الثورة التونسية: الخصائص ومؤشرات النجاح

ياسر الحراق الحسني

من المألوف فيما يعرف بالعالم العربي  سقوط انظمة وظهور اخرى من خلال أنواع مختلفة من الإنقلابات العسكرية، سواء كانت عنيفة  كما في  سوريا الإنقلابات الأربعة مثلاً  سنة 1949 م، أو هادئة كما هو الحال بالنسبة للرئيس التونسي  المخلوع زين العابدين بن علي الذي أجبر الحبيب بورقيبة على التنحي عن السلطة معلناً أن الأخير عاجز عن تولي الرئاسة.

 فيما عدا هذا النوع من الإنقلابات لا تجد إلا حالتين للثورات الشعبية. وهنا أخص بالذكر  مظاهرات واحتجاجات الجماهير في السودان سنة 1985 التي ساهمت في إقصاء الرئيس السابق جعفر النميري لصالح حكومة الصادق المهدي من حزب الأمة ثم صعود عمر البشير من حزب المؤتمر الوطني عبر إنقلاب آخر عام 1989.  وكذلك وإلى حد ما دور الجماهير في إيصال حماس إلى السلطة في غزة. أمام هذا يجدر السؤال عن خصائص الثورة التونسية وعن ما يجعل منها ثورة ناجحة بالفعل وليس بتغيير الشعارات.

الخصائص

السلطة الرابعة الجديدة

من العوامل المهمة التي مكنت الجماهير التونسية من الإطاحة بالمستبد المخلوع بن علي هي القدرة على التواصل ونقل الأحداث وتجاوز الإطار الرسمي المفبرك لها. فما إن صار حدث في نقطة ما إلا وكانت النقط الأخرى من تونس والعالم في احاطة به. وهذا راجع أساساً إلى شبكات التواصل الإجتماعي على الإنترنيت مثل الفايسبوك والتويتر والماسانجر.

هذه الشبكات لا تمكن فقط الأفراد من التواصل صوتاً وصورةً بل تمكنهم من تداول الأحداث المسجلة صوتاً وصورةً ونشرها على المستوى العالمي فيما لا يدع مجالاً لنجاح الأساليب التعتيمية الرسمية القديمة في الإعلام الموجه. وفي تصوري أن هذا هوما سهل عدة أشياء مثل التعبئة والتنسيق بالإضافة إلى جذب انظار وإهتمام العالم وحشد المؤيدين من مختلف الشرائح والاتجاهات .

التعددية الشعبية

الثورة التونسية شارك فيها الرجل والمرأة، الملتزم والعلماني، السني والشيعي -كما عبرت عنه الشبكات المذكورة-،الغني والفقير والكبير والصغير. هذه الثورة لم تكن لها نخبة موجهة أو مرشد ديني أو زعيم سياسي. لقد عبرت هذه التعدية على وعي المجتمع التونسي السياسي وتحديده للحرية والكرامة كأهداف. وهذه التعددية من مزاياها أنها  ستحمي الثورة من إحتمال القرصنة من طرف فئة على حساب فئة أو تيار على حساب آخر.

النموذج الفعال

من خصاص الثورة الثورة التونسية  كذلك كونها أحدثت سابقة شعبية مهمة بدأت تشكل نموذجاً يحتذى به وعلى وجه الدقة. فمثلاً ظاهرة ما يعرف ب"البوعزيزية" نسبةً إلى البوعزيزي، الشاب الذي أحرق نفسه في تونس إحتجاجاً على ظلم السلطات انتقلت بسرعة إلى مصر والجزائر حيث مظاهر الإستبداد توافق ما كان بتونس في العهد البائد. فهذه الثورة شكلت نموذجاً فريداً يتسم بالفعالية لدرجة التأثير خارج الحدود.

ماهي مؤشرات نجاح الثورة التونسية؟

لا يمكن القول أن الثورة الشعبية في تونس قد نجحت إذا صار مصير  السلطة في  يد حزب واحد آخر، أو في يد احزاب متعددة تخضع للتأثير المباشر أو غير المباشر من طرف المؤسسة العسكرية. وحتماً لا يمكن الحديث عن نجاح هذه الثورة إذا اغتصبها تيار الخلافة على نهج الخلافة الدامية في التاريخ الإسلامي والتي كبدت المسلمين خسائر فادحة لا زالت تداعياتها قائمة إلى يومنا هذا تلمسها من العنف  والتشدد البارزين المعالم في النموذج الوهابي.

 كما أنها أي الثورة- إذا انجبت حكومات خاضعة للتأثير الأجنبي الذي لا يعير إهتماماً لمطالب الحياة الكريمة لرجال ونساء الثورة. لكن نجاحها مرهون بمسائل جوهرية تجعل من تونس الجديدة بلداً للحرية في التفكير والتجول والتعبير السلمي والتجمع والمعتقد. من بين هذه المسائل كذلك تحقيق الكرامة للمواطن التونسي وضمانها عبر تقنين الحماية الضرورية لمواطنين التونسيين من أجل استفادتهم من الحد الأدنى من المطالب الأساسية التي بها تصان انسانيتهم.

وهذه الضمانات يجب أن تشمل التعليم الأساسي والصحة وحق الفقير في الحصول على مأوى ومأكل وملبس، سواء عبر المنح المالية المباشرة أوعن طريق بطاقات الإستفادة. هذه المسائل يجب أن يضمنها القانون عبر الهيئات والمؤسسات المختصة.

وإيضاً للتحدث عن نجاح هذه الثورة يجب تحقيق المساواة أمام القانون والخدمات العامة والواجبات كذلك من قبيل الخدمة العسكرية والتصويت وما أشبه.

 في الختام بريق أمل

في خطوة غير مسبوقة في العالم ذي الأغلبية المسلمة، قامت الحكومة الإنتقالية في تونس مؤخراً  بتخصيص مبلغ 106 دولارات شهرياً للعاطلين عن العمل.  إن ترجمة هذا إلى واقع سيكون من مؤشرات النجاح الثوري وتحقيق المكاسب الشعبية والتحاق تونس بالعالم الذي يحترم انسانه. وعلى المستوى الجهوي والإقليمي إيضاً سيفتح الباب أمام شعوب الدول البترولية لكي تطرح هذا السؤال: إذا كانت تونس بتواضع خيراتها أفردت للعاطلين 106 دولارات شهرياً، فكم بوسع السعودية المليارية تقديمه للإنسان العاطل من مواطنيها شهرياً؟ لماذا لا يعامل الإنسان بكرامة في دول البترول والغاز وأين تذهب هذه الأموال؟

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 31/كانون الثاني/2011 - 26/صفر/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م