون خارج العراق صفة أو عنوان (سفير الثقافة العراقية)، وذلك تحفيزا ودعما لهم كي يقوموا بدورهم بدعم الثقافة العراقية، والدليل الذي يؤكد وجود النزعة المطلبية وطغيانها على هذه الفكرة، او هذا المشروع، أن المثقف الذي طرح هذه الفكرة هو نفسه يقيم خارج العراق، وكم كان بودي أن يقترح على أحد اصدقائه ممن يعيشون في الداخل (وانا واحد منهم) ليطرح هذه الفكرة بدلا عنه، كونه لن يكون مشمولا بها.

أما أن تعيش بعيدا عما يحدث في الساحة الثقافية الأم وتوابعها المريرة ثم تطالب –عبر مشروع او فكرة- من وزير الثقافة شخصيا، بمنحك صفة سفير الثقافة العراقية فتلك لعمري أنانية بالغة الوضوح، ولا نريد أنْ نذكّر صديقنا صاحب هذا المشروع أن هناك من بين المثقفين من انتهز انتماءه للمؤسسة الثقافية راهنا، فطار الى احدى العواصم العربية وبدأ يشتغل لنفسه وتناسى الآخرين وجهودهم وحضورهم الفاعل، ولدينا من الأدلة الحاضرة والداعمة لهذا القول، حيث أقيمت أنشطة ومهرجانات خارج العراق باسم وزارة الثقافة، فتسلل هؤلاء الى هذه الانشطة، وخدموا من خلالها أنفسهم وأساؤوا الى الثقافة العراقية في الوقت نفسه، ولسنا هنا بصدد ذكر الأسماء لأنها معروفة ولا تحتاج الى إشارة أو ذكر، في حين قدم عدد من المثقفين أنشطة خارج العراق أسهمت بإعلاء شأن الثقافة بعيدا عن أي دعم رسمي او سواه، الامر الذي يبعد عنهم أية شبهة مطلبية او انتفاع ذاتي وما شابه.

كنت شخصيا أتمنى من الصديق صاحب فكرة (سفير الثقافة العراقية) أن يفكر مليا بطبيعة مشروعه الثقافي قبل أن يدفعه الى النشر، ليصبح خطوة اخرى معيقة للثقافة، ومثلبة تشرخ مسيرتها الحبلى بالمثالب الفردية المغطاة بالنفس المطلبي المؤسف.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 15/شباط/2011 - 11/ربيع الأول/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م