مصر تبتهج بالانتصار وتجّارنا يضاعفون الأسعار

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: أخيرا ترجل حسني مرغما عن عرشه، بل سقط سقوطا مدوّيا، أحدث ردود فعل مدوّية عالمية واقليمية ايضا، ثمانية عشر يوما بدأت في 25 يناير من العام الجاري، لتتواصل بها ثورة الشباب المصري، وتستقطب المصريين الى ميدان التحرير، وغيره من ميادين التحرر في المدن المصرية الاخرى، ولم ييأس المنتفضون على الرغم من تشبث النظام ورأسه بالسلطة، وعلى الرغم من أساليب المماطلة والخداع واستدرار العواطف، التي استخدمها الرأس المخلوع للضحك على الذقون مرة اخرى، بيد أن الشباب والشعب الثائر، عرف ألاعيب النظام  وخبر أساليبه المخادعة، فلم يتزحزح عن مطالبه، بل زاد من سقفها مع مرور أيام الاحتجاج والتظاهر، ولم يرضخ او يرض بما قدمه حسني من تنازلات متتالية، حتى أسقطه تماما من على عرشه العالي، الذي ظل متربعا فوقه طيلة ثلاثين عاما، أكلت من جرف الفقراء كل شيء حتى كرامتهم.

وهكذا اشتعلت القاهرة بالفرح الجماهيري العارم، بل مدن مصر كلها، وخرجت الملايين هاتفة بشعارات النصر على التفرد السلطوي والطغيان، الذي أذاق المصريين أنواع العذاب والحرمان والقهر، وأثار نجاح ثورة 25 يناير ردود فعل كبيرة، فقد وصفها جو بايدن بأنها لحظة محورية في تأريخ مصر والشرق الاوسط، فيما تقاطرت التصريحات من معظم رؤساء وحكومات العالم الغربي، والشرقي، والعربي، واصفة الحدث بأنه الاهم في المنطقة منذ أعوام طويلة.

وعلى اثر ذلك اتخذت بعض الحكومات العربية، بعض الخطوات الاحترازية لصالح الفقراء، ولصالح الحريات أيضا، في خطوة استباقية لتحاشي انتقال وهج الثورة المصرية، الى الشعوب العربية المغلوبة على امرها، ومع ذلك لا تزال احتمالات تجدد النموذج المصري قائمة في دول عربية عديدة، بل في بعضها اصبح ماثلا للعيان كما حدث ويحدث في اليمن والجزائر والاردن وغيرها.

أما في العراق فقد بادرت العديد من المدن الى التظاهر والمطالبة بتحسين الخدمات، وصيانة قوت الفقراء، من خلال التزام الحكومة بمفردات البطاقة التموينية، التي ذوّبها الفساد الواضح، وآلية التوزيع، وتلاعب الوكلاء، بالتعاون مع مذاخر ومخازن توزيع المواد الغذائية في المحافظات، بالاضافة الى تقاعس الحكومة عن رصد الاموال الكافية لمفردات البطاقة.

وجاءت خطوة الحكومة العراقية بهذا الصدد، لتخفيف حدة الاحتقان الشعبي، فأمر رئيس الوزراء بتخصيص مبلغ (15) الف دينار لكل عراقي، تعويضا عن النقص في مفردات البطاقة التموينية، ثم امر بتوزيع وجبتين الى ثلاثة وجبات غذائية على العوائل الفقيرة وسواها، وهي خطوة تحاول ان تقلل من الغضب الجماهيري على الاهمال الواضح لقوت الناس، كما أنها تصب في تحسين الاوضاع الصعبة التي تمر بها شريحة كبيرة من فقراء العراقيين، وهي في كل الاحوال خطوة جيدة اذا رافقها التنفيذ السريع والجيد.

بيد أن المثير في الامر، تصاعد اسعار المواد الغذائية على نحو متسارع وكبير، بمجرد اعلان مبلغ التعويض المذكور، فلم يصدق تجار الازمات أنفسهم، فبادروا بسرعة قياسية الى مضاعفة اسعار المواد الغذئية، واستغلال الوضع الذي يعيشه الفقراء، ناهيك عن محاولاتهم في مثل هذه الظروف، لإفراغ مبادرة الحكومة من محتواها، ليتجاوز سعر كيس الطحين مثلا، أربعة أضعاف سعره، فقفز من (7) آلاف دينار الى اكثر من (30) ألف دينار، وهكذا الحال، مع معظم المواد الغذائية الاخرى.

وفي الوقت نفسه، لا يزال الشارع المصري يعيش ذروة النصر، وقمة الافراح التي انتشرت بين عموم مكونات الشعب، ففي غضون أيام لم تصل الى العشرين يوما، اسقط هذا الشعب المنظم الواعي، نظاما عسكريا تسلط على رقاب ابنائه اكثر من ثلاثين عاما، أما نحن فيرى بعضنا، أن حاجة فقراء الشعب يجب ان تُستغل لصالح جمع المال الحرام، كما يقوم الآن بعض التجار وربما معظمهم، باحتكار المواد الغذائية وسحبها من السوق، وتكديسها في المخازن ومن ثم رفع اسعارها الى الاضعاف، فأي فرق كبير، بين شعب يجتمع شبابه وكباره على هدف واحد هو ازحة نظامه السياسي المتسلط -وحدث لهم ما أردوا وخططوا له- وبين شعب يستغل أغنياؤه فقراءه ؟، كما نلاحظ ما يحدث الآن في الأسواق العراقية.

إن البعض يحاول ان يعزوا هذه الحالة (حالة استغلال الفقراء من لدن التجار) بأنها ظاهرة اقتصادية تتعلق بقانون العرض والطلب، بيد أن الحقيقة هي خلاف ذلك تماما، حيث الجشع هو المسبب الاول لهذه الظاهرة، وبدلا من أن تُستثار نوازع الخير والرحمة والتكاتف بين الغني والفقير في ظل فورة الاحداث الراهنة، نرى الاغنياء من بعض التجار، او معظمهم، ينتهز الفرصة ليضاعف أكداس الاموال في خزائنه الممتلئة اصلا.

نقول إن هذه الظاهرة (استغلال التجار للفقراء) لا تنم عن شعب متناغم منسجم متعاون، فيما بينه في السراء والضراء، بل هناك خلل في بنيته وتركيبته ينبغي معالجتها، بالتعليم والتجربة والتثقيف، وكذلك بالقوانين التي ينبغي ان تكون رادعة وقوية وفورية، لمثل هؤلاء التجار الذين يتلاعبون بقوت الشعب، وهذا هو دور الحكومة الذي يجب أن يرافق اعلانها لخطوات دعم الفقراء، التي اعلنتها على الملأ في وسائل الاعلام، لتصبح سببا في غلاء فاحش، وشحة في المواد التي يحتاجها الفقير اكثر من غيره، حتى قبل أن يستلم هؤلاء مبلغ التعويض الشحيح اصلا، وهذه دعوة للجهات الحكومية المعنية، بالتحرك العملي السريع، لمواجهة هذه الظاهرة السيئة بحزم، لكي لا تصبح عاملا مضافا للعوامل التي تدفع نحو الغليان.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 13/شباط/2011 - 9/ربيع الأول/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م