الكتاب: رقصة في الهواء الطلق
الكاتب: مرزاق بقطاش
الناشر: دار الاداب في بيروت
عدد الصفحات: 167 صفحة متوسطة القطع
عرض: جورج جحا
شبكة النبأ: تحاول كقارىء ان تفتش عن
عوامل جذب ومتعة فنية واقتناع فكري في رواية "رقصة في الهواء الطلق"
للكاتب الجزائري مرزاق بقطاش فلا تجد ما يكفيك كقارىء فتتمنى ان يوفق
غيرك من القراء حيث واجهت الفشل.
تقرأ على الغلاف كلاما عن الموضوع فتجد ان هذا الموضوع يعد القارىء
بالكثير لكن القراءة تدفع هذا القاريء نحو نتيجة يصعب عليه الهرب منها
وهي ان الرواية سواء اذا اعتبرت "واقعية" او "رمزية" في كثير مما فيها
انما تقوم على الايهام فهي تكاد لا تقول شيئا وما تسعى الى تصويره بانه
شأن متميز انما يخلو من الجدة والتفرد ويخلق الملل.
الرواية التي جاءت في 167 صفحة متوسطة القطع وبلوحة غلاف للفنانة
ريم الجندي صدرت عن دار الاداب في بيروت.
الموضوع في حد ذاته يعد بالكثير لكن الوعد يتحول بعد القراءة الى
ايهام. القصة تتناول جريمة قتل في حديقة عامة في ليلة ماطرة برياح
هوجاء وصواعق شديدة. والتفاصيل -حتى في قسم غير قليل من البدايات- تتسم
" بكلاسيكية" في عالم الجريمة وهي هنا جريمة سياسية.
اجواء توحي بصراع على النفوذ وبتخلص من منافسين وخصوم. والرأي العام
استنادا الى ما هو شائع والى ما يجري تلقيمه له يحدد القتلة بانهم من
المتطرفين الدينيين الملتحين في بلد ثورة المليون شهيد.
يصور الكاتب ما هو متوقع في ذهن القارىء.. تدخل العسكر في كل شيء
حتى في عالم الحديقة فله فيها مندوب امر. وهذا المندوب ينافس ابراهيم
عامل الحديقة على حب "ضاوية". وابراهيم المثقف الذي يحمل شهادة ليسانس
في الرياضيات اصيب بقدمه خلال الخدمة العسكرية.
ولانه بعد الحادث اطلق لسانه في نقد حاد للمؤسسة العسكرية لم يلق
دعما من احد فيها ولا في السلطة عامة. لم يستطع حامل الليسانس ان يجد
عملا -اي عمل- الا بعد توسط صديق لوالده كبير المقام. الشاب المصاب
الاعرج هو الان عامل في الحديقة العامة لكنه ماليء الدنيا وشاغل الناس
كما يتصور نفسه. اما ضاوية فعمها جنرال نافذ وهي تحب ابراهيم بينما
الامر العسكري حميد يسعى وراءها دون نجاح.
القتيل الذي عثر عليه في الحديقة عسكري رفيع المستوى يبدو انه "
ازيح" من الطريق لانه يعرقل عمليات تجارية غير شرعية تعود الى كبار
فاسدين. القتيل كان صديقا لابراهيم. اما كيف ولماذا وما الذي يربط بين
الاثنين فلم يقدم الكاتب شيئا مقنعا عنها. اما النتيجة فكانت ان
الاتهام انصب على ابراهيم.
كلام الناس من خلال مجموعة منهم يذكرنا بدور "الكورس" في المسرحيات
الاغريقية القديمة. ن اقوال الناس هذه عن الجريمة.. "هناك حسابات
وحسابات طويلة وراءها. الضابط الكبير لقي مصرعه حقا وصدقا لانه فعل كذا
وكذا دون موافقة من رفاقه الاخرين...
"وتمادى البعض في تصريحاتهم معلنين ان هناك مبدأ عاما تسير السلطة
بموجبه في هذا البلد.. لا يمكن مغادرة دوائرها دون دفع التكاليف. الم
يقل هواري بومدين لاحد رفاقه بعد انقلاب 19 جوان (يونيو حزيران) 1965..
جئنا معا وسنغادر المكان معا."
ويقول الكاتب "لكن في 24 ساعة كانت الغلبة للمراوغة السياسية على ما
جرت به العادة في مثل هذه القضايا المبهمة فمن المستحيل ان يلقى ضابط
كبير بمثل هذه البساطة والسذاجة حتى وان كان الارهابيون قد سيطروا على
مختلف انحاء المدينة البحرية."
ويضيف بما لا يضفي كثيرا من الوضوح او الافهام على المسألة انه وفي
ظرف 24 ساعة حدثت "قفزة تكتيكية سريعة في اوساط اولئك الذين دفعوا
الناس الى الظن بان الجريمة ارتكبها اسلاميون ملتحون وكان ان جمعوا
امرهم ونادوا بضرورة وضع اليد على مرتكبها وذلك لان الامر يتعلق بشرف
العسكر وبعض اشباه السياسيين الذين كثيرا ما يسارعون الى الضغط على
الزناد."
ومع ان في الامر جريمة ومؤامرات يحاول الكاتب ربطها بنظام عربي وغير
ذلك مما يفترض ان يشوق القارىء فحركة الرواية هنا مملة وغير مقنعة
ايضا. انها لا ترتقي الى المستوى المتوقع للاحداث. وهي كذلك تشبه ما
يروى للاطفال اذ لا يحتاج الى وسائل اقناع عديدة. كما ان علاقة ابراهيم
بضاوية مبهمة وغير مقنعة وغير مبررة في بعض خطواتها. الكلام عن الفساد
-منها ومنه- تقريري لا يحرك. وتقريري هنا لا تحمل معنى التوثيقي بل
انهمار الكلمات دون حرارة او نكهة غضب. كلام لا يحرك ولا يشع بمشاعر
وصور وهو كسائر الكلام بينهما.
بعض الخطوات كنقلها له بسيارتها الى احد الجسور لتكشف له صفقة
تجارية لنافذ هو عمها غير مقنعة او مبررة ايضا خاصة بالكلام البارد
الذي ورد فيها.
اما حميد فنكتشف انه وبطريقة تحمل الينا صورة "رقيب التدريب" الشرس
في بعض الافلام الامريكية كان هو المسؤول عن ابراهيم خلال الخدمة
العسكرية وكان هو الذي يعذبه وقد كلفه بمهمة مفتعلة الى حد بعيد ادت
الى مقتل رفيق له والى اصابته بعاهة وعطل دائمين. وبتحريض من حميد جرت
مصادرة دفتر مذكرات ابراهيم.
ودفتر المذكرات الذي صودر اثناء التحقيق فيه كلام سيىء عن الضباط
والمسؤولين يحوله الكاتب الى ركن اساسي في الرواية. لكن الدفتر لا
يحتوي على اسرار فعلا بل على كلام لا جديد فيه يعرفه معظم الناس
ويرددونه باعتراف الكاتب الذي قال ان اهميتها هي انه مكتوب والحكام
يخافون الكتابة لانها تبقى.
مما جاء في دفتر المذكرات كلام لابراهيم عن نظرته الى الامور
وتجاربه. يقول مثلا في ما يشبه تحليلات او تعليقات من عادي كلام كثير
من الناس في انحاء من العالم العربي "العقلية العسكرية هي التي صنعت
مأساة هذا البلد. الامر يعود الى شهر اكتوبر تشرين الاول من عام 1988
اي الى اليوم الذي عقد فيه الشعب العزم على ان يقلب النظام الجامد فسال
كالطوفان في الشوارع ليجرف كل شيء. المأساة تعود الى عام 1958 اي يوم
قام هواري بومدين بما يسمى في تاريخنا بانقلاب العقداء. العقلية
العسكرية تغلبت على ثورة شعبية تحريرية ضد المحتلين الفرنسيين. ومنذ
ذلك الحين لم يتطور البلد تطورا طبيعيا."
ودون رؤية خاصة او اسلوب ادبي متميز او تحليل متفرد يمضي فيقول وكأن
الحديقة عنده هي البلد نفسه "مأساة هذا البلد تضرب بجذور عميقة في تربة
الحديقة والانتهازية. الافكار نفسها والسلوك نفسه لست ادري ما اذا كنا
سنتخلص من الزيف في يوم من الايام. اما اصحاب اللحى الافغانية فهم من
انشاء النظام نفسه. الذين يمسكون بزمام السلطة هم الذين رخصوا لهم
بالتحرك على هواهم."
ومن غير المقنع ان البطل ابراهيم وهو عمليا بالنسبة الى مجتمعه "
نكرة" تحمل شهادة ليسانس يستمر بتذكيرنا بها يبدو كأنه لا غنى عنه وكأن
اصحاب النفوذ يخشونه ويتامرون عليه بينما تسقط رؤوس كبيرة اهم منه
بكثير.
الرواية تسير ببرودة وقد تخلق شعورا بالضيق عند القارىء احيانا.
الموضوعات التي يجب ان تكون من صلب القضايا اي الفساد والغش والظلم
مثلا يأتي الحديث عنها باردا دون ان تنطوي هذه البرودة على كبير اقناع
ووضوح. تقريرية وبرودة واعادات.
وضع البطل الذي يفترض ان يكون مأساويا يأتي وصفه بعيدا عن المشاعر
وعن المنطق وعن القدرة على الاقناع وببلادة لا تثير المشاعر ولا
الافكار. ثم ان المشكلات التي تطرحها الرواية لا جديد فيها ولا في
الزوايا التي تطرح من خلالها. وقد نجد احيانا في تغطيات صحافية لشؤون
مماثلة درامية وايحاء وتأثيرا في النفس لا نجدها في الرواية. برودة
وخواء لا يؤثر في النفس حتى في وصف عمليات القتل الجماعي ومنها بشكل
خاص موضوع رهيب هو ذبح طفلة.
من امثلة ما نواجه في شكل او اخر في الرواية من اعادات واعادات
اقوال منها تساؤل الكاتب ببرودة "هل من الممكن ان ينفتح هذا البلد
ويزدهر ذات يوم بمثل هذه الذهنيات.. كلا وألف كلا حتى الشمس قد تغيب عن
سمائنا الى الابد "
اما شخصية ابراهيم ومع اعتبارنا ان الكاتب اراد عمدا ان يصور شخصية
من هذا النوع فتكاد تتحول الى كاريكاتيرية. وحتى في هذه الحال فان
الكاتب لم يستطع ربطه بالقارىء بشكل مقنع. من هو وما هي اهميته ومن
يحفل بتهديداته وخطره. نقرأ كلامه عن نفسه وعن دفتره فكأنه محور الكون.
يقول "يعلمون انه لا يحب المؤسسة العسكرية ولا الحكام... هذا امر معروف
لدى الخاص والعام. وجرى التحقيق فيه مرات ومرات ورفع ضمن تقارير سرية
الى عدد من المسؤولين في البلد."
ومن ناحية اخرى وحتى اذا حاول القارىء ان يفهم القصة والحديقة
وتماثيلها فهما رمزيا -اي الحديقة هي البلد وهي التي يتحكم بها
الجهلاء.. والتماثيل فيها للسخفاء الجهلة.. والطيبون والعلماء والعظماء
فعلا مستعبدون وخدم فيها- فلا يبدو انه سيخرج بزبدة فريدة "بكر" وذات
قيمة كبيرة.
واذا كان الشيء بالشيء يذكر كما قيل فقد يجد القارىء نفسه يتذكر
قصيدة الشاعر اللبناني الراحل خليل حاوي التي صور فيها بلده وقد تحول
الى فندق او "فندق الشرق الكبير" وتحول مواطنوه المستعبدون الى خدم في
هذا الفندق. وفيها يقول "كل جيل كنت ابنيه من السمر الطوال/ لا مكانا
له لا بيتا وخبزا/ صفوة المطلوب خصيان ضئال/ مهنة التمسيح في الفندق/
لا يبرع فيها غير اشباه الرجال."
في النتيجة يسير ابراهيم الى مصيره دون تلك السمات المفجعة التي
ترافق نهايات ابطال يصارعون "اقدارهم" من اغريق قدامى الى جماعات
عالمنا الحديث. يسير دون فجيعة مؤثرة بل على الارجح بتساؤل واستغراب
لدى القارىء عن هذه الشخصية التي لا يرى لها جذورا فعلية مقنعة لا في
الرواية ولا في الحياة ايضا. ومع ذلك فمرزاق بقطاش يستطيع ان يقص اذا
اراد.. اي اذا غير بعض ما فيه. |