بسرعة كبيرة تتوتر الأحداث في العالم العربي، بدءا مما يجري في
السودان واليمن مرورا بما جرى في تونس وما يجري في مصر وانتهاء بما
سيجري في لبنان والأردن الخ، كلها أحداث بقدر ما تثير التفاؤل والأمل
بغد أفضل إلا أن بعضها يثير القلق والخوف من مرحلة انتقالية ستكون
مفتوحة على كل الاحتمالات وستتعدى في تأثيراتها الشأن الداخلي لكل دولة
لتعيد ترتيب الأوضاع في الشرق الأوسط بما سيخلط الأوراق ويؤسس لحالة من
الفوضى وعدم الاستقرار، وهي حالة إما أنها ستخدم سياسة الفوضى البناءة
التي تريدها واشنطن وتخطط لها، أو ستخدم شعوب المنطقة المتطلعة لبناء
عالم عربي جديد تُحترم فيه كرامة المواطن وحرياته الإنسانية.
الأحداث توحي بوجود مشترك بينها وخصوصا أزمة النظم السياسية العربية
وانكشاف شرعيته في كل البلدان العربية، واهم هذا المشترك: كسر الجماهير
لحاجز الخوف، كسر قيود الحزبية الضيقة، تبديد وهم أن الإسلام السياسي
هو المسيطر على الشارع العربي، استحضار لروح الثورة والأمل عند
الجماهير العربية بإمكانية تغيير الأوضاع السياسية وكسر حالة الجمود
والإحباط المسيطرة على الشعب العربي، انكشاف أن الأنظمة ستكون نمور من
ورق في مواجهة جماهير قررت أن تكون سيدة نفسها...
إلا أنه مقابل ذلك فإن هذه اللحظة التي ستشكل منعطفا مصيريا في
تاريخ الأمة العربية تحتاج أيضا لإعمال واستحضار العقل وتتطلب أقصى
درجات الحذر والحكمة في التعامل مع هذه الأحداث والمتغيرات وتداعيات كل
ذلك على المعادلة السياسية في الشرق الأوسط وعلى القضية الفلسطينية على
وجه الخصوص.
المتغيرات التي يشهدها العالم العربي وحتى في حالة صيرورتها متغيرات
تتجاوب مع التطلعات المشروعة للشعوب بالديمقراطية، فإنها على المدى
القريب ستشغل الشعوب العربية بمشاكلها وهمومها الداخلية لحين من الوقت،
الأمر الذي سيدفع إسرائيل لتسريع سياسة الاستيطان والتهويد ما دام
العرب والعالم منشغلين بما يجري في مصر والسودان ولبنان الخ، بل لا
نستبعد أن تُقدم إسرائيل على إجراءات خطيرة تتعلق بالقدس أو باحتلال
محور فيلادلفيا بين غزة ومصر أو تطلب بسرعة مرابطة قوات دولية، إن لم
يكن أكثر من ذلك في حالة تدهور الأوضاع في مصر.
لأن الانتفاضة أو الثورة الشعبية في مصر جاءت بعد أيام من الثورة
التونسية التي أطاحت بالرئيس وأجهزته الأمنية، فقد راهن البعض وتوقع أن
تتطور الأحداث في مصر على نفس المسار الذي سارت عليه في تونس. بالرغم
من أهمية الثورة التونسية وما بلغته من دروس إلا أن تداعياتها على
السياسات الخارجية لدول المنطقة وعلى الصراع العربي الإسرائيلي تبقى
محدودة، ليس فقط لأن الثورة التونسية ثورة إصلاحية وطنية بل أيضا لأن
الجغرافيا السياسية ودور تونس في سياسات الشرق الأوسط والعالم يبقى
محدودا.
ومن هنا نلاحظ كيف رحبت واشنطن وأوروبا والعالم بثورة الشعب التونسي
ولم تجر أي محاولات للتأثير في مجريات الثورة، أما في مصر فالعالم ينظر
لما يجري ويتعامل معه بشكل مختلف وتصريحات واشنطن وأوروبا ما زالت حذرة
ومترددة، لأن أي تغيير جذري في النظام السياسي ستكون له انعكاسات
إقليمية ودولية وستعيد خلط الأوراق وخصوصا في ملف الصراع في الشرق
الأوسط، أو بصيغة أخرى فإن العالم، وخصوصا واشنطن وأوروبا، تعامل مع
الحدث التونسي كقضية ديمقراطية وحقوق إنسان فقط أما مع مصر فإن
الحسابات السياسية والإستراتيجية المرتبطة بالمصالح لها الأولوية على
حسابات الديمقراطية وحقوق الإنسان.
هناك ملاحظة مهمة في الثورة المصرية – وكانت موجودة أيضا في الثورة
التونسية- وهي أن المتظاهرين كانوا يرفعوا شعارات ويرددوا هتافات تعبر
عن مطالب اجتماعية واقتصادية وسياسية محددة وكلها لها طابع وطني بعيدا
عن أية أيديولوجية، فلم يتم رفع شعارات معادية لواشنطن أو للغرب ولا
حتى لإسرائيل، لم تحرق أعلام أمريكية أو إسرائيلية، لم يتم ترديد
شعارات كبرى كالمطالبة بتحرير فلسطين أو قطع العلاقات مع إسرائيل الخ.
بصيغة أخرى كانت مطالب وطنية تندرج في إطار الإصلاح الديمقراطي. إن
وطنية وعقلانية أهداف الثورة المصرية تعود لأن قادتها من الشباب
المتعلم والواعي والمدرك لخصوصية وضع مصر الاستراتيجي ودقة الوضع
الاقتصادي فيها، وكذا الحال بالنسبة للقوى والأحزاب السياسية التي
التحقت بالثورة.
بسبب وعي قادة المحتجين وبسبب قوة التدخل الذي تقوم به واشنطن
والغرب في التأثير على مجريات الأحداث، وسواء استمر الرئيس حسني مبارك
لنهاية ولايته الحالية – سبتمبر القادم – أو ترك السلطة بشكل سلس، فإن
القيادة القادمة ستكون في المرحلة القريبة ذات توجهات إصلاحية داخلية
ولن تفتح الملفات الكبرى كاتفاقية كامب ديفد والالتزام بالسلام مع
إسرائيل وخصوصية علاقة مصر بواشنطن والغرب، بمعنى أنه سيتغير رأس
النظام ولن يتغير النظام في بنيته الأساسية ومن حيث سياساته الدولية.
تولي عمر سليمان للرئاسة أو سيطرة الجيش على السلطة لا يعني تغيرا
في سياسة النظام الخارجية بل سيكون الجيش أكثر حرصا على التمسك بعلاقة
مصر مع إسرائيل وبالعلاقة مع الغرب، وحتى محمد البرادعي المدعوم من
واشنطن خفية وبالرغم من انه من خارج النظام إلا أنه في حالة صيرورته
رئيسا سيكون أكثر حرصا من الرئيس مبارك على الحفاظ على اتفاقية كامب
ديفيد وعلى علاقة مصر مع واشنطن والغرب. وحتى في حالة تشكيل حكومة وحدة
وطنية تشارك فيها جماعة الإخوان المسلمين، فلن تتغير السياسة الخارجية
كثيرا وخصوصا من جهة العلاقة بإسرائيل وبواشنطن.
ولكن الخوف يأتي من عدم التوصل لتفاهم ما بين المنتفضين والنظام
الحاكم سواء كان الرئيس أو الجيش. قمع الثورة بالقوة سيؤدي لأعمال عنف
وظهور جماعات سرية للعنف وستدخل مصر في وضع خطير جدا، وآنذاك ستكون
فرصة لإسرائيل وقوى أخرى لتأجيج الفتنة وإطالة عمرها.
ما يجري في مصر سيكون له تداعيات خطيرة داخليا وخارجيا. إن كنا
نتمنى سرعة تجاوز الأزمة واستقرار الوضع إلا أننا نتمنى على القيادات
الفلسطينية أن تأخذ بعين الاعتبار أن كل الاحتمالات واردة وبالتالي
عليها استباق الأمر بسياسات وقائية. وكما بينا من أن القيادة المصرية
ما بعد مبارك لكن تغير كثيرا في السياسة الخارجية والالتزامات الدولية،
إلا أنه يجب عدم إسقاط احتمالات أخرى وإن كانت حظوظها بالحدوث قليلة،
ففي السياسة وخصوصا في الشرق الأوسط كل الاحتمالات واردة.
من هذه الاحتمالات حدوث تغيرات كبيرة في المؤسسة الحاكمة في مصر أو
حالة فوضى وعدم استقرار، آنذاك على القيادات الفلسطينية التفكير
بالقضايا التالية:
1- مصير عملية السلام في الشرق الأوسط إذا تم إلغاء اتفاقية كامب
ديفيد أو تجميدها.
2- مستقبل السلطة الفلسطينية باعتبار النظام المصري أهم مؤيديها
وداعميها.
3- مستقبل المصالحة الفلسطينية لأن مصر تمسك ملف المصالحة
4- علاقة مصر مع قطاع غزة. من حيث الإشراف على المعابر وضمان دخول
الوقود والمواد التموينية، واحتمال عودة تشغيل الأنفاق يشكل مكثف في
الاتجاهين وردود فعل إسرائيل على ذلك، وهنا نذكر انه قبل أيام قرر
نتنياهو قطع علاقة إسرائيل مع قطاع غزة فيما يتعلق بالبنية التحتية –
ماء وكهرباء-.
5- مستقبل اتفاقية السلام الأردنية – الإسرائيلية إذا ما قررت أية
حكومة مصرية قادمة إلغاء اتفاقية كامب ديفيد أو تجميد العمل بها.
6- مستقبل معسكر الاعتدال العربي، فتغيير النظام السياسي في مصر
سيؤثر على العربية السعودية ودول أخرى.
7- تفجر العنف السياسي في مصر، فالشباب الذين سيشعرون أن طموحاتهم
وآمالهم أجهضت، وكذا الأحزاب والقوى السياسية، ستفقد الثقة بالتغيير
سلميا وستلجأ إلى العنف المسلح، مع إمكانية التواصل والدعم المتبادل ما
بين جماعات مصرية والجماعات في قطاع غزة.
Ibrahem_ibrach@hotmail. com |