![](Images/043.jpg)
الكتاب: الحرب من خلال اقوال جنرالاتها
الكاتب: غسان شربل
الناشر: دار رياض الريس للكتب والنشر في
بيروت
عدد الصفحات: 439 صفحة متوسطة القطع
عرض: جورج جحا
شبكة النبأ: يكتب غسان شربل في كتابه
الاخير عن الحروب اللبنانية من خلال مقابلات مع قادتها بأسلوبه المتميز
بموضوعية بارزة وبصياغة خاصة متفردة.
انها صياغة تجمع بين الدقة في الكلام والتعبير و"قطف" المعاني
باختصار وبين التوتر الفني الذي يجعل قوله اشبه بكتابة شعرية تنجح عبر
الومضة والصورة المجازية احيانا في نقل وقائع قد تعجز التقريرية
الباردة الجافة عن ادخالها الى الذهن بجلاء.. واذا ادخلتها فهي تأتي
خالية من تلك المتعة الفنية الجديرة بأن تطلب لذاتها وان كانت في
الغالب تأتي وسط احزان الوطن الصغير الدائم الصخب. بحسب رويترز.
انه اسلوب يصح الى حد بعيد وصفه بأنه يشبه ما سمي قديما بالسهل
الممتنع ولعل من الاسباب العديدة "للامتناع" هنا هو ذلك الاستخدام
الناجح للتوتر والتعبير الشعريين لخدمة الكتابة العقلانية الدائمة
السعي الى الموضوعية بنجاح كبير.
ومع ذلك فغسان شربل ينفي عن نفسه "الطباع" الشعرية. ولعل ما يدل على
اهمية الكتاب للقارىء وما قدمه له من معلومات وحقائق وتحليلات ومتعة
فنية ان طبعته الاولى نفدت في مدة تكاد تكون قياسية اي في 15 يوما
فاتبعت بالثانية.
كتاب غسان شربل الصحافي والكاتب اللبناني الذي يتولى رئاسة تحرير
صحيفة الحياة حمل عنوان "اين كنت في الحرب.. .. اعترافات جنرالات
الصراعات اللبنانية" وجاء في 439 صفحة متوسطة القطع وصدر عن دار رياض
الريس للكتب والنشر في بيروت. اما جنرالات الحرب هؤلاء الذين اجرى شربل
مقابلات معهم فهم كما وردت اسماؤهم في الكتاب.. ايلي حبيقة وسمير جعجع
ووليد جنبلاط وميشيل عون.
لقد استخدم شربل تعبير "اعترافات" بينما استخدمنا في مطلع الكلام
تعبير "مقابلات" لانه على الرغم من كل الاجواء الوجدانية التي وردت في
الكتاب فلا يبدو تماما ان السياسيين عامة هم في وارد تقديم "اعترافات"
خالصة وانما تبقى لكل منهم "حقائقه" الخاصة وان تقاربت بعض احداث
مروياتهم احيانا. وغسان شربل افهمنا هذا الامر بوضوح.
كتب غسان شربل مقدمة رائعة لكتابه يصح وصفها بأنها حملت خلاصة لامور
عديدة اوردها في الكتاب. الا انها كتبت بطريقة مؤثرة ممتعة فحملت وقائع
من خلال نص ادبي جميل.
في المقدمة ينطلق الكاتب من حدث كبير هز لبنان هو اغتيال رئيس حكومة
لبنان الاسبق رفيق الحريري فيقول "لبعض الايام دوي لا ينسى. ربما
لقدرتها على اغتيال رجل ودولة وشطب زعيم ومعادلات كان يمثلها او يرسي
دعائمها. وربما لقدرتها على تغيير مصائر افراد وجماعات ودفع البلد -
المسرح في اتجاه اخر.
"14 شباط فبراير كان من قماشة تلك الايام. اغتيل رفيق الحريري
واغتيلت معه اشياء كثيرة. لم يحن الوقت بعد لاعداد جردة نهائية
بالخسائر. عملية الاغتيال اعادت اطلاق الحرب في لبنان وعليه.. اقتلعت
ركائز الاستقرار."
وينتقل الى القول "الحقيقة انني اشعر بأنني صرت بلا وطن. يزورني هذا
الاحساس الغريب المؤلم كلما حاولت النوم بغض النظر عن اسم المدينة او
الفندق.. في فيينا او اربيل.. في صنعاء او الرياض.. في نيويورك او
القاهرة. لست رجلا عاطفيا ولا شاعري الطباع ولست مصابا بعقدة شخصية من
وطني."
يضيف الكاتب "لم يعلمني وطني الا الخوف. الخوف منه والخوف عليه.
اخاف كلما جنحت طائفة كبرى الى خيار لا تستطيع المعادلة الهشة احتماله
ومن القدرة على تكرار الرهانات الباهظة وعدم الاتعاظ من حمامات الدم
وقدرة اللبنانيين على المغامرة بوطنهم كأنهم يمتلكون وطنا اخر. اخاف من
موهبة استجلاب التدخلات ومحاولة الاستقواء بها ثم التحول بيادق في
العابها.
"اخاف كلما زغرد الرصاص في تشييع شهيد.. كلما لمعت في العيون شهوة
الثأر.. كلما توقدت الاعصاب الطائفية والمذهبية وانتفخت.. كلما ولد قوي
وادعى انه منقذ وحاول فرض لونه وشطب الوان الاخرين. اخاف من دم يراق
ولا يخلص.. من دم يعمق الاقامة في النفق...
"احفر في منجم الحرب وأعود خائفا. التهمت اعمارنا وبددت الابناء.
ينكسر قلبي حين يبادرني مقيم بالقول انني احسنت بالابتعاد وان الذين
فروا انقذوا ابناءهم من بلد الاشتباكات التي لا تنتهي... وتتعمق الغربة
بين المكونات. اخاف من بلد يحتاج للعيش العادي الى معتدلين في الداخل
والخارج ولا يعثر عليهم.. من بلد متهور في منطقة مجنونة."
اما "الجنرالات" الاربعة الذين سجل اعترافاتهم فهم الراحل ايلي
حبيقة الذي كان قائد ميليشيات القوات اللبنانية المسيحية والذي سجل
تحولا من عداء لسوريا الى توقيع سلام واتفاق معها سنة 1986 ومع رئيس
مجلس النواب حاليا نبيه بري زعيم حركة امل الشيعية ووليد جنبلاط الزعيم
الدرزي وقائد ميليشيات الحزب التقدمي الاشتراكي. وقد قتل حبيقة في
انفجار سنة 2002 .
"الجنرال" الثاني هو الدكتور سمير جعجع رئيس الهيئة التنفيذية
للقوات اللبنانية الذي اختلف مع حبيقة في تلك الحقبة وأطاحه وخاض حروبا
مع الميليشيات الاسلامية واليسارية ومع القوات السورية ثم ادخل السجن
سنة 1994 بتهم منها المسؤولية عن مقتل الزعيم المسيحي الماروني الاخر
داني شمعون وافراد عائلته.
والجنرال الثالث هو وليد جنبلاط الذي كان رئيسا للحزب التقدمي
الاشتراكي ورئيسا للحركة الوطنية اللبنانية التي ضمت الاحزاب اليسارية
والقومية التي كانت متحالفة مع المقاومة الفلسطينية ثم مع سوريا والتي
خاضت حروبا مع الميليشيات المسيحية ومنها ما عرف باسم "حرب الجبل" التي
ادت الى نزوح المسيحيين عن منطقة الجبل اي منطقتي الشوف وعاليه.
الجنرال الاخر هو جنرال رسميا. انه العماد ميشيل عون الذي كان قائدا
للجيش وقاتل الميليشيات اليسارية والقوات السورية في منطقة الجبل وكلف
سنة 1988 برئاسة الحكومة بعد تعذر انتخاب رئيس للجمهورية وذلك قبل
ساعات من انتهاء ولاية الرئيس امين الجميل. وقد اعلن عون "حرب تحرير"
على القوات السورية في لبنان كما خاض مع ميليشيات "القوات اللبنانية"
بقيادة جعجع ما عرف باسم "حرب الالغاء". ونتيجة خسارة عون في حرب
التحرير وبعد اتفاق الطائف الذي حقق سلاما في لبنان قررت حكومة الرئيس
الياس الهراوي نفيه مع عدد من ضباطه الى فرنسا.
يقول شربل "لقد وجهت الى من التقيتهم سؤالا بسيطا موجزه.. اين كنت
في الحرب.. وتحاشيت الاستنتاجات واصدار الاحكام. ولعل هذا الموقف هو ما
مكنني من لقاء "جنرالات" الطوائف والمناطق والميليشيات بلا استثناء."
وكان قد اجرى الحوارات في التسعينات من القرن
المنصرم.
تحدث عن اثر اغتيال الحريري في الاحداث اللبنانية اذ ادى ذلك كما
يقول الى خروج جعجع من السجن وعودة عون من منفاه في فرنسا وتحسن
علاقاته مع سوريا والى تغيير جنبلاط موقعه من صديق لسوريا الى خصم لها
قبل ان يعود في الفترة الاخيرة الى علاقة جيدة معها.
عبر وخلاصات ومعلومات وأسرار كثيرة. ومن العبر مثلا ما قاله حبيقة
للكاتب واستهل به كلامه عنه. قال حبيقة "تريدني ان اتذكر الحرب وأنا
اريد ان انساها. انا لا اشتري لابني لعبا على صورة بنادق او مسدسات
لئلا يحب الحرب او يسأل عن تجربتنا. طموحي الا يضطر جيل اخر الى عيش
التجربة المريرة التي عشناها."
وفي كلام جعجع الذي سمعه منه شربل في السجن كثير من التفاصيل
والمعلومات والاتهامات والتأمل الفكري والاهتمام بالتاريخ. يقول "المرء
لا يستطيع ان يختار كل شيء. فنحن جيل جاءته الحرب في اول شبابه... لقد
هالني فعلا حجم المسافة بين الواقع والفكرة التي تتشكل في اذهان الناس
عنه.. بين الحدث وصورته في ذهن الكثيرين. هذا الامر جعلني اخاف من اي
شيء اقرأه في كتب التاريخ. لا.. بل يدفعني الى وضع علامة استفهام على
ما نقرأه. فمن يدري ربما كان ذلك لا يعبر عما جرى. فالخطأ وارد وكذلك
التزوير."
اما عن جنبلاط فيتحدث الكاتب عن عامل الفجيعة الذي فرض عليه الزعامة
بعد اغتيال والده الزعيم الراحل كمال جنبلاط . يقول عنه "دخل وليد
جنبلاط السياسة من جرح كبير. فحين خلعت عليه عباءة الزعامة كانت الحرب
قد اغتالت والده كمال جنبلاط. حمل وليد هموم طائفة وحزب وورث عداوات
وتحالفات." وقال عنه انه "لا يستطيع ان يكون سياسيا عاديا كأنما ثقل
التاريح يدفعه الى لعب دور الرقم الصعب ويلزمه الاعباء والثمن. جاء
وليد جنبلاط من نافذة الجرح وأطل على المأساة الواسعة وتحول شريكا
كبيرا فيها..."
في كلام جنبلاط كثير من الكشف والمعلومات والاطلاع الواسع والسخرية
المرة التي اشتهر بها.
في المقابلات التي اجريت مع عون كانت حصة "العماد عون" من الكلام عن
نفسه وعن الاحداث في الفصل المخصص له هي الاقل بين سائر هؤلاءالقادة.
الباقي كتبه شربل عنه فجاء بين معلومات وخلاصات مقابلات اما الكلام
المباشر لعون فقليل نسبيا.
قدم شربل للفصل المخصص لعون بالقول "هكذا ينتهي الجنرالات.. بالقصف
والرصاص وبقع الدم وبتصفيق الخصوم وبكاء الانصار.. في سفارة على طريق
المنفى او امام قوس محكمة اصدرت حكمها سلفا.
"انها قصة الجنرالات. يصعدون بالانضباط الصارم واخفاء اللعاب
والاحلام.. بطاعة القادة واحترام الدستور وبغض السياسة. وحين يجلسون في
مكتب الجنرال يكتشفون مرارة الدساتير وقساوة الجلوس في الصف الثاني
وتأدية التحية لمدنيين لم يلامسهم الموت في معركة ولا عادوا من هدير
الدبابات بوسام. عتمة الثكن تسهل ارتكاب الاحلام القاتلة وتكاثر النجوم
يغري بموقع النجم..."
في الختام هناك امر اكيد هو أن قراءة كتاب غسان شربل -وان عن الالام
والاحزان- تقدم حتى في المرات النادرة التي تخالفه فيها الرأي متعة
جذابة تجعل من الصعب التوقف. |