ثورة التونسيين... لا تدق ناقوس الخطر في العراق

علي الأسدي

ذكرت صحيفة الديلي تلغراف البريطانية اليوم الثلاثاء 18 يناير الجاري أن طنا ونصف من الذهب الخالص تقدر قيمتها 38 مليونا من الدولارات سرقتها زوجة الديكتاتور الهارب ليلى الطرابلسي من البنك المركزي التونسي عشية الهروب من عقاب الشعب التونسي، هذا عدا عشرات الملايين من العملات الأجنبية نقدا وأرصدة في حسابات في المصارف الأجنبية.

ان حاشية وزبانية الرئيس في الحكومة ومجلس النواب ما يزالون في مواقعهم بالسلطة على أمل أن تعود الأمور إلى مجاريها، لكن الشعب على ما يبدو مصر على اجبارهم على التنحي، فهم جزءا من النظام الديكتاتوري الفاسد الذي بناه رئيسهم الهارب، وان تظاهرهم بالنزاهة وبياض اليد فات أوانه.

ما يحتاجه الشعب التونسي حاليا هو اليقظة التامة، ومراقبة الذئاب من رموز السلطة التي تلعب أدوار الحملان قبل أن يعاودوا الكرة لاستعادة الجنة المفقودة. الدرس التونسي هو موضوع الساعة في العالم العربي، فشعوبه تعيش أوضاعا أكثر مأساوية مما كابده التونسيون، إنه درس بالغ المعاني والعبر، فهناك اكثر من سحابة دخان في الأفق العربي، وليس من الحكمة تجاهل ما جرى في تونس، بل عليهم أن يحترموا صبر وحلم شعوبهم. وعليهم أن يتمعنوا بالحكمة الخالدة، " يمكنك أن تكذب على كل الناس في بعض الوقت، وبعض الناس في كل وقت، ولكن لا يمكنك أن تكذب على كل الناس في كل وقت ".

 السؤال الذي يطرحه الشعب التونسي على المسؤولين السعوديين، كيف تمنحون حق اللجوء للص لم يخفي سرقته بل حملها معه مع بقية أمتعته ومررها عبر نقاط الرقابة الجمركية والجوازات. أي عرف دبلوماسي يسمح بهذا ؟ وأية تقاليد ضيافة أجازت ذلك ؟ بل أي مستوى من الأعراف والأخلاق يتغاضى عن ذلك، وأية مصداقية يحمل البيان الذي أصدرته الحكومة السعودية عن وقوفها مع خيارات الشعب التونسي، بينما تسمح سلطاتها لسارق أكثر من طن ونصف من الذهب من خزينة الشعب التونسي للاقامة على أراضيها ؟

 بالنسبة لبلادنا وشعبنا " العراق "، لم تسر الأمور كما تمنيناها بعد تداعي صرح ديكتاتورية غاشمة، وما يجري الآن أمام أنظارنا يماثل كثيرا ما ثار الشعب التونسي ضده، وربما أشد سوء. واذا كان بعض الفساد كان متداولا بين التونسيين، لكن ليس كله، اما في العراق فالفساد واسع وواضح وضوح القمر في ليلة دامسة الظلام، والشعب يعرف كل شيء. يعرف السير الذاتية، والسجل المدني، وأنساب الرجال والنساء من أقارب وأصدقاء المسؤولين، وعناوين وظائفهم وعناوين سكنهم وأخلاقهم قبل التغيير وبعده، ويعرف ما لا يعرفون هم أنفسهم عن تاريخهم، وما عليهم إلا أن يعوا الدرس التونسي جيدا. فما الذي يتوقعه الحكام في بلادنا عندما تحل لحظة الثورة؟

كانت صحيفة الغارديان البريطانية قد نشرت مقالا يوم السبت 15 يناير الحالي حول الأحداث الأخيرة في تونس بعنوان " اضطرابات تونس تدق ناقوس الخطر في المنطقة "، جاء فيه : ان أحداث تونس تثير أعصاب المسؤولين في دول عربية عدة خوفا من أن تنتقل عدوى الأحداث في تونس إليها "، لكن الكاتب الموقر ربما لم يعلم أن الشعب التونسي قد منح بن علي ثلاثة وعشرون عاما ليسمع أخيرا ناقوس الخطر فيحزم أمره ويهرب. أما في العراق فالأمر مختلف بعض الشيء، اللصوص في بلادنا يأكلون ولا يشبعون، يسرقون ويقولون هل من مزيد؟ والأهم من ذلك كله أن مسامعهم لا تميز بين ناقوس الخطر ورنين الذهب.. ؛؛

قد يعتقد المعنيون أنه مازال في الوقت متسع، قبل أن ينفجر الغضب العراقي، وأنه من السابق لأوانه حزم الأمتعة والتوجه الى ايران المجاورة. صحيح أنه لم يمضي من الوقت الا ثلث ما استغرقه الغضب التونسي قبل أن ينفجر حمما ولهيبا، ليصيب الرعب اللصوص فيهربوا الى غير رجعة. قد يخدع المعنيون أنفسهم بأن الوقت مازال مبكرا، فلم العجالة وما زال المئات من زوجاتهم لم تجمع بعد نصف طن من الذهب، وما زالت الملايين المنهوبة لديهم لم تبلغ العشرات بعد، فالعراق ليس تونس، وشركات النفط الأمريكية والبريطانية والفرنسية والصينية والروسية لم تضخ ذهبا بعد، فهي ليست على عجلة من أمرها هي الأخرى، ما دامت قد ضمنت الخزين النفطي العراقي لثلاثين عاما قادمة ؟

ولعل ما اقتطع من قوت الفقراء وكدحهم لم يشبع نهمهم بعد، فما أتاحته لهم الولايات المتحدة الأمريكية من حرية في التصرف بخزائن العراق من النقد والذهب والآثار وممتلكات الدولة ما زال دون الطموح. وربما يرددون مع بعضهم ومع أنفسهم وهم يراقبون أحداث تونس، أننا لسنا معنيون بهذا، فما أتيح لنا هو من بركة الله ونعمته. اليس من الأفضل لهم أن يتأملوا القول المأثور " السكون الى الوضع المألوف قد يعطي احساسا كاذبا بالأمان، ولكنه يلغي كل فرصة لتحسينه ".

لا نتهم أحدا بعينه، ولانسمي أحدا باسمه، لا نحسد أحدا على ما امتلك ويملك، لسنا على خلاف مع أحد، لم نعرف أي أحد من المسؤولين شخصيا، ولا نتمنى لأحد المصير الذي انتهى اليه بن علي وعائلته. كل ما نريد قوله هو رسالة تحذير قصيرة جدا: لا تقيدوا الحريات الديمقراطية ولا تزيفوها، توقفوا عن تزييف الانتخابات، توقفوا عن التدخل في استقلالية القضاء والصحافة، ألغوا قانون الانتخابات الذي تلاعبتم به ليخدم الأحزاب الحاكمة، أحموا حقوق الانسان العراقي، انصفوا المرأة العراقية المغيبة قسرا وظلما، أوقفوا تعذيب المعتقلين وعاقبوا من يساهم بذلك، أصغوا لفقراء الشعب ووفروا فرص العمل من خلال التنمية الاقتصادية، اهتموا بثقافة ومثقفي العراق، عوضوا المتضررين من الظلم والقهر والتمييز في الوظائف الحكومية، واستفيدوا من عبر التاريخ، أطردوا المتملقين والانتهازيين من حولكم، أنظروا حولكم بامعان، فستجدون أن الكثير مما مارسه نظام بن علي في تونس موجود وممارس في ظلكم، والمطلوب منكم هو الاستفادة من الدرس التونسي البليغ، قبل أن يدرككم الوقت.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 29/كانون الثاني/2011 - 24/صفر/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م