مع إطلالة العام الجديد تصاعدت وتيرة الاغتيالات بكواتم الصوت؛
مستهدفة بشكل ملحوظ قيادات ومراتب أمنية من الضباط العاملين في وزارة
الدفاع والداخلية. ويأتي هذا التصعيد بعد انخفاض منسوب العمليات
الإرهابية الانتحارية بواسطة السيارات المفخخة والأحزمة الناسفة
والعبوات اللاصقة.
كل ذلك يؤشر بوضوح إلى أن مسار واستراتيجية القوى الإرهابية المنفذة
تثبت قدرتها على الإمساك بالمبادرة والمناورة، وارباك الوضع الأمني
واختراقه بعمليات استباقية من جانب، بينما نلحظ التراخي والبطء في
المواجهة من قبل الأجهزة الأمنية؛ من جانب آخر، وافتقارها إلى المعلومة
الاستخبارية واماكن الخلايا الإرهابية ومصادر السلاح (الكاتم للصوت)
والجهات المساندة والمحرضة والداعمة.
القوى الأمنية والاستخبارية وفقا لهذا التصور، غير قادرة في الوقت
الحاضر على الأقل، على مباشرة الفعل الاستباقي وسد الثغرات التي تؤدي
إلى إفشال المشروع الإرهابي وتأمين الحماية اللازمة لضباطها وللمواطنين
على حد سواء, ومنها العمليات التي تمارس مؤخرا بكثرة في شوارع بغداد
خصوصا والمدن العراقية الأخرى عموما مستهدفة اغتيال ضباط الأمن من
الجيش والشرطة والموظفين الحكوميين في محاولة لزرع الهلع والخوف في
صفوف قوى الأمن من جهة ونزع الثقة المتبادلة بينها وبين المواطنين
وإضعاف قدرتها في مواجهة الإرهابيين؛ من جهة أخرى.
إن التداعيات السلبية لهذه الاغتيالات، لا تتوقف عند الحدود
الميدانية والمعنوية، بل تتعداها إلى ضرب التوافق والانسجام الوطني بين
الكتل السياسية، ومحاولة النيل منه خصوصا بعد تشكيل الحكومة الجديدة.
لذا يجب الوقوف بوجهها على كافة الأصعدة، لأن خطرها لا يتمثل في
التصفية الجسدية الآنية الجبانة لأبناء العراق، بل يستهدف البنى
التحتية؛ وبالذات السياسية. كما إن عملية بسط الأمن ومواجهة قوى
الإرهاب لا تأتي من خلال عسكرة المجتمع وزيادة عدد نقاط التفتيش
والحواجز الكونكريتية, بقدر ما تحتاج إلى إعادة الهيكلة البشرية الجادة
وصياغة منظومة أمنية حرفية مؤهلة. عندها، سيصبح الطريق معبداً أمام
الحكومة الجديدة لإنجاز مهمتها والمسؤولية الكبيرة التي ستتحملها بعد
الانسحاب الاميركي في حزيران من هذا العام، لذا فان الأمر يتطلب معالجة
الأمور بسرعة، وعلى النحو التالي:
1. إن قوام الأجهزة الأمنية (دفاع + داخلية) هم ما يعرف برجال الدمج
من الأحزاب المشاركة في السلطة + الصحوات + كوادر النظام البائد + جيش
المتطوعين العشوائي بواسطة الأحزاب والمحسوبية والمنسوبية وادوات
الفساد والرشوة، وأغلب هؤلاء لا تنطبق عليهم الشروط المهنية والموضوعية
المطلوبة، من حيث المؤهل العلمي والصحي وشروط العمر.... الخ.
لذلك فان الامر، يتطلب وقفة شجاعة لمعالجة هذه الإشكالية الكبيرة من
خلال الهيكلة التدرجية، وإعادة النظر بعملية التعبئة والتعيين
المستقبلية بشكل علمي ومهني.
2. تدعيم بناء الجهاز الإستخباري على أسس علمية وحرفية؛ بعيداً عن
تأثير الأحزاب والتجاذبات السياسية، والعمل على تطويره ورفده بالكفاءات
والخبرات اللازمة، حتى يتمكن من رصد المعلومة والإمساك بمبادرة الفعل
الإستباقي.
3. ضرورة التنسيق بين القوى الأمنية المتعددة في المجال الاستخباري
والخطط الميدانية وفي مختلف الاصعدة الاخرى، لأن انعدامه كان أحد أسباب
تراجع الأداء والتضارب في المواقف والإجراءات، وظهور الثغرات، مما سهل
عملية الاختراق.
لذلك، لا بد من إيجاد آليات فاعلة تؤمن أعلى درجات التنسيق بين
مختلف الأجهزة الأمنية لسد الطريق أمام عمليات التفرد في القرار من
جهة؛ والاختراق الأمني من جهة أخرى.
4. تفعيل دور القضاء في مواجهة الفساد المالي والاداري داخل الأجهزة
الأمنية، وعلى مستوى الإسراع بتقديم المجرمين للمحاكم المختصة وإنزال
العقوبات الرادعة بحقهم.
وبعد استيفاء الملفات الرئيسية اعلاه وبعض تفاصيل القضايا الثانوية
الاخرى المتعلقة بالعمل والجهد الامني والميداني، عندها يمكن ان نوقف
سيل التداعيات السلبية التي تفرزها عمليات الاغتيال، التي نحن بصددها،
ونحاصر تأثيراتها الخطيرة على الجانب المعنوي والعملي. |