الثورات الاجتماعية وتحطيم الحكومات القمعية

رؤى من أفكار الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: تشهد منطقة الشرق الاوسط، حراكا جماهيريا متواصلا في هذه المرحلة، هدفه تغيير الانظمة السياسية القمعية، من خلال القيام بثورات اجتماعية، يئست من أنظمتها السياسية، التي لاتنظر الى مصالح شعوبها، بقدر ما تنظر وتعمل لصالح رموزها وحماية كراسيها ومناصبها، وطالما أن هذه المجتمعات تقبع منذ عقود، أو حقب زمنية طويلة، تحت نير الاستبداد والظلم السياسي المستديم، فإنها لم تجد مناصا من التغيير، والبحث عن النظام السياسي الذي يحفظ لها كرامتها ويحترم حقوقها، إذ غالبا ما تبحث الشعوب والمجتمعات عمّا يناسبها ويصلح لها.

وقد ذكر الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره)، في كتابه الثمين الموسوم بـ (الفقه: الاجتماع ج2) بهذا الصدد:

أن (الانقلابات الاجتماعية، هي التي تقوم بها أكثرية الناس، لإيجاد نظام جديد في الحكم، وتقوم هذه الانقلابات على أسس ثلاثة:

1 ـ عدم الرضا بالحكم القائم .

2 ـ اليأس عن إصلاح الحكم القائم بسلام.

3 ـ الرجاء في تكوين نظام جديد يعطي آمال الناس، ويخفف من آلامهم).

وهكذا لابد أن تتوافر الاسباب الدافعة للثورة والتغيير، وهو ماحدث فعلا في الدول التي شهدت في هذه المرحلة، احتجاجات وتظاهرات شعبية عارمة، تطالب بالتغيير السياسي البديل، للانظمة القهرية الاستبدادية التي تحكمها، ولكن تبقى قضية النجاح والفشل للثورة والتغيير السياسي، محكومة بعوامل عديدة، إذ يقول الامام الشيرازي في كتابه نفسه بهذا الصدد:

(وهذه الثورة إن جعلت لها أسس صحيحة تنتهي إلى الحكم الاستشاري، كما حدث في حركة فرنسا والهند وغيرهما ـ فإنها وإن لم تكن مطابقة للنظر الإسلامي إلا أنها صحيحة في نظر أكثرية الشعوب القاطنة في تلك البلاد ـ وإن لم تجعل لها أسس صحيحة تنتهي إلى الديكتاتورية، كما حدث في الحكم العباسي سابقاً، وحكم الروس والصين وما أشبه في الزمان الحاضر، وتكون النتيجة حينئذ، إما تبديل ديكتاتور بمثله، أو بأسوء منه).

هذا يعني أن على القيادات السياسية الجديدة الهادفة الى التغيير، أن تحتاط بشدة من خطر الانزلاق الى مهاوي الدكتاتورية ثانية، وهو ماحدث في تجارب عديدة، حيث تمت سرقة الثورة قبل أن يتحقق البديل السياسي الافضل للجماهير الثائرة، ولهذا ينصح الامام الشيرازي الثائرين وقادتهم، بأن ينبّهوا الى أمرين، كما ورد في كتابه نفسه إذ يقول:

(اللازم على الثائرين أن يضعوا نصب أعينهم أمرين:

1 ـ هدم الحكم الجائر.

2 ـ كيفية الحكومة المستقبلية مع تهيئة أسباب تلك الحكومة).

بمعنى لابد أن يكون هناك مشروعا سياسيا مسبقا ومخططا له سلفا، لتحاشي العشوائية والضياع، ومن ثم استيلاء العناصر المستبدة نفسها، او من يماثلها في النهج، على نتائج الثورة الشعبية، ويجيّرروا نجاحاتها لصالحهم، فينحرف الحكم من جماهيري متحرر، الى دكتاتوري مستبد، لذلك يرى الامام الشيرازي ضرورة توافر الاسباب الداعمة لنجاح الثورة، إذ يقول في كتابه نفسه:

إن (أهم تلك الأسباب:

أ ـ توضيح معالم الحكومة في السلطات التقنينية [أي التطبيقية في الإسلام] والتنفيذية والقضائية.

ب ـ توزيع القدرة في الفئات والمنظمات والأحزاب حتى لا تتمكن جماعة من استغلال الحكم وضرب الآخرين.

كما حدث في الثورة الشيوعية، حيث أن الشعب قام ضد قيصر لإيجاد حكم ديمقراطي بديل، وتشكلت أحزاب، كان من أهمها [المنشفيك، والبلشفيك] ولكن لما لم يكن التوازن بين القدرات، قفز الشيوعيون على الحكم بقيادة الديكتاتور [لينين] وبالاستعانة بالخارج [أي ألمانيا] وأبادوا كل الأحزاب الأخرى، والتي كان من جملتها المنشفيك).

وحدثت اسباب الفشل السياسي الجماهيري نفسها في أيران، كما يذكر ذلك الامام الشيرازي في الكتاب نفسه:

(وهكذا حدث في ثورة الدستور في إيران، فقد قام الشعب بقيادة العلماء لرفع ظلم الحكام، وتبديل النظام إلى حكم إسلامي استشاري لكن لما لم تكن القدرة موزعة، فإذا ببهلوي مع قلة مسلحة يقفزون على الحكم بمعاونة بريطانيا ويذيقون الأمة الأمرين).

ويشير الامام الشيرازي الى مثل هذه الثورات الجماهيرية العارمة، التي حدثت في تونس، وتحدث الآن في مصر، وتمتد الى اليمن والجزائر وسواهما، ويؤكد على طبيعة الصراع الذي سيقوم بين الارادتين، الارادة الجماهيرية الساعية الى التغيير، والارادة المستبدة ممثلة بالحكومة القائمة، التي تحاول أن تكسر شوكة الثوار، بكل السبل والوسائل المتاحة لها، من خلال اشاعة الفوضى، إذ يذكر الامام الشيرازي في هذا المجال:

(يأتي دور المؤسسة الثورية، فتتوسع الطرق المؤدية إلى إنجاز الثورة وتقع الفوضى في البلاد، وتصطف مؤسسات الدولة والثورة إحداهما أمام الأخرى، وتسترخي قبضة الدولة، وتأخذ قبضة الثوار تشتد وتشتد… وتحاول الدولة أن تجعل الحلول الوسطى، لكن الثوار يأبون، وتتفادى الدولة سقوطها ببعض الحلول، مثل تغيير بعض الموظفين، وإلغاء بعض الضرائب، وإطلاق سراح بعض السجناء، وإشراك بعض الثوار في الحكم.

لكن الأوان قد فات، ولسان الثوار [الآن وقد عصيت من قبل، وكنت من المفسدين] وفي مثل هذه الحالة يستولي الثوار على مؤسسة مؤسسة من مؤسسات الدولة… ولا يمنعهم عن القيام بأعمالهم بعض العنف الذي تريه الدولة، مثل جعل الحكومة العسكرية وقانون منع التجول، وضرب المتظاهرين بالرصاص، ونهب دكاكين المضربين وما أشبه ذلك).

وهذا ما حدث ويحدث فعلا في مصر الآن، حيث تستميت الحكومة القمعية، في امتصاص غضب الثوار، من خلال بعض التنازلات التي تحاول أن تقلل من ارادة المنتفضين، ولكن لابد للقيادات الثائرة التي تمثل الجماهير الغاضبة فعلا، أن تستفيد من الدروس السابقة، وأن تحمي ثورتها من تحايل وتلاعب الانظمة القمعية، وأساليبها المعروفة في امتصاص زخم الثورة، ومحاولة تطويعها واحتوائها، وعدم تحقيق اهدافها، والبقاء متشبثة بالسلطة وعرشها، وهو الامر الذي لن لحاكم مستبدٍ قط.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 7/شباط/2011 - 3/ربيع الأول/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م