سقوط الطاغوت العربي بدأ من العراق

 ولن ينتهي في تونس

داود نادر نوشي

عقودا طويلة عاشتها شعوبنا العربية وهي تتغنى بقصيدة أبو القاسم الشابي، إذا الشعب يوما أراد الحياة، حتى أطفالنا حفظوها عن ظهر قلب، عسى أن ينجلي ليل الأمة ويستجيب لها القدر بعد معاناة كبيرة من سنوات الطغيان والاضطهاد والاستبداد من قبل الحكام الذين كتبوا بدم الشعوب لافتات عريضة للبقاء والتحكم بمصيرهم إلى الأبد، يساعدهم في ذلك حفنة من المرتزقة وأشباه الرجال الذين يسيل لعابهم على دراهم معدودة، والأقلام المأجورة والرداحين والمداحين ممن يحسبون أنفسهم على أصحاب الشعارات الذين يتوهمون أنهم قوميون عرب، وهم لا يتعدون عن كونهم أبواق ومزمرين للحاكم العربي ومصفقين له ومبررين لكل الجرائم التي يرتكبها.

 والطواغيت في عالمنا العربي والذين يحكمون شعوبهم بالحديد والنار، يتشابهون في كل شيء، في الشعارات والسرقات وتوريث الحكم، وفي مدة بقائهم في السلطة، يتشابهون في القسوة والظلم والاضطهاد للشعوب، ومصادرة الحريات، والتجويع والحرمان، يتشابهون في تفصيل القوانين والدساتير حسب مقاسهم، ولكنهم يتنافسون أيضا ولكن تنافسهم ليس في بناء الوطن وتطوير بناه التحتية وإنما في بناء القصور وشراء وتملك الشركات والاستحواذ على التجارة، ولو سعفهم الوقت والعمر لبنوا قصورا في القمر وربما في المريخ.

 فمن ذا الذي يقول للحاكم لا فهو القائد الأبدي والمناضل الأزلي والزعيم مدى الحياة، ومن تحت يديه تتساقط المكارم فالرز والقمح والسكر والزيت هي مكرمة من الزعيم، والأنهار والجداول وحتى الهواء الذي يمر ببلادنا هو هبة من الزعيم، فالوطن ملك صرف للزعيم لا يشاركه به احد فالزعيم عندنا كل شيء به تحيا الشعوب ومن اجله تموت، وإذا قال قلنا وان صمت صمتنا هكذا يريدنا الزعيم، فلا صوت يعلو على صوته.

وهذا الواقع الموجود منذ عقود تعيشه الشعوب العربية يحدوها الأمل بتغييره بعد أن كاد اليأس والخنوع يقطع أوصال الأمة وعسى أن تنهض يوما لتكتسح هذا الواقع المر والهزيل واقع الجهل والتخلف والانكسار الذي امتدت وسيمتد مادامت الدكتاتورية هي الحاكمة ومادام الحزب الواحد والعائلة هي التي تتحكم بمصيرنا.

ولكن بين أنقاض تلك الويلات والانكسارات دائما ما تنطلق شرارة الثورة وكان العراق بقيادة البعث الفاشي ودكتاتورية المقبور صدام عاش سنوات لا مثيل لها من ظلم وجور وتسلط، وحروب غير مبررة أخذت معها ملايين البشر وأضحى العراقيين لا يجدون حتى رغيف الخبز وهو يعيش على أنقاض بحر من النفط والثروات، وهكذا كانت الانتفاضة المباركة عام 1991 التي هزت عرش الطاغية وكانت حقا ثورة تاريخية تستحق الثناء والتقدير من اجل استرجاع العراقيين حريتهم المسلوبة وكرامتهم التي أراد لها البعث آنذاك أن تسحق، وعلى الرغم من فشل الانتفاضة في تحقيق أهدافها الآنية إلا أنها كانت السراج الذي أضاء درب الحرية عام 2003 ليتحول العراق بعد ذلك إلى دولة المؤسسات وفصل السلطات وتأسست الحياة السياسية على ضوء الحرية والديمقراطية وتعدد الآراء والصحافة الحرة والكل له الحق في ممارسة الترشيح والانتخاب بعدما كانت للبعث وللبعث فقط وهذا كان على انقاض سقوط الصنم ويومها العالم بأسره شاهد سقوط اكبر دكتاتور في المنطقة وهروب أزلامه من البعثيين الذين كانوا بالفعل قمة في الجبن والخنوع والذل، وسلموا بغداد إلى محتليها خلال ساعتين فقط.

وهذا ديدن كل الطواغيت والأنظمة الشمولية لأنها تحكم من اجل منافع شخصية ولا علاقة لها بالوطن والوطنية فلا يمكن الجمع بين الاستبداد والوطنية، وهذا هو حال تونس الخضراء الذي حكمها زين العابدين لأكثر من عقدين من الزمن حول خلالها تونس إلى محمية لعائلته وأولاده بينما يعيش التونسيين في فقر وحرمان ومنعهم من كل ما من شانه أن يعطي لهم الحق في العيش الرغيد والحياة الكريمة، وعلى الشعب التونسي أن يحمي ثورة الياسمين من الأعداء، وهم طبعا الحكام العرب الذين يريدون الفشل دائما لمثل هذه الثورات ولكي يقولوا لشعوبهم أن ذهاب الزعيم يعني الفوضى والانفلات وانعدام الأمن وهو مايحاول طواغيت العرب أن ينفذوه.

 ولذا عليكم يا أبطال تونس أن تمنعوا كل ما من شأنه أن يعرقل مسيرة الثورة، ولاسيما ضبط حدودكم فقد يقوم الحكام بتصدير الإرهاب والقتل، مثلما فعلوا مع العراق، والذي أرادوا له أن لاينهض من جديد لولا همة العراقيين وتفانيهم من اجل الحفاظ على المكتسبات الكبيرة التي تحققت بعد 2003.

 ولا اعتقد أن مسيرة الثورات في عالمنا العربي ستتوقف ولابد لها من وقفة مع الأنظمة التعسفية والشمولية التي تتحكم بنا والتي مزقت أوصال الأمة وجعلتها في مصاف الأمم المتخلفة والمتأخرة. ولابد من وقفة تقدير وثناء لشعب تونس الحبيب الذين سطروا واحدة من أعظم الثورات في عالمنا المعاصر والتي لم تهز عرش زين الهاربين بن علي فقط وإنما زلزلت كل عروش الطغاة من الحكام العرب الذين ينتظرون مصيرهم المحتوم، وقد يكون طاغية تونس ذو حظ كبير لأنه استطاع الهروب في الظلام وهذا قد لا يسعف الآخرين من الطواغيت العرب، وعندها سوف تكون حفرة الفئران التي احتمى بها صدام ملاذا آمنا لهم ولو بعد حين.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 31/كانون الثاني/2011 - 26/صفر/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م