الأسرة... والثقافة الطفولية

عدنان العلي الحسن

مرحلة الطفولة هي مرحلة أساسية في حياة الإنسان، وهي مسؤولة إلى حد كبير عن تحديد الملامح الرئيسة للشخصية الإنسانية، وبلورة معالمها ومقوماتها، وتكوينها من النواحي الجسمية والنفسية والعقلية والخلقية والاجتماعية.

وثقافة الأطفال - كمجال من مجالات الثقافة عموماً - نعني بها:‏ مجمل الأعمال الأدبية والتعليمية والترفيهية الموجهة للأطفال، والتي يضعها الكبار غالباً، والمختلفة عن ثقافتهم كما ونوعاً، بهدف بناء شخصياتهم، وتنمية مكوناتهم، والارتقاء بقدرتها ومداركها، وبما يتناسب إمكاناتها، ويلبي حاجاتها.‏

أما أهداف الثقافة الطفولية فإنها لم تعد - اليوم - مجرد معلومات ومعارف يتلقاها الطفل فحسب، بل أصبحت منظومة متكاملة، تشتمل مختلف جوانب حياة الطفل، فهي تعمل - عادة - على تحقيق أهداف التربية، في بناء شخصيته المتكاملة والمتوازنة، عقلياً ونفسياً ووجدانياً وسلوكياً، من خلال إسهامها في إثراء فكره شعوره، وتنمية خياله ولغته وتحقيق توازنه النفسي، وتعديل سلوكه وتصرفاته.‏

وتأصيل روح الإبداع والابتكار لديه والكشف عن مواهبه وميوله وهوياته.‏

ويأتي الاهتمام بالطفل ثقافياً من أجل تعزيز رؤيتهم (الأطفال) إلى الجوانب المضيئة في الحياة، وزرع القيم الإيجابية في نفوسهم، ليصبحوا قادرين على مواكبة التطور العلمي والتفجر المعرفي، وخوض غمار الحياة، مؤمنين بقدراتهم في إثبات ذاتهم، والتعبير عنها بحرية.‏

والطفل كائن فطري حي، يتفاعل مع بيئته التي تعد من أهم العوامل المؤثرة في تربيته، فالبيئة الاجتماعية المحيطة به، تشكل العامل الأساسي في تحديد أنماط سلوكه وتشكيل أفكاره، و في صياغة نظرته للحياة.‏

ومن هنا فإن عملية تثقيف الطفل تتولاها مؤسسات معينة، أهمها الأسرة التي تعدّ البيئة التربوية الأولى، ثم تأتي المدرسة في المرتبة الثانية من حيث أهميتها في تنشئة الطفل، وتكوين شخصيته وتحديد اتجاهاته وميوله وعلاقته بالمجتمع، إضافة إلى وسائل الإعلام التي تعدّ بدورها من أهم المؤسسات التربوية المساهمة في هذا الاتجاه.‏

تلعب الأسرة - باعتبارها الخلية الأساسية التي يتشكل منها المجتمع - الدور الأكثر أهمية في تربية الطفل، وفي تأهيل وصقل الشخصية الطفولية، وتشكّل الركن الرئيسي في بلورة آرائه وصياغة معتقداته وسلوكياته، وفي رسم الخطوط العريضة لمسيرة حياته المستقبلية، مثلما هي الخلية الأساسية في ارتقاء وسمو المجتمعات، فالخبرات التي يكتسبها الطفل - والتي تتسرب إلى أعماقه - هي تلك المتداولة بين من يحيطه، ومن أفراد أسرته بالدرجة الأولى، والطفل يتفتح بين يديّ أبويه مثلما البرعم النديّ، والزهرة النضرة التي لا تعرف سوى الوريقات الحانية، والغصن الذي يحملها.‏

ومن هنا فإن واجب الأسرة في الاهتمام بتربية الأطفال الثقافية تعدّ إحدى أهم جوانب الاهتمام بتربيتهم، وفي ذلك نفع لهم ولمجتمعاتهم، وقبل قيل شيء عليها أن تبدأ معهم على (تلقين الطفل المبادئ الأولية للقراءة كما تلقنه النطق، وتدرّبه على ممارسة هذه العادة و تدرّبه على المشي) كما يقول عبد التواب يوسف حتى تتمكن هذه الفضيلة من نفسه، وتغدو رفيقته مدى الحياة، لأن القراءة عادة يتم زرعها منذ الطفولة، كما أن القراءة بوصفها بوابة المعرفة العظيمة، هي الوسيلة التي تُشبع دوافعهم للاكتشاف، وتولد لديهم الاتجاهات السليمة، وهي أفضل الوسائل لاكتساب الخبرات والتعبير عن المشاعر، وإيقاظ الرغبة التي تدفعهم للتساؤل، بالإضافة إلى أنها تطور المهارات وتنمّي الملكات وترقى بالأفكار وتسمو بالمشاعر، وتمنح الأطفال متعة الاكتشاف بالذات، وعلى الأسرة أن تحضّ عليها بأساليب التشويق والإغراء من خلال إثارة رغبة الأطفال لها، والقراءة لهم في البداية لخلق حالة الوله بها.‏

ومن الضرورة بمكان مساهمة الأسرة في تقديم ما أمكن من النماذج الأدبية الخاصة بهم، بعد التأكد من قيمتها التربوية والسلوكية والخلقية، وتمييزها بالمضمون والأسلوب، فيقرؤوا لهم ويُتيحوا لهم فرصة القراءة، ثم يناقشوهم في ما قرأوه معهم بحدود لغتهم، ويشجعونهم على الكتابة ليعبّروا عن إنفعالاتهم، ضمن وعي الأسرة بدور أدب الأطفال في حياة صغارهم كمحفّز لطاقاتهم، ومُوقد لمشاعل إبداعاتهم، وضمن إدراك الوالدين لحاجة الطفل إلى النقاش وطرح الأسئلة، لتزهر لديهم الملكات العقلية، وتتسع آفاق تفكيرهم الحرِّ والمبدع.‏

وتلعب ثقافة الوالدين وحبهما للقراءة دوراً رئيسياً في توجيه الطفل ثقافياً، وإكسابه المفاهيم والعادات والأساليب السليمة التي تضع الطفل على الطريق الصحيح.‏

والمؤكّد أنه كلّما أبكر الوالدان في تثقيف الأطفال، وعملا على إثراء خبراتهم بمختلف الأساليب والوسائل، كان استعدادهم للتعلّم والتثقّف أفضل وأيسر.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 22/كانون الثاني/2011 - 16/صفر/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م