كيمياء الثورة المصرية والتونسية

مرتضى بدر

حينما نتكلم عن الكيمياء كعلمٍ نتذكر المختبرات وتركيبة المواد والعناصر الكيمائية وتفاعلاتها؛ بهدف تحضير دواء أو صناعة معدن نفيس أو منتج كيمائي خطير. وعندما نتكلم عن أية ثورة شعبية فعادةً ما نستحضر العناصر الأربعة الأساسية التي تتفاعل في إحداث هذه الثورة أو الانتفاضة. وهذه العناصر هي كالتالي: الأسباب الموضوعية، والطاقات البشرية، والآليات المستخدمة، والأهداف المرجوة.

في الثورة التونسية والمصرية اللتين نعيش تفاعلاتهما هذه الأيام، نجد أن العناصر الأربعة المذكورة قد تفاعلت بصورة سريعة. الثورة التونسية تشابهت وتقاطعت مع الثورة المصرية في الكثير من المقاطع والمفاصل والتراجيديات مع الاختلاف في بعض الخصوصية.

 في البدء، أود التأكيد بأنني لا أتفق مع الرأي القائل بأن الشعوب التي تعيش في البلدان الزراعية تميل بطبعها إلى الصبر والهدوء؛ كون الطبيعة الزراعية تترك تأثيرًا في سوسيولوجية الفرد، فتجعله أكثر تحمّلاً وصبراً على مظالم الطغاة. وحسب زعم أصحاب هذه المقولة، فإن هذه الشعوب تميل إلى الرّي والتربة ولقمة العيش أكثر من ميلها إلى السياسة!! إلا أن الثورة التونسية والمصرية قد أسقطتا هذه المقولة الباطلة، كون البلدين من البلدان الزراعية من الأساس، والذين شاركوا في الثورة هم أبناء وأحفاد الفلاحين والكادحين في المدن والأرياف. وأتمنى من بعض الأقلام عدم تضخيم مقولة (سلطان غشوم ولا فتنة تدوم)، خاصة في هذا الظرف التاريخي الذي قرر فيه هذان الشعبان العيش في ظل الحرية والكرامة بعيداً عن هيمنة السلاطين والطغاة الغاشمين.

 ونستذكر هنا كيف استغل الطغاة وعبر التاريخ الإسلامي الطويل هذه المقولة والروايات التي تحرّم الخروج على الحاكم الظالم والفاسق خدمة لمصالحهم. للعلم، فإن الشيخ يوسف القرضاوي ظهر عدة مرات على شاشة قناة (الجزيرة) في الفترة الأخيرة؛ ليوضح للشعوب الخلط واللبس الذي وقع فيه البعض حول هذه الروايات، داعياً إلى التفريق بين حاكم عادل وآخر ظالم لا يلتزم بشرع الله، والذي يرى الخروج عليه واجبًا.

بعد هذه المقدمة ندخل في صلب الموضوع؛ لنسلط الضوء على العناصر الأربعة التي قامت عليها الثورتان.

 أولاً- أسباب الثورة: في عناوين موجزة نشير إلى أهم الأسباب التي أدت إلى انفجار الغضب الجماهيري في البلدين، وهي: احتكار السلطة، وعسكرة النظام، وتفشي الفساد والمحسوبية، وقمع الحريات ومحاربة القوى الوطنية المعارضة، وتشكيل برلمانات شكلية، وتفشي الفقر والبطالة، وترسيخ الطبقية.

 ثانياً- الطاقات البشرية: اتسمت الثورتان بظهور فئة الشباب التي حركت الجماهير وكانت وقوداً للثورتين. ولولا فئة الشباب لما نجحت الثورة في تونس، ولولاهم لما أُجبر النظام في مصر على تقديم تنازلات ولو جزئياً، والتي رفضتها الجماهير وظلت متمسكة حتى هذه الساعة بمطالبها، وأهمها إسقاط النظام وإجراء انتخابات حرة. الكاتب والمفكر المصري فهمي هويدي في آخر مقال له بعنوان (مصر من الفرعونية إلى الديمقراطية) يقول: "قبل أي كلام في الموضوع، لابد أن نحني رؤوسنا تقديراً واحتراماً لأولئك الشبان والشابات الرائعين الذين تقدموا الصفوف ورفعوا رايات الغضب النبيل، فانتشلونا من هوة اليأس الذي تلبّسنا حتى بتنا نرى المستقبل بائسًا ومظلمًا، ونرى بلدنا عزيز قوم انكسر وذل". وبجانب فئة الشباب كانت للأحزاب والتنظيمات السياسية والعمالية دور في تنظيم الخطاب والشعار وتوجيه حركة الشارع.

 ثالثاً- آليات وأدوات الثورة: الشباب تمكنوا من تسخير شبكة المعلومات والاتصالات (الإنترنت) وشبكات التواصل الاجتماعية الـ(فيسبوك) والـ(تويتر) في تحريك الجماهير وإفشال الإعلام الحكومي المضلل.

باعتقادي، إن أهم إنجاز حققته حركة الشباب هو القضاء على ثقافة الخوف؛ وهذا ما شجعت الجماهير على الخروج إلى الشارع. ومن الأدوات الأخرى التي ساهمت في حركة الجماهير هي القنوات الفضائية، وخاصة قناة (الجزيرة) التي لعبت دوراً في التعريف باحتجاجات المتظاهرين، وكانت الوسيلة المهمة في إيصال صوت الغاضبين إلى الجميع في داخل وخارج تونس ومصر؛ ما أدى إلى انضمام المزيد من الجمهور إلى المسيرات الاحتجاجية. ما نريد تثبيته هنا هو أن قناة (الجزيرة) لم تكن سبباً في قيام الثورة في تونس ومصر، إنما الأسباب هي ما أشرنا إليها في المقدمة. وأما العنصر الأخير في حركة الجماهير التونسية والمصرية فهو الأهداف التي قامت من أجلها الثورتان، ومن أهمها تغيير النظام.

 العناصر الكيمائية للثورة الشعبية قد فعلت فعلتها الإيجابية بسقوط حكم بن علي في تونس، ومازالت تتفاعل في الشارع المصري، وقد نشهد نتائجها في الأيام القليلة المقبلة إذا صمدت الجماهير في موقفها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 7/شباط/2011 - 3/ربيع الأول/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م