من يقف وراء الشغب في الانتفاضات؟

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: الانتفاضة هي حالة صراع بين الجماهير الضاغطة من اجل التغيير، وبين النظام السياسي الذي يرفض ذلك ويقاومه بشدة، وقد تأتي الانتفاضات بدرجات متباينة من القوة، وفقا لتراكم الاخطاء التي ترتكبها الحكومات بحق شعوبها، ويمكن أن تلعب ردود الافعال، دورا في طبيعة الانتفاضة الشعبية، فتتخذ مسارات سلمية أو عنيفة، وهكذا سترافق احتجاجات الجماهير الغاضبة، صور من العنف قد تصل أحيانا الى التخريب، والتجاوز على الممتلكات الرسمية أو الاهلية.

وطالما أن الانتفاضة تتولد نتيجة لمظاهر وحالات الظلم، والكبت، وسلب الحقوق التي تتعرض لها الشعوب، من الأنظمة السياسية المستبدة، وغالبا ما يستمر الظلم والانتهاك لسنوات او عقود متواصلة، فإن رد الفعل الجماهيري، لابد أن يكون مصحوبا ببعض مظاهر العنف، كما أن العناصر والجماعات التي تلجأ الى العنف والنهب (مع قلتها)، إلا أنها نتاج طبيعي لأخطاء الحكومة التي يُراد إسقاطها.

ومع أننا لا نريد أن نبرر العنف والنهب والسلب، في جميع الاحوال، لأن الانتفاضة الشعبية ينبغي أن تكون نقية، وذات اهداف سياسية واضحة، تنحو بالدرجة الاولى، الى تغيير النظام السياسي، لكن الجهل وغمط حقوق الناس، في التعليم والتوعية وفرص العمل، ورفع القدرة الشرائية وما شابه، هي من المظالم التي تقف وراءها الحكومات الظالمة، ومجاميع النهب والسلب ومظاهر العنف، غالبا ما تكون قليلة التعليم والوعي معا، وهو الهدف المتعمَّد للأنظمة السياسية التي توغل في الذاتية، والمصلحية، على حساب مصالح الشعب ووعيه وتعليمه، وهناك مظاهر عنف، تتسبب بها الاجهزة الحكومية التي تتلقى أوامر القمع، وتذهب الى استخدام العنف ضد الجماهير الغاضبة، وقد يصل الامر الى اطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين، كما لاحظنا ذلك في بعض الانتفاضات الشعبية، وبهذا فإن المنتفضين يجدون أنفسهم في حالة صراع دامٍ، مع الاجهزة الامنية الحكومية، فيتخذ هذا الصراع طابعا عنيفا، يكون السبب والدافع الاول فيه، هو الاساليب العنيفة، التي تُستخدم ضد الجماهير المنتفضة، من قبل الاجهزة القمعية للحكومة المستبدة.

وثمة أساليب أخرى لا تخفى على المراقب، حيث تلجأ الأنظمة السياسية المتجبرة الى خلط الاوراق في الغالب، فتدفع بعناصرها الى نشر التخريب، ومهاجمة المؤسسات الحكومية ذات الطابع المدني، كالمستشفيات والمدارس والجامعات، والمكتبات والدوائر الرسمية، فتحرقها وتعيث بها تخريبا، ثم تظهر الامر على انه من افعال الجماهير الثائرة ضدها، لتعطي انطباعا سيئا عن الثائرين عليها، والضاغطين لازالتها، وغالبا ما ترفق عمليات التخريب المتعمّدة، بوسائل توثيق وتصوير تظهر الجماهير الغاضبة، وكأنها الطرف الذي يقوم بالتخريب والنهب، ويهاجم المؤسسات العامة التابعة للدولة، في حين أن هناك زمرا من الاجهزة القمعية، هي التي تقوم بتنفيذ هذا الواجب، لاعطاء الانتفاضة طابعا تخريبيا.

وقد حدث مثل هذا الاسلوب على نحو واضح، في انتفاضات كثيرة منها الانتفاضة الشعبانية في العراق، حيث وجّه النظام الدكتاتوري عناصر ومجموعات من اجهزته القمعية، بتخريب وحرق المؤسسات الرسمية، لكي تُلقى المسؤولية على عاتق المتظاهرين، ولكن يُعطى للشعب آنذاك، انطباعا على أن الجماهير المنتفضة على النظام، هي مجموعة من المخربين لا أكثر، وحدث هذا الامر في ثورة الياسمين بتونس مؤخرا، حين حاولت الجهات الرسمية أن تخلط الاوراق، من خلال إظهار الجماهير المنتفضة، وكأنها مجاميع خارجة عن القانون، تهدف الى تخريب ممتلكات الشعب العامة، وهي أمور واضحة للمراقب، ولا تحتاج الى ذكاء كبير لاكتشافها، مع وجود بعض حالات التخريب، التي يقف وراءها بعض الجهلاء والمتمردين وصغار العمر والوعي، إلا أن هذه الحالة لا تشكل ظاهرة ولا تمثل الصورة الحقيقية للانتفاضات الغاضبة التي تحاول تغيير الانظمة الحاكمة بالحديد والنار.

وفي مصر مؤخرا، حاول النظام المتهاوي أن يظهر المحتجين، على أنهم مجاميع لاتريد الخير لشعب مصر، وعرضت شاشة التلفزيون المصري صورا ولقطات، تظهر بعض الحالات التي يتم فيها التجاوز على بعض المؤسسات التابعة للممتلكات العامة، ومع صحة وجود بعض الافراد والمجاميع التي أخطأت نتيجة للتجهيل الحكومي المتعمد وفقدانها لفرص التعليم وما شابه، إلا أن الحقيقة الناصعة سرعان ما ظهرت، حيث الاهداف الواضحة للمحتجين والمتظاهرين والمنتفضين، وهم يطالبون برحيل مبارك ونظامه.

وقد وعى المتظاهرون والشباب الانقياء هذه المحاولات المغرضة لخلط الاوراق بهذه الصورة المكشوفة، فسارعوا الى تشكيل اللجان الشعبية التي اسهمت بطريقة منتظمة، في حماية المؤسسات والممتلكات العامة، وتنظيم السير، وما شابه من اعمال منظمة، تهدف الى حماية الاهداف الحقيقية لثورة النيل، التي ما تلبث أن تضغط على النظام السياسي المتهرئ، وتطالبه بالتغيير السياسي الجذري، الذي صار الآن قاب قوسين أو أدنى.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 1/شباط/2011 - 27/صفر/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م