إن عنوان هذه الورقة هو شعار ننادي به ونخلق الوهم فينا بانا
نعتنقه، ونكون من اشد المناصرين له عندما لا نكون في موقع المسؤولية
الإدارية أو الأخلاقية، إلا أن الحال يتبدل مع أول خطوة نخطها في
مسيرتنا التنفيذية، وتبدأ مرحلة التبرير للأفعال وليس التسبيب لها
بمقدمات صالحة لإعطاء نتائج نافعة، فالبعض يرى مفهوم ومعيار المناسب
سواء في الشخص أو المكان هو معيار القرابة بنوعيها المحسوب والمنسوب،
وآخر يراها بمقدار النفع المتحقق له إن كان شخص أو مجموعة وغيرهم يرى
في مخالفتها تطبيقا لها عندما يسعى إلى التسقيط والتخلف، لكن هل غاب عن
هؤلاء إن تقلدهم للوظائف هو تكريس لعمل جمعي يهدف إلى الخدمة العامة،
أم إنهم غيبوا أنفسهم عمدا؟
وهل علموا، إن كان عملهم على وفق ما يظنون أنهم أفراد لا علاقة لهم
بالمجتمع، بان المجتمع كائن عضوي كبير أركانه الأفراد، وأي نظام سياسي
يسعد الفرد أو يعلي من شانه عليه أن يسعد المجتمع، وهل علموا إن وجودهم
في وظائفهم هو وجود قيادي يحتم عليهم الأخذ بزمام الأمور ومقاليدها في
المجتمع والدولة والسير بها نحو غاية مرسومة تجسدت في مبادئ أقرتها
الأمة في دستورها، إلا أني أظن، وأتمنى أن يكون الظن في غير محله، إن
من تقلد أمور البلاد في هذه المرحلة لم يختلف عن الذي تقلدها سابقا من
حيث عقلية الإدارة والخزين الفكري المتجذر في العقول، فبعضهم مازال
يعتقد بان القيادة هي الغلبة أو العصبية وهو ما أشار إليه ابن خلدون في
مقدمته، وان كان يفرق بين الرئاسة الطوعية وبين الملك إذ يرى إن
الرئاسة الطوعية قائمة على عدم قهر الأتباع، أما الملك فهو أكثر من
الرئاسة لأنه قائم على التغلب والقهر.
وارى فيمن تقلد الأمور تناسى إن من أتى به هم الأتباع أو ما نسميه
اليوم الشعب، وانه زائل عن عرشه بعد حين من الدهر عند تبدل الأحوال
ديمقراطيا، ونافلة القول تلك، سلوك استفز الضمير من بعض القائمين على
أمور البلاد وبدون تخصيص لجهة دون أخرى وتجدهم في كل مفاصل سلطات
الدولة التي اقرها الدستور العراقي، السلطات (التشريعية، التنفيذية،
القضائية)، تراهم في الإعلام وفي الندوات والتجمعات، كأنهم الأنبياء في
أقوالهم وعند التطبيق كأنهم الأعراب اسلموا ولم يؤمنوا، الجميع تحدث
بوضع الرجل المناسب في المكان المناسب والبحث عن حكومة التكنوقراط وان
ليس للوظيفة إلا أن تكون بمعيار الأكفأ والأفضل في سد المكان وإشغاله،
لكن ما يجري فهو على خلاف ما تقدم، فلا معايير التقييم الصحيح طبقت ولا
مؤهلات الترقية العلمية روعيت، وإنما قلدنا الوظائف في أعناق من لم
يستحقها ومنحنا المناصب إلى من لم يقدر على أدائها، وخالفنا من حيث
نعلم أو لا نعلم شعاراتنا التي لوحنا بها ومنها شعار الرجل المناسب في
المكان المناسب، ووضعنا الرجل غير المناسب في مكان لا يتناسب ومؤهلاته
أو أعطينا رجلا له قدرة على الأداء مكان لا يستطع معه تقديم الخدمة إلى
الجمهور.
وهذه الغبشية في الرؤيا خلقت فينا حالة التوجس من القادم، لان
البعض ينادي إلى مد يد المحاصصة إلى مواقع من سماتها الحياد مثل القضاء
والهيئات المستقلة، والخوف ليس من المحاصصة بحد ذاتها وإنما الخوف من
أن نأتي برجال ليس بمؤهلين لشغل هذه المناصب، ونخسر آنذاك الدين
والدولة، لان في جنبات هذه المواقع التي نخشى عليها ونناضل من اجل
حمايتها، أشخاص تولوا فيها مواقع لا يتناسبون معها في مؤهلاتهم وقدرتهم
على العطاء منهم من تجسدت الأمية الحضارية في عطائه وعلى علم ودراية من
قادة الموقع الذي يعمل فيه ومنح منصبا رفيعا يتعلق بمصير المواطن ويقيد
حريته أو حتى ينهي حياته عندما يصدر حكما بالإعدام.
ونحن كنا نسعى جاهدين إلى إصلاح الخلل فيها حتى أني وددت الاقتراح
على بعض من هذه السلطات التي يجب أن تتسم بالحيادية أن نخضع جميع من
يتولى فيها أمر القيادة إلى الاختبار العلمي في المختبر النفسي الموجود
في مركز الدراسات والبحوث التربوية والنفسية في جامعة بغداد الذي زود
بأحدث الوسائل العلمية لاختبار مؤهلاتهم القيادية وبشكل علمي وبعيد عن
المذهبية والطائفية أو الاثنية، فإذا ما خضعت هذه المواقع للمحاصصة من
أين لنا أن نجد الرجل المناسب في المكان المناسب.
ومن خلال ما تقدم هل نحن جميعا بلا استثناء وضعنا الرجل المناسب في
المكان المناسب؟ سؤال لابد من الإجابة عليه منا نحن قبل أن يأتي جوابه
من الشعب الذي لا يجيب بالأقوال وإنما بالأفعال التي يلفظنا بها إلى
خارج التاريخ.
قد يظن البعض إن الأمر لا يتعدى عن أن يكون خطأ دنيوي مغتفر، أو
البعض حينما يمضي أمر التنصيب أو التعيين وهو عالم بأحوال من يمضي له،
يستغفر قبل أن يضع المداد على الصحائف، ويظن أن الله سيغفر له، لكن
الله لا يغفر من تعمد الذنب فارتكبه والله لا يغفر(إِلَّا مَنْ تَابَ
وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ
سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)، أما
هؤلاء العامدين لعدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب أو الذين
يمنحون المناصب لغير أهلها ويتوهمون إنهم في منأى عن الله عز وجل فرب
العزة يرد عليهم بقوله تعالى (الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم
يعمهون).
وهل تقف مساءلة هؤلاء في حدود الدنيا وينتهي الأمر بالاستهجان
والاستنكار من الناس والأمة، لا اعتقد ذلك لان النبي محمد (ص) جعل من
علامات انتظار الساعة أن يوسد الأمر إلى غير أهله وذلك تضييع للأمانة،
وفي حديث نبوي شريف (من ولى رجلاً وهو يجد من هو أرضى لله منه فقد خان
الله ورسوله والمؤمنين) كما ورد في الصحاح وكتب الحديث الشريف، لان وضع
الشيء في غير مكانه هو الظلم بعينه إذ ورد تعريف كلمة (ظلم) في المعاجم
العربية ومنها معجم لسان العرب لابن منظور إذ عرف الظلم (وضع الشيءَ في
غير موضعهِ)، وبذلك فان من يولي رجلا غير مؤهل أو يضع شخصا في غير
مكانه يكون ظالماً، ولا يختلف الأمر إن كانت الوظيفة إلى الشخص قليلة
الأهمية أو كبيرة في منظومة الدولة العراقية، ومن يكون ظالما وجبت عليه
لعنة الله على وفق قوله عز وجل (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى
عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ
وَيقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ
أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) كما سيلعنهم اللاعنون على
وفق الآية الكريمة (أُولَئِكَ يَـلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَـلْعَنُهُمُ
اللاَّعِنُونَ).
فانتبهوا يأيها السادة من ولاة الأمور وقادتها إنكم إن لم تراعوا
الله في الشعب ومراعاة مصلحته أولا واختيار المؤهل والمناسب فإنكم في
فلك الظالمين يلعنكم الله واللاعنون، وفي الختام اسأل الله تعالى أن
يمن الله بنعمة البصيرة على من ابتلاه الله بولاية الأمر والعناية به،
وان يمن على الشعب بالصبر والسلوان وان يكثر من قول (إنا لله وإنا إليه
راجعون) لأنه سينال البشرى على وفق قوله عز وجل (وَبَشِّرِ
الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ
إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ). |