الترويح يحمي الذات الإنسانية ولا يتعارض مع الإسلام

مقاربة مع فكر سماحة المرجع الشيرازي

عبد الكريم العامري

 

شبكة النبأ: الإسلام لا يتعلق بالآخرة فقط، بل الإسلام يعني: سعادة الدنيا أيضا.

يعني: الأمان.

يعني: الاقتصاد السليم.

يعني: السياسة السليمة.

يعني: المجتمع النظيف.

يعني: أن يكون كل شيء صحيحا وسالما.. حتى الرياضة.

ورسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) نفسه، حينما كان في المدينة المنورة، بل حتى عندما كان في مكة المنورة، أعلن: (فأجبوني تكونوا ملوكا في الدنيا وملوكا في الآخرة).

معنى ذلك أنه تعالوا ادخلوا في الإسلام، لتجدوا سعادة الدنيا والآخرة؛ أي تصبح الدنيا بين أيديكم، وفي الآخرة يكون مصيركم الى الجنة أيضا.. الإسلام الصحيح هو إسلام القول والفعل، وليس إسلام الاسم فقط، بل الإسلام يدخل في مناشط الحياة الاجتماعية للفرد كافة، ما ظهر منها وما بطن، يرفض الخطأ ويتبنى الصحيح ويدعمه ولا يقف منه حجر عثرة كما يقول المنافقون، ومن هذه النشاطات الحياتية الكثيرة الترويح، الذي يغير من الذات البشرية، يكبح انحرافاتها، ويزيد من تجمع المسلمين، والاقتراب من الآخرين، بدون سيئات تذكر حيث يرفضها الإسلام.

من المجالس والمحاضرات العامة لسماحة السيد صادق الحسيني الشيرازي، في معرض تفسيره لقول الله تعالى: (قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله).

هذه الآية الكريمة من عجائب آيات الذكر الحكيم، فإن الله سبحانه وتعالى يأمر نبيه الكريم محمد(ص) أن يقول للمشركين ولعبدة الأصنام والنصارى واليهود وغيرهم: (إنما أعظكم بواحدة) أي لا أطلب منكم سوى الإصغاء الى موعظة ونصيحة واحدة فقط.

لاشك أن مواعظ القرآن الكريم كثيرة، بل إن القرآن معظمه مواعظ، كما لاشك أن كل ما أتى به الأنبياء والرسل (عليهم السلام) وما نزل عليهم يتلخص بالقرآن الكريم، فهو عصارة الرسالات السماوية كلها، كما أن مواعظ النبي (ص) تختزل مواعظ الأنبياء والرسل الذين سبقوه كافة، إلا أن الله سبحانه يطلب من نبيه أن يلخص المواعظ كلها بكلمة واحدة ؛ يقول تعالى لنبيه الكريم: (قل إنما أعظكم بواحدة).

يتساءل السيد المرجع (دام ظله) سؤال العلماء، ويجيب جواب الأتقياء، فما هي تلك الموعظة التي يعظهم بها وحدها ؟. تقول الآية المباركة: (أن تقوموا لله) أي أن يكون قيامكم ونيتكم وتوجهكم وتفكيركم خالصا لله. لا يراد من القيام هنا للصلاة، بل المقصود التفكر وإخلاص النية، وبتعبيرنا المعاصر نكران الذات والتجرد عنها في الفكر والعمل، وأن يكون الله تعالى هو الهدف والنية والوجهة، وليس الذات ومصالحها.

كل إنسان في الأعم الأغلب يوقر ذاته ويراها أولى من كل شيء، مع أن كل البلايا والمصائب وكل ظلم وتجاوز يأتي من حب الذات.

الطامة الكبرى عندما يؤثر الإنسان ذاته في مقابل الحق سبحانه وفي مقابل الأخلاق والمجتمع والفضائل، فأكثر الناس يرى الله ويرى ذاته معه؛ ينظر الى المجتمع والأخلاق ويرى ذاته معهما، لذلك نراهم في الغالب يسحقون كل شيء من أجل ذواتهم.

فالذي يفعل الحرام بأكله الربا أو يظلم الناس مثلا إنما يفعل ذلك من أجل ذاته.. فهو يريد لها المال. يريد لها التقدير والظهور والوجاهة والزعامة وتحقيق كل رغباتها ولو عبر الطرق غير المشروعة.

فإذا لم يكن الإنسان يرى الله وينكر ذاته تراه يسحق أحكام الله ولا يبالي، ويولي ظهره لله ولأنبيائه ويتخذ نفسه إلها من دون الله.

من هنا كان نكران الذات وحب الله أساس كل فضيلة. هذه الآية تلخص هذا المعنى. فكما أن الإنسان الذي يحب ذاته يرتكب كل رذيلة من أجلها، كما في الحديث النبوي الشريف: (حب الدنيا رأس كل خطيئة)، فكذلك يكون معرفة الله والقيام له ونكران الذات أساس كل فضيلة. فمن ينكر ذاته يترفع عن الرذائل وواحدة من طرق وتربية وتقويم الذات الترويح. فكيف يفني الفرد ذاته أو يقومها، بالترويح؟

كلمة الترويح تعني في أصلها اللغوي السعة والانبساط وإزالة التعب وإدخال السرور على النفس بعد العناء، لذلك نتيجة لتزايد الوسائل الترويحية وتطورها، واستحداث وسائل جديدة لشغل أوقات الفراغ، أصبح لدى المجتمعات سيل منهمر من الوسائل الترويحية، أنطلق معها الإنسان بحثا عن الراحة والمتعة، وتخفيفا من العناء الذي يصيبه في هذه الحياة الدنيا.

مما لاشك فيه أن الأصل في الترويح أن يتلازم مع وقت الفراغ، يمارس فيه، كما يجب أن يكونا متعادلين في الكمية، فلا يطغى أحدهما على الآخر، ففي زيادة وقت الفراغ يتحول الأمر الى مشكلة، وفي زيادة الترويح على أوقات الفراغ تصبح الحياة لهوا ولعبا.

الترويح في الإسلام أمر مشروع، مطلوب، ما دام في إطاره الشرعي السليم المنضبط بحدود الشرع التي لا تخرجه عن حجمه الطبيعي في قائمة حاجات النفس البشرية. فالإسلام دين الفطرة، ولا يتصور أن يتصادم مع الطاقة البشرية الفطرية، والغرائز البشرية في حالتها السوية. من هنا فقد أجاز الإسلام النشاط الترويحي الذي يعين الفرد المسلم على تحمل مشاق الحياة وصعابها، والتخفيف من الجانب الجدي فيها، ومقاومة رتابتها شريطة ألا تتعارض تلك الأنشطة مع تعاليم الإسلام، أو يكون فيها إشغال عن عبادة مفروضة.. الأصل في ذلك أحاديث النبي محمد (ص) منها الذي يقول فيه: (إن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه). ففي الحديث دلالة واضحة على مراعاة الإسلام لحق النفس في الراحة وإعطائها حقها من ذلك ما دام ذلك ضمن الإطار الشرعي وداخل الحدود المقبولة اجتماعيا.. تلك الخصلة النبيلة التي ذكرتها الآية القرآنية.

يكتسب الترويح أهميته من الآثار المترتبة عليه، فمن الآثار التي ينتجها لنا تكون الدوافع لدراسته والاهتمام به. مما يلاحظ أن بعض الدراسات تربط دائما بين الانحراف والترويح، كأن الترويح لا يولد إلا انحرافا، أو كأنما الانحراف نتيجة لازمة من نتائج الترويح وخاصية أساسية من خصائصه! ليس ذلك بصحيح، فبقدر ما يحمل وينتج لنا الترويح من آثار سلبية، فهو في الوقت نفسه ينتج آثارا ايجابية، هذا إن لم تكن ايجابياته أكبر من سلبياته.

هناك العديد من الآثار الايجابية المصاحبة للترويح بشتى صوره وأشكاله، إلا أننا نجد أن لكل شكل من الأشكال الترويحية المختلفة التي يمارسها الإنسان فوائد محددة من ذلك:

1ـ إشباع الحاجات الجسمية للفرد: يتم ذلك بممارسة الرياضة البدنية، وليس مشاهدتها فقط، كما يحدث بين نسبة كبيرة من أفراد المجتمع.

2ـ إشباع الحاجات الاجتماعية للمواطن: من المعلوم أن معظم أنشطة وقت الفراغ تتم بشكل جماعي، هذا يساعد المواطن حين ممارستها على اكتساب الروح الجماعية والتعاون والانسجام والقدرة على التكيف مع الآخرين.

3ـ إشباع الحاجات العلمية والعقلية للفرد المسلم: هذا يتأتى من خلال المناشط الفكرية والاختراعات، إذ تؤدي البرامج الترويحية الى تنمية القدرات العقلية والتفاعل الإيجابي مع مختلف المواقف.

4ـ إشباع الحاجات الانفعالية للفرد: ما يسمى بالدوافع اللاشعورية أو الدوافع المكبوتة داخل النفس البشرية. هذه الاحتياجات الانفعالية للإنسان تخرج في هيئة تصرفات شاذة وغير مقبولة في حالة كبتها أو عدم أخراجها بشكل منضبط ومتوازن.

5ـ تساعد أنشطة وقت الفراغ على التكيف والاستقرار النفسي والرضا الذاتي وتنمية شخصية الفرد الذاتية، مما يؤدي الى صحة نفسية سليمة، وتكيف نفسي سوي.

6ـ تساعد الأنشطة الترويحية على اكتشاف العديد من السجايا والطباع التي يحملها الأفراد إضافة الى إمكان اكتشاف أن كان هناك ثمة مشكلات نفسية من خلال مراقبة الأفراد في أثناء ممارستهم الأنشطة الترويحية، إذ غالبا ما يكون الفرد على سجيته ودون تصنع في أثناء ممارسته الترويح.

7ـ تساعد الأنشطة الترويحية التي يمارسها الفرد في وقت الفراغ على إحداث مزيد من الترابط الأسري بين أفراد الأسرة الواحدة في حالة ممارسة أفراد الأسرة أنشطة وقت الفراغ بشكل جماعي، بشرط أن تكون تلك الأنشطة ذات صبغة ايجابية تفاعلية.

هذه الآثار الإيجابية المترتبة على الترويح تتضافر عدة جهات في صنعها في حياة الأفراد، فلكل من الأسرة، المدرسة، مجتمع المحلة والجيران بشكل عام دور في هذه الآثار.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 30/كانون الثاني/2011 - 25/صفر/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م