نعمة الحرية وكيفية اغتنامها

قبسات من أفكار المرجع الشيرازي

شبكة النبأ: من بداهة القول، أن نتفق على أن الحرية هي الهدف الاول، الذي يسعى الانسان لتحقيقه، فردا كان أو جماعات، من أجل ضمان الاستقلالية التامة في الفكر والسلوك، حيث الحرية، هي الحيز الأوسع والأنسب، لتحريك الطاقات المبدعة الكامنة في أعماق الذات، ومن ثم توظيفها على النحو الافضل، لخدمة الانسان والجماعة، في الوقت عينه.

وطالما أن الانسان أتى هذا العالم وهو يحمل هوية التحرر في يده وقلبه، فإن أية محاولات، تحاول أن تسلب منه هذه الهوية، ستكون بمثابة التجاوز على حقوقه، وتعد محاولة آثمة لترويضه وتدجينه، إلا فيما يتعلق بامتثال الانسان لتعاليم الدين الواضحة، والاعراف التي يتفق عليها المحيط البشري، الذي يتحرك فيه الانسان.

ولهذا يبقى الانسان متعطشا لحريته، كونه مجبولا عليها منذ الولادة، ولهذا ايضا، يقارع بقوة كل الاساليب والسلطات التي تحاول أن تصادر هذه الحرية او تحد منها بطريقة او أخرى، حتى لو كان العنف هو الاداة التي تحاول أن تسلب من الانسان هويته وحريته، فالانسان في الغالب وفقا لسجاياه التي جُبل عليها، لا يخشى العنف ولا يمتثل لقسوته، مع أنه مظهر من مظاهر الاعتداء الصارخة على كرامة الانسان، إذ يقول سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في الكتاب القيّم الذي يحمل عنوان (من عبق المرجعية):

(العنف هو استخدام القوة المعتدية).

وهكذا توضّح لنا هذه الجملة المركّزة طبيعة العنف، والاسباب التي تقف وراءه، حيث السعي الدؤوب للسلطات المستبدة لمصادرة حرية الناس، الامر الذي يؤدي الى التصادم بين إرادتين، إرادة الحرية وإرادة الطغيان، ومع ذلك يوجّه الاسلام بضرورة تجنب العنف، واللجوء الى الاساليب التي تمنع اراقة الدماء وتسعى في الوقت ذاته الى حفظ الحريات، إذ يؤكد سماحة المرجع الشيرازي في هذا الصدد على أن:   

(اسلوب الحوار اولا والمظاهرات السلمية ثانيا، هي الاجدى والاحمد عاقبة، في السعي الى الاصلاح والتغيير، وفي التاريخ البعيد، كما في التاريخ القريب، نماذج كثيرة تؤيد ذلك).

ولكن تبقى حرية الانسان هي الأكثر تقديسا في نظر الاسلام، فلا شيء يماثل الحرية الانسانية في دفع الانسان نحو التطور والابداع، ولهذا تؤكد التعاليم الاسلامية على أهمية الحفاظ على حرية الانسان من المساس او التجاوز، كونها تعمل بالضد من الطبيعة والفطرة التي خُلق وفها الانسان، حيث النزوع الفطري نحو الحرية، ولهذا السبب، يؤكد سماحة المرجع الشيرازي في الكتاب نفسه على أن:

(حرية الرأي في نظام الاسلام، اكثر تقديسا حتى من الشهادتين، فالاسلام يريد ان يجعل الناس احرارا).

ولهذا السبب أيضا، واستنادا الى فهم الطبيعة الانسانية النازعة الى التحرر والابداع على نحو دائم، أكد الاسلام على الاهمية القصوى لتجنب مصادرة آراء الناس، أو إجبارهم بالقسر والقوة على اتخاذ موقف ما أو انتهاج منهج ما، فقط هناك الاقناع وسيلة للاسلام لهداية الناس، أما الضغط عليهم والتضييق على حرياتهم، وقسرهم على شيء ما او هدف لايقنعون به، فهو سلوك مرفوض تماما، لهذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي في الكتاب نفسه على أن: (الحريات الموجودة في الاسلام لا نظير لها في التاريخ).

ويؤكد سماحته أيضا قائلا في هذا الصدد: إن (الحرية التي يمنحها الاسلام في مختلف المجالات، ليس لها نظير، ولا شيء يقرب منها في تاريخ العالم، حتى في هذا اليوم المسمى بعصر الحريات).

وطالما أن السلطات السياسية، لاسيما في الدول العربية والاسلامية التي تتخذ من الدين الاسلامي دينا رسميا لها، وتدّعي الانتساب إليه شكلا لا تطبيقا، طالما أنها تغفل أهمية حرية الانسان والشعب عموما، فإنها لايمكن أن تصمد أمام تعطش شعوبها، واندفاعها المتجدد نحو الحرية، وخير الامثلة أمامنا وأكثرها حضورا وقربا منا، ما حدث في تونس مؤخرا، حيث الانتفاضة الشعبية التي أجبرت الحاكم على الفرار، واطاحت بنظامه التسلطي القمعي، وهو ما يتجدد في مصر مع نظامها الذي أغفل حريات الناس، وتجاوز على حقوقهم، من خلال استشراء الفساد المالي والسياسي والمجتمعي ايضا، الامر الذي دفع بالجماهير الى الانتفاض والمطالبة بحرياتها.

وهكذا تبقى الحرية مطلبا أزليا للانسان، ينبغي عليه أن يغتنمها في تطوير حياته وتحسينها، وما على الحكومات سوى أن تفهم، بأن بقاءها مقترن بالمحافظة على حريات الشعوب، وزوالها مرتبط بالتجاوز على حرياتهم، فالحرية كما يقول سماحة المرجع الشيرازي: (نعمة إلهية عظمى ينبغي اغتنامها على احسن وجه).

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 3/شباط/2011 - 29/صفر/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م