مشاريع الإصلاح بحاجة إلى إصلاحات

مرتضى بدر

نستوحي من الطبيعة إن أية بركة ماء إذا ظلت راكدة، فإنها تصبح متعفنة. هذه المعادلة مثلما تسري على الطبيعة، تسري كذلك على أي نتاج فكري، و"الديمقراطية" تعتبر أحد أعظم نتاج العقل البشري. والمعادلة تقول: إن أي مشروع سياسي أو اقتصادي أو تنموي إذا افتقد روح التغيير والتجديد، قد يفتقد بمرور الزمن بريقه، ويُفْرَغ تدريجيًا من محتواه، فيصبح خاويًا، لا يبقى منه إلا اسمه، ولا يتغنّى به إلا المطبّلون وأصحاب المصالح.

هناك الكثير من الأسئلة تبرز إلى السطح كلما تعرضت المجتمعات العربية إلى هزّات أو توتّرات، سواءً كانت سياسية أم اجتماعية أم اقتصادية، ومن هذه الأسئلة: لماذا يجب أن تسير الشعوب العربية على هامش الحضارة الإنسانية المعاصرة؟ وهل الإصلاح الحقيقي عصي على هذه الشعوب؟ وما هي التحديات التي تواجه الدول العربية في عملية التنمية الشاملة؟

لقد شهد العالم العربي في شهر يناير من هذا العام أحداثًا وتحولاتٍ دراماتيكية قد تعتبر الأهم في التاريخ المعاصر. بعض هذه الحوادث كانت محزنة، كالهجوم الإرهابي على كنيسة القديسين في الإسكندرية، والذي أدى إلى قتل العشرات من المسيحيين، والاستفتاء في السودان على مصير جنوبه، والعملية الإرهابية في كربلاء، والتي راح ضحيتها العشرات من زوّار مرقد الإمام الحسين عليه السلام.

 ومن الأخبار المؤلمة التي صدمت العرب والمسلمين تلك الوثائق السرية التي كشفتها قناة (الجزيرة) عن المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية، وما قدّمه المفاوض الفلسطيني من تنازلات كبيرة على تقسيم القدس، إضافة إلى التنسيق الأمني بين الطرفين. وأما الحادثة المفرحة التي أثلجت صدور الشعوب العربية، فهي الثورة الشعبية التي أطاحت بالنظام الاستبدادي في تونس، والتي تركت تأثيرًا على الكثير من الدول العربية، ممّا أدى إلى تراجع معظم الحكومات العربية عن خططها في رفع الدعم عن السلع الغذائية والمحروقات.

 ومن الأحداث السياسية الأخرى التي حدثت في شهر يناير سقوط حكومة الوحدة الوطنية برئاسة سعد الحريري، وتمكين المعارضة من تشكيل حكومة برئاسة نجيب ميقاتي. كل هذه الحوادث والتحولات والاحتجاجات كانت سببًا في تسليط الأضواء مجددًا على ملفات كثيرة ظلّت عالقة كعمليات الإصلاح، ووضع حقوق الإنسان، والفساد، وتردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، ودور الأجهزة الأمنية في قمع الشعوب.

النظام التونسي كان يتباهي بالإصلاح، وحرية الرأي، واحترام حقوق المرأة، وتحقيق المساواة، بينما سجونه كانت تُزَّج بالمعتقلين السياسيين. الاحتجاجات الأخيرة في المغرب العربي ومصر والأردن واليمن لم تكن فقط من أجل لقمة العيش والبطالة كما يسعى الإعلام الرسمي العربي إلى تضخيمه، إنما كانت من أجل الكرامة، وقد أظهرت أن الشعوب توّاقة للحرية والديمقراطية أكثر من ميله إلى رغيف الخبز.

إن وضع اليد على الجرح، والعمل على إجراء إصلاحات جادة خير من التهرب أو الالتفاف على قضايا الشعوب عبر أساليب دعائية رخيصة، والاستمرار بالإصلاحات الشكلية التي لا تلبي أدني طموحات الشعوب. إننا، لا ننكر أن المشاريع الإصلاحية في بعض الدول العربية قد حققت بعض النجاحات، ولكن ما لبثت أن تباطأت أو تراجعت. النظام البائد في تونس كان يبرر للغرب سبب تباطئه في عملية الإصلاح خوفه من صعود الإسلاميين المتطرّفين، وأنه بموقفه هذا يشكّل سدًا منيعًا في وجه هذه التيارات.

 النفاق الغربي كان يشيد بـ"إصلاحات" بن علي لا حبًا فيه، بل كرهًا للإسلام والإسلاميين. وقد يحلو لبعض المحلّلين اليوم وصف الإصلاحات في الدول العربية "بالإصلاحات المخملية"، والبعض الآخر يصفها "بديمقراطيات التنفيس"، حيث تمنح السلطات الحاكمة هامشًا من الحرية، وتراعي جانبًا من جوانب حقوق الإنسان، إلا أن كل هذه الإجراءات رغم إيجابياتها لا تلبي طموحات الشعوب؛ لأنها لا تؤدي إلى بناء دولة المؤسسات، والقضاء على الفساد، كما لا تساهم في تحقيق التنمية الصحيحة؛ والسبب في ذلك كله يرجع إلى غياب أو بالأحرى تغييب دور الشعوب في صناعة القرار.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 2/شباط/2011 - 28/صفر/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م