معجم الرموز الشيعية... السيد حسن الصدر

محمد الصفار

 

شبكة النبأ: بحر زاخر يموج بمختلف العلوم، وعلم خفاق من اعلام مدرسة أهل البيت (ع) يهتدي به السارون، وفرع من دوحة علمية نهل من معانيها وجنى ثماره على يد اساطين العلم، ما جعله موسوعياً في تأليفه وتصانيفه، كونت ثقافته الواسعة وعلميته الفذة تراثاً ثراً اثرى المكتبة الاسلامية بمختلف العلوم وبرع فيها كلها.

تجاوزت مؤلفاته المائة في شتى انواع العلوم يقف القارئ لأحد مؤلفاته في علم من العلوم وهو على يقين قاطع وأيمان مطلق ان المؤلف قد تخصص في هذا العلم دون سواه ولكنه ما أن يطالع مؤلفاً آخراً له حتى تأخذه الدهشة حين يرى ان المؤلف قد سبر غور مختلف العلوم وفاق اصحاب الاختصاص بها فهو موسوعي علمي شامل وقطب لرحى العلوم انه السيد الاجل حسن الصدر _ قدس سره الشريف _.

ينتمي سيدنا الجليل الى اسمى نسب وأشرف حسب وأطهر أصل وأزكى أرومة فهو فرع من الشجرة النبوية الباسقة فهو ابو محمد الحسن بن الشريف الهادي بن الشريف محمد علي بن الشريف صالح بن الشريف محمد بن الشريف ابراهيم الشهير بشرف الدين جد اسرة ال شرف الدين بن زين العابدين بن علي نور الدين بن نور الدين علي بن الحسين بن محمد بن الحسين بن علي بن محمد بن تاج الدين المعروف بأبي الحسن بن محمد بن عبد الله بن احمد بن حمزة بن سعد الله بن حمزة بن محمد بن عبدالله بن محمد بن علي بن عبد الله بن محمد بن طاهر بن الحسين بن موسى بن ابراهيم المرتضى بن الامام موسى الكاظم (ع).

ولد في يوم الجمعة 29 شهر رمضان المبارك سنة 1272هـ في مدينة الكاظمية المقدسة ونشأ نشأة علمية في بيت توارث أبناؤه العلم كابراً عن كابر فكان أبوه من كبار العلماء المراجع في الكاظمية فغذاه بعلمه وبذل أقصى جهده في تربيته واعداده لمنزلة تليق بهذه الاسرة الكريمة.

فكان ابنه نادر المثال متميزاً بسلامة الفطرة وقوة الذهن وحدة الفهم واتقاد الذاكرة مع جمعه لفضائل كثيرة جعلته أليق ما يكون لتمثيل اسرته الكريمة فلم يبلغ سيدنا الجليل الخامسة عشر من عمره حتى اتقن الصرف والنحو والمعاني والبيان والبديع وبلغ درجة رفيعة في علم المنطق وقد تلقى هذه العلوم اضافة الى والده على يد أساتذة علماء الكاظمية المقدسة كالشيخ العلامة باقر بن حجة الاسلام محمد حسن آل ياسين والشريف العلامة السيد باقر بن السيد حيدر والشيخ العلامة احمد العطار والشيخ محمد بن الحاج كاظم والميرزا باقر السلماسي وغيرهم.

وكان اختيار والده لهؤلاء العلماء الافذاذ ابلغ الاثر في صقل مواهبه اضافة الى ارشاده وتوجيهه وفاق اقرانه وفاقهم علماً وأدباً وما أن بلغ الثامنة عشرة من عمره حتى خرج من سطوح الفقه والاصول على يد والده وغيره من علماء الكاظمية ولما كانت النجف الاشرف مهوى أفئدة العلماء ومهبط العلم منذ ان هاجر اليها شيخ الطائفة الطوسي سنة (448) الى الآن فقد هاجر سيدنا أليها بأمر والده فدرس فيها الحكمة والكلام على يد السيد محمد باقر الشكي ولما توفي الشكي اكمل سيدنا الصدر هذين العلمين على يد الشيخ محمد تقي الكلبايكاني والشيخ عبد النبي الطبرسي فنبغ فيهما وفي غيرهما من العلوم ولم يزل عاكفاً على تحصيل العلم مجداً في الاستفادة والافادة مدرساً ومؤلفاً ومحاضراً ومناظراً.

ولما ارتحل المرجع الكبير الميرزا السيد محمد حسن الشيرازي من النجف الاشرف الى سامراء وأقام مدرسته العلمية فيها أصبحت سامراء منهلاً لورود كبار العلماء وكواكب طلائع العلم وأقاموا بين يديه يهتدون بهدية ويقتبسون من علمه وكان من ضمن النخبة التي هاجرت الى سامراء لأخذ العلم من الامام المجدد الشيرازي قدس سره _ قدس سره _ سيدنا الصدر.

وقد توسم المجدد الشيرازي في الصدر النبوغ والنباهة فعني بأمره وأهتم بشأنه كل الاهتمام وترسخت بين الاستاذ العظيم والتلميذ النابغ قواعد المودة وتوطدت عرى الرحمة والأخاء والمحبة ودامت اقامة السيد حسن الصدر مع استاذه الشيرازي مدة سبعة عشر سنة أستقى خلالها من أستاذه فروع العلم وأصوله موغلاً في البحث والامعان والتدقيق والتنقيب والتقصي عن اسراره وغوامضه، وكانت أوقاته فيها مرتبة بين حضور على استاذه الامام ومناظرة مع اترابه الاعلام ومحاضرة يلقيها على تلامذته وتأليف ينفرد به وعباد ينقطع اليها الى الله كما كانت بينه وبين الامام المحقق الميرزا محمد تقي الشيرازي مذاكرات ومناظرات في وقت خاص من كل يوم استمرت أثنتا عشر سنة.

هكذا كان دأبه طيلة مدة اقامته في سامراء وهكذا هو دأبه في حياته كلها جهد متواصل وطموح لا يكل في تعقب خطوات اساتذته الاعلام ومطالعته الكثيرة وحضوره الدائم لمجالس العلم والتي كونت مصادر ثقافته الواسعة، بعد وفاة استاذه العظيم المجدد الشيرازي بعامين غادر سامراء ورجع الى مسقط رأسه الكاظمية ليقيم قرب جده الامام موسى الكاظم (ع).

وانبرى فيها لألقاء الدروس والتأليف والتصنيف والوعظ والارشاد ولم تمض فترة طويلة على اقامته في الكاظمية حتى توفي والده _قدس سره _ ولما اراد الناس من مقلدي ابيه تقليده أبى عليهم ان يقلدوه وأرجعهم الى ابن عمه السيد اسماعيل الصدر فلما توفي ابن عمه سنة 1338ه قام بالامر بعده مرجعاً خلفاً له وظهرت رسالته العلمية _ رؤوس المسائل العلمية _ وعلق على كل من تبصرة العلامة ونجاة العباد والعروة الوثقى تعاليق جعلتها مراجع لمقلديه وتداولت بينهم بالعمل على مقتضاها كان سيدنا الجليل شمساً في المعارف ومنبعاً في العلوم وإماماً في الفقه وبحراً زاخراً في السنن والاخبار وحوادث السنين وأصول الفقه وعلم الرجال والدراية وانساب قريش وسائر العرب، ولا سيما الهاشميون وعلماً في التفسير وسائر علوم القرآن والسنة الشريفة كما كان طويل الباع واسع الاطلاع في الادب وما الى ذلك من الفنون كالصرف والنحو والمعاني والبديع والبيان ومتن اللغة وحبراً في المنطق والحكمة وعلم الكلام وعلم الاخلاق.

وتدلنا مؤلفاته التي جمع فيها بين الكثرة والاجادة على علمية فذة وعبقرية نادرة في شتى العلوم فتميزت بغزارة المادة وسديد الرأي وقوة الحجة ومتانة المنهج ففي أصول الدين ألف سيدنا كتاب (الدرر الموسوية في شرح العقائد الجعفرية) وفيه شرح كتاب (العقائد الجعفرية) للشيخ الاكبر كاشف الغطاء الذي استدل به الشيخ على الوحدانية والعدل بآيات الله وآثاره في ملكوته كخلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار الى غير ذلك من الآيات الباهرات وترك التفصيل القول لغيره من العلماء الاعلام فظهر فضل هذا الشرح بما اشتمل عليه من تفصيل شؤون تلك الآيات البينات وحكمها واسرارها وآثارها وبما بسطه من الكلام فيها على ما يقتضيه مصطلح أهل الفن من الدلالة على الوحدانية الخالق عزوجل كما اثبت في باب الامامة من هذا الشرح رأيه في الائمة (ع) من طريق مخالفيه وفي نفس المجال _ أصول الدين _.

الف سيدنا أيضاً كتاب (سبيل الصالحين) وهو في سلوك وطريق العبودية مبوب على سبعة ابواب (واحياء النفوس بآداب ابن طاووس) جمعه من بيانات السيد جمال الدين علي بن طاووس الحسني في مؤلفاته ورتبه على ثلاثة مناهج اما في مجال الفقه فقد كان للسيد حسن الصدر الميزة الظاهرة في ذلك فقد أربت كتبه ورسائله ومسائله وتعليقاته في هذا المجال على ثلاثين مؤلفاً ومصنفاً فيها جميع مسائل الفقه وأجوبتها.

أما في الحديث فقد شرح كتاب وسائل الشيعة وهو كتاب لم يصنف مثله يذكر فيه السيد الصدر الحديث ويعقد فيه عناوين المتن واللغة والسند والدلالة ويذكر في عنوان المتن اختلاف النسخ وضبط الالفاظ ويشرح في عنوان اللغة الالفاظ ويبحث في عنوان السند عن رجال الاسناد ويتكلم فيما يعارضه فيجمع بينهما أو يرجح أحدهما على وجه لم يسبق اليه احد فهو كتاب جامع للفقه والاصول والحديث والرجال كما ألف في هذا الجانب كتاب تحية أهل القبور بالمأثورة وكتاب مجالس المؤمنين في وفيات الأئمة المعصومين وكتاب مفتاح السعادة وملاذ العبادة وكتاب تعريف الجنان في حقوق الاخوان ورسالة في المناقب وكتاب النصوص المأثورة وكتاب صحيح الخبر في الجمع بين الصلاتين في الحضر وكتاب الحقائق في فضائل أهل البيت من طريق الجمهور وكتاب احاديث الرجعة وكتاب هداية النجدين وتفصيل الجندين وهو في شرح حديث الكافي في جنود العقل والجهل وكل هذه الكتب اسفار جليلة وآثار عظيمة جمعت غزير المادة وبراعة الاسلوب ودقيق العبارة بين دفتيها أما في الدراية فقد الف سيدنا الجليل كتاب نهاية الدراية شرح فيه وجيزة الشيخ البهائي وبسط الكلام في هذا العلم وأستقص مسائله وانواع الحديث ومباحث الجرح والتعديل ولهذا الكتاب بالغ الاهمية في هذا المجال كما ألف سيدنا في طريق تحمل الحديث كتاب بغية الوعاة في طرق الطبقات مشايخ الاجازات واشتمل على عشرة طبقات وقد قدم له العالم السيد محمد مرتضى الجهانبوري الهندي.

اما في علم الرجال فقد ألم سيدنا بهذا المجال الماماً تاماً فالف فيه تسعة كتب جمع فيها (مختلف الرجال) و(عيون الرجال) و(اعيان الشيعة) و(طبقات الرواة) وكان لسيدنا فضل السبق في التأليف في علم الفهارس في كتابه (تأسيس الشيعة الكرام لعلوم الاسلام) وهو كتاب لا نظير له في بابه تتبع فيه العلوم الاسلامية ذكراً واستقصاها خبراً واستوفى البحث فيها وعن مؤسسيها وأمعن في التنقيب عن طبقات المصنفين فيها فأثبت بالبرهان القاطع والدليل الواضح سبق الشيعة الامامية في جميع الفنون الاسلامية وهو كتاب لم يسبقه اليه احد.

وقد اختصر في كتابه القيم (الشيعة وفنون الاسلام) وفي الفهارس ايضاً الف سيدنا كتاب فصل القضاء في الكتاب المشهور بفقه الرضا وكتاب الابانة عن كتب الخزانة.

اما في الاخلاق فله رسالتان في المراقبة والسلوك وله في المناظرات رسائل مهمة تعد أدلة قاطعة على أحقية مذهب الشيعة وكشف اعوجاج مخالفيهم ومناوئيهم منها (قاطعة اللجاج في تزييف أهل الاعوجاج) من منكري الاجتهاد والتقليد (والبراهين الجلية في ضلال ابن تيمية)وهو كتاب ضخم اقام فيه سيدنا الادلة فيه على الضلالة بأقواله وأفعاله وبشهادة علماء الجمهور وحكمهم عليه بذلك.

كما احصى في كتابه سيئات ابن تيمية ومخالفاته للامة وأستطرد في حديثه عن الوهابيين فكشف حالهم وأبان ضلالهم كما الف السيد الصدر في المناظرات رسالة اطردها لما صح عن ابن عباس قوله: (يوم الخميس وما يوم الخميس) سماها (عمر وقوله هجر) ورسالة أيضاً في الرد على الوهابيين في فتواهم بحرمة البناء على الضرائح المقدسة وفي اصول الفقه فللسيد الصدر ستة مؤلفات ما بين كتاب وتعليقه ورسالته اشهرها كتاب (اللوامع)، وقد تضمن نتائج افكار الامامين الانصاري والشيرازي وتلامذتها الاعلام كما خاض سيدنا ميران النحو وبرع فيه فألف كتاب (خلاصة النحو) لخص فيه هذا العلم على ترتيب الفية ابن مالك.

أما في التاريخ فتدلنا مؤلفات السيد الصدر على سعة اطلاعه وتبحره في حوادث التاريخ في الجاهلية والاسلام وقد ألف في ذلك ست مؤلفات هي (نزهة اهل الحرمين في عمارة المشهدين) وهما مشهد الامام امير المؤمنين (ع) ومشهد الامام ابي عبد الله الحسين (ع) ويشمل على ذكر اول من عمرها وذكر من جددوا تعميرها وتواريخ التعمير والتجديد واسماء المعمرين والمجددين وأول من سكن الحائر من العلويين وكتاب (وفيات الاعلام من الشيعة الكرام) وقد رتبه على العصور والطبقات من المائة الاولى الى الرابعة وكتاب (محاربوا الله ورسوله يوم الطفوف) أثبت فيها انهم كانوا ثلاثين ألفاً أو يزيدون وكتاب (المطاعن) وكتاب (النسيء) وكتاب (كشف الظنون عن خيانة المأمون) ويثبت المؤلف فيه خيانة المأمون بسمة للأمام الرضا (ع) وكتاب (محاسن الرسائل في معرفة الاوائل) في خمسة عشر باباً.

لقد كانت حياة سيدنا عبارة عن عطاء مستمر ومعين دائم فلم يعرف للراحة طعماً وقد قضى جل عمره بين كتبه ومكتبته الحافلة بانواع الكتب يقول عنه ابن اخته العلامة الشيخ مرتضى آل ياسين اثناء ترجمته: لقد كنت اسمع عن السيد المؤلف _ اي السيد الصدر _ زمان كان شاباً قوي العضلات انه كان لا يكاد ينام الليل في سبيل تحصيله كما انه لا يعرف القيلولة في النهار ولكني بدل ان أسمع ذلك عنه في زمن شيبته فقد شاهدت ذلك بأم عيني في زمن شيخوخته وان مكتبته التي يأوى اليها في الليل والنهار ويجلس هنا بيمناه القلم وبيسراه القرطاس لهي الشاهد الفذ بأن صاحبها المفتوحتين في الليل لا يطبق اجفانها الكرى في النهار وأن جاءها الكرى فأنما يجيؤها حثاثاً لا يكاد يلبث ثم يزول...الخ.

وقد كونت مكتبته ثروة علمية كان يؤثر تحصيلها على بلغته ونفقة يومية وقد ذكرها البحاثة جرجي زيدان في طليعة مكتبات العراق حين أستقص تلك المكتبات في كتابه تاريخ آداب اللغة العربية بعد هذا العمر المليء بالعلم والمعارف توفي سيدنا حسن الصدر في بغداد عصر الخميس 11ربيع الاول 1354الموافق 12/6/ 1935فكان لوفاته صدى واسع واثر كبير في جميع النفوس وقد شيع جنازته الى الكاظمية اكثر من مائة الف مشيع من كل طبقات المجتمع ودفن جوار جده الامام موسى الكاظم (ع) واقيمت مجالس الفاتحة على روحه الطاهرة في سائر مدن العراق وايران وافغانستان والهند ولبنان وأبنته الصحف العراقية واللبنانية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 10/شباط/2011 - 6/ربيع الأول/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م