مفهوم العنف من الناحية الاجتماعية

عبد الكريم العامري

 

شبكة النبأ: تتعدد تعريفات العنف violence وتتنوع، بتنوع زوايا البحث وايديولوجيا الباحث وتخصصه العلمي. في إطار علم الاجتماع استعمل مفهوم العنف ليشير الى كل ما يربك النظام الاجتماعي والعلاقات القائمة بين أعضائه.

يميل علماء الاجتماع الى القول ان العنف سلوك يهدف الى ايقاع أذى جسدي بالأشخاص أو خسارة بأموالهم، بغض النظر عما اذا كان هذا السلوك ذا طابع جماعي أو فردي.

البعض عرفه بأنه؛ فعل ايذاء معنوي، لساني، يدوي، يمارس فرديا/ جماعيا ومنتظما في كل حال. وهو بشكليه النفسي والاجتماعي وبهدفيه المعنوي (النيل من سمعة الآخر9 والمادي (النيل من وجود الآخر) يضعنا في مواجهة فاعل يتقصد العنف.

يسمى العنف (اجتماعي) social violence تمييزا له عن أشكال العنف ذات الاهداف السياسية. أن (اجتماعية العنف) هنا تحدد مجاله وحقله، وهذا يعني أن الصفة الاجتماعية الملحقة بالمفهوم لا تمنحه المزايا النظامية التي تطبع الحياة الاجتماعية، فلكي يكون الفعل اجتماعيا، يجب أن يأخذ في الحسبان وجود الآخرين ويتأثر بهم في مجراه، كما يجب أن يكون له هدف محدد ويخدم حاجات ومصالح لفاعل ومحكوم بتنظيم معياري وقيمي.

وقد ورد مفهوم العنف الاجتماعي في كتابات بعض الباحثين ليشير الى ممارسات الجماعات المتطرفة ضد الدولة أم ضد المجتمع من ناحية أخرى. هذا التعريف ذو مضامين سياسية أكثر من كونه عنفا اجتماعيا، فسواء كان العنف ضد الدولة أم ضد المجتمع فهو يتوخى إحداث تغيرات في البنى السياسية.

أحيانا الجماعات المتطرفة ضد الدولة والمجتمع والتقاليد والقيم السائدة فيه ويعبر عن هذا النوع بالرفض والاحتجاج ومقاطعة الظواهر الغريبة أو الوافدة من الخارج أو مقاطعة ظاهرة ثقافية غريبة عن بنية المجتمع وأخلاقه.

تشير الباحثة اسماء جميل الى أن الإحاطة بالتعريفات المختلفة يمكن أن تثير الملاحظات التالية:

1ـ يبدو العنف، في موضوعه، متعدد الأشكال، فمع الضرر الموجه ضد سلامة الإنسان الجسدية وضد ممتلكاته هناك الضغوط والتهديدات التي تضاهي بعنفها الجراح والموت نفسه.

2ـ هناك وحدة جوهرية لمظاهر العنف على الرغم من تعدد وتنوع أشكالها، اذ تتدرج هذه المظاهر في متصل سلوكي يبدأ من الشعور بالامبالاة وعدم الاكتراث بالآخر وتنتهي بأعمال القتل والتخريب.

3ـ لا يسهل تعريف العنف بطبيعة الفعل المادي الذي يستند اليه، بقدر ما يسهل العلاقة القائمة بين هذا الفعل والإنسان ضحيته، فمتسلق الجبل الذي يتعرض فجأة لسقوط صخرة عليه بوصفه ضحية لحادث، أما اذا كانت هناك يد آثمة قد دفعت هذه الصخرة فإنه يصبح ضحية فعل عنف، لقد حصل تطاول على حق لا يمس هو الحق في الوجود.

4ـ ثمة بعد أخلاقي في تعريف العنف إذ أن جوهر المفهوم يتضمن احتمال شر ما، وهو من هذه الحقيقة يطرح مشكلة أخلاقية، فالشر سيظهر كأنه تطاول على الإنسان.

5ـ يجب أن يتوافر القصد، لكي يصبح السلوك عنفا، فالعنف يشير الى فاعل يتقصد إيقاع الأذى.

6ـ عند الإمعان في التعريفات المختلفة للعنف نجد أنها تتدرج تحت ثلاثة فئات رئيسية، الفئة الأولى تقدم العنف بوصفه سلطة أو قوة تمارسها الجماعات المسيطرة عليها، فالعنف هنا رأسي موجه من القمة الى القاع أو القاعدة.

تعكس التعريفات وجهة نظر الجماهير المسيطرة عليها من قبل المؤسسات المختلفة التي يتألف منها المجتمعك السياسية والاقتصادية والدينية والتربوية والعائلية. ويستدعي رد فعل مماثلا إذ إن كل ضغط لابد ان يستثير مضاداته العنيفة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 23/كانون الثاني/2011 - 17/صفر/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م