شبكة النبأ: كان لإسقاط الطاغية
التونسي بن علي مؤخرا تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على منطقة الشرق
الاوسط سيما الدول العربية تحديدا، حيث يرى اغلب المحللين ان ثورة
الياسمين التونسية باتت تربك السلطات والحكومات العربية اكثر من بن علي
ذاته، خصوصا بعد ان نفذ بجلده وآمن العقاب اثر استقبال السعودية له
كلاجئ سياسي فار من بطش من طغى عليهم في السابق.
فالصمت المعلن الذي اتسمت به تلك الدول يكشف مدى القلق والهستيريا
التي اصابت قادتها، خصوصا ان اغلب لا يقلون سوءا من الطاغية التونسي
المخلوع، فبعد ان اعلنت معظم الدول الاوربية والامريكية تضامنها مع تلك
الثورة الناجحة، لم يطل حاكم عربي من بكلمة واحدة سوى الرئيس الليبي
القذافي الذي اعلن بشكل سافر مساندته لنظيره الفار.
توقظ الجرأة لدى الشعب العربي
فقد تسهم الاطاحة بالرئيس التونسي بعد احتجاجات واسعة النطاق في بث
الجرأة لدى حركات المعارضة العربية والمواطنين العاديين كي يتحدوا
حكومات اكثر رسوخا في الحكم في شتى انحاء الشرق الاوسط.
ففي منطقة دأبت على انتقال السلطة وفقا لنسق محكم التدبير - وفي بعض
الحالات لم يتم تداول السلطة البتة منذ عقود من الزمن - كان للسرعة
التي ازيح بها الرئيس التونسي زين العابدين بن علي من السلطة وقع
الزلزال بعيد الاثر.
وربما يكون لدى دول عربية اخرى قوات امن اكثر فاعلية او الاموال
الطائلة الكافية لتلبية مطالب المواطنين الساخطين وربما تفتقر في الوقت
ذاته لنقابات العمال المشاكسة التي ابقت على جذوة الاحتجاجات في تونس.
لكن تستشري في انحاء المنطقة نفس مشاعر الاحباط الجماهيري ذاتها
التي كانت قد دفعت بالتونسيين الى الخروج الى الشارع في ظل موجات
الغلاء وعدم كفاية فرص العمل والاجهزة الحكومية التي لا توفر مساءلة
ديمقراطية حقيقية.
وقال عبد الرحمن منصور وهو ناشط سياسي مصري عمره 23 عاما " الثورة
في تونس مفاجأة على جميع الاصعدة. انها تظهر ان الدول تستطيع اسقاط
الانظمة القمعية. سيكون لذلك اثره في انحاء العالم العربي." بحسب
رويترز.
ويتابع العرب في ارجاء المنطقة على الهواء مباشرة تطورات الاوضاع في
تونس على قنوات فضائية مثل الجزيرة وعلى مواقع التواصل الاجتماعي مثل
فيسبوك وتويتر ويتشاركون الافكار بمجرد نقرة على لوحة مفاتيح الكمبيوتر
وهو ما قد يلهم اخرين بالتقاط القفاز لخوض الجولة التالية من جولات
التغيير.
وكتب رامي ج. خوري المحلل المقيم في بيروت في مقال نشر في ايجنس
جلوبال "تغطية التطورات السريعة والاطاحة بنظام بن علي على تلفزيون
الجزيرة يدخل هذه العملية الى غرف معيشة مئات الملايين من العرب."
ومن بين الدول التى يشير المحللون الى ان الاحداث قد تشتعل فيها مصر
والاردن وسوريا ودول اخرى في شمال افريقيا. ويمتد الاحباط الشعبي الى
الخليج لكن هذه الدول المنتجة للنفط لديها في ظل احتياطات مالية هائلة
نظام للرفاهية الاجتماعية من شأنه رشوة المعارضة.
ومن غير الواضح تماما متى ستصل دول عربية اخرى الى نقطة الانفجار
لكن محللين قالوا ان تجربة تونس تظهر ان الزخم يمكن ان يتبلور بسرعة
حتى في دول تشتهر باجراءاتها الامنية المشددة والتي اثبتت حتى الان
فعاليتها في قمع الاحتجاجات.
وقال سياسي اردني رفيع رفض نشر اسمه "ولى زمن الوسائل العتيقة لقمع
الجماهير. الكلام بات واضحا.. اما فتح الابواب واما الانفجار."
وقال حمدي حسن المتحدث باسم جماعة الاخوان المسلمين "شؤم للحكام
الاخرين. أعتقد أن كل واحد الان اما يعكف على تجهيز طائرته أو
حساباته.. ويجهز أيضا قبضة أمنية أشد مما هو موجود لمحاولة حماية
منصبه."
لكن دولا اخرى تجنبت حتى الان التداعيات التي شهدتها تونس على غرار
ما حدث في الجزائر التي واجهت احتجاجاتها بالتراجع عن قرار رفع الاسعار.
ورغم تزايد الضغوط لايرى سوى قلة ان الحكومات العربية ستتساقط مثل
قطع الدومينو مثلما حدث للانظمة الشيوعية بعد سقوط حائط برلين.
فالاردن الذي شهد احتجاجات في الايام القليلة الماضية رد - شأنه شأن
دول اخرى في المنطقة - باعلان حزمة من الاجراءات للمساعدة في خفض اسعار
الوقود والسلع الاساسية. واتخذت ليبيا والمغرب خطوات مماثلة.
وفي سوريا تقوم الحكومة بخفض تدريجي للدعم في بعض القطاعات منذ 2008
وتعتمد على اجهزة الامن للسيطرة على الوضع لكن محللين يشيرون الى تزايد
السخط في شرق البلاد الذي يضربه الجفاف وهو مركز صناعة النفط في سوريا.
وقال مسؤول عربي "السلطات السورية تدرك ان الشرق يشكل مشكلة للنظام."
ويطمئن المسؤولون في مصر - اكبر مستورد للقمح في العالم - المصريين
بشأن كفاية المخزون الذي يضمن استمرار امدادات الخبز المدعم. واثار نقص
في السلع الاساسية احتجاجات في 2008 اخمدتها في ذلك الوقت قوات الامن
وتعهدات بتحسين الاجور.
لكن مثل هذا السخاء يمثل تحديا متزايدا خاصة لدول غير منتجة للنفط
تلاقي صعوبة في خفض عجز ميزانياتها الاخذ في الارتفاع بعد ان ضربتها
الازمة المالية العالمية.
وقال منصور نجاديان وهو ليبرالي سعودي مقيم في الامارات العربية
المتحدة انها لحظة تاريخية لم يكن احد يتوقعها قبل اشهر قليلة مضت.
وذكر ان دولا عربية اخرى قد يحدث لها ما حدث في تونس في ظل الازمات
الاقتصادية التي تعاني منها وان شكك في ذلك.
وقال محللون ان لدى سوريا والاردن على سبيل المثال قوات عسكرية قد
تكون اكثر استعدادا من الجيش التونسي للقضاء على اي معارضة. وقال محلل
ليبي ان الزعيم معمر القذافي الممسك بمقاليد السلطة منذ اكثر من 40
عاما لديه تحالفات قبلية تساعده في تأمين اركان حكمه وشعبه متشرذم
بدرجة يسهل معها سحق اي معارضة.
وقال احمد النجار المحلل الاقتصادي في مركز الاهرام للدراسات
السياسية والاستراتيجية ان الاسعار في مصر ترتفع اكثر من تونس وان
متوسط ما يكسبه المصري اقل لكنه اشار الى ان عدد المشاركين في
الاحتجاجات نادرا ما يزيد على بضع مئات.
وارجع ذلك لاسباب من بينها ان مصر لديها صحف مستقلة تنتقد الحكومة
وصمامات امان اخرى خلافا لتونس ساعدت في احتواء المعارضة لحكومة الرئيس
حسني مبارك (82 عاما) الذي يتولى السلطة منذ ثلاثة عقود.
لكنه قال انه اذا لم تعالج وتحل القضايا العالقة مثل الحد الادنى
للاجور وارتفاع الاسعار والتعديلات الدستورية ومن سيخلف الرئيس فسيواصل
مستوى التوتر الزيادة الى ان ينفجر المجتمع.
أما حسام الحملاوي الناشط والمدون السياسي فأشار الى ان العمال
المصريين بدأوا التعبئة بشكل اكثر فاعلية ضد الحكومة وملاوا الفراغ
الذي تركته الاحزاب السياسية المعارضة التي تتسم بالهشاشة وعدم
الفاعلية.
وقال ان قوات الجيش والامن في مصر التي تتكون قاعدتهما العريضة من
مجندين فقراء ربما يعارضون اذا طلب منهما قمع الاحتجاجات بصورة دموية
على النطاق الذي حدث في تونس.
وتوقع ان يكون الدفع بالجيش لاخماد ثورة في مصر كارثة على النظام لا
على الشعب.
قلق الحكام العرب
فيما ساد الصمت العواصم العربية بعد ان لزمت الهدوء الى حد كبير بعد
ان اذهلها على ما يبدو الانفجار المزلزل للاحتجاجات في تونس.
وقال هنري ويلكنسون من مؤسسة جانوسيان سيكيورتي الاستشارية "الامر
الذي سيقلق حكومات كثيرة في المنطقة هو ان الازمة كانت عفوية ولم تكن
منظمة.
"الاحداث في تونس اظهرت خطر تأثير الكبت ..اذا انتهجت نظام القمع
العنيف دون معالجة اسباب السخط يمكن ان يؤدي اي شرخ في النظام الى
انفجار."
ودعا بيان حذر من الجامعة العربية التي تتخذ من القاهرة مقرا لها "
كافة القوى السياسية وممثلي المجتمع التونسي والمسؤولين للتكاتف
والتوحد.."
واعربت الممملكة العربية السعودية التي سمحت لابن علي باللجوء اليها
عن دعمها للتونسيين من اجل تجاوز هذه"المرحلة الصعبة."
وفي مصر التي يحكمها الرئيس حسني مبارك منذ نحو 30 عاما قالت وزارة
الخارجية انها تحترم خيارات الشعب التونسي "وتثق في حكمة الاخوة
التونسيين على ضبط الوضع وتفادي سقوط تونس في الفوضى."
وقال السودان انه رحب بالتغيير السياسي في تونس مستخدما لغة مماثلة
بشأن احترام ارادة الشعب التونسي.
وربما تكون اطاحة الجيش بالرئيس السوداني السابق جعفر نميري في عام
1985 بعد موجة من الاحتجاجات الشعبية اقرب مثيل في تاريخ العرب الحديث
للاطاحة بابن علي . وتولي الرئيس السوداني الحالي عمر البشير السلطة في
انقلاب وقع عام 1989 . وفي العراق تفادي علي الدباغ المتحدث باسم
الحكومة التعليق على القلاقل في تونس .
وقال ان هذه مسألة داخلية تخص الشعب التونسي والعراق لا يتدخل في
شؤون الدول الاخرى ويحترم خيار الشعوب في المنطقة.
ويمكن للعراق ان يتباهى بحكومة شكلت وان كان بصعوبة بالغة بعد
انتخابات حقيقية على عكس الانتخابات في معظم الدول العربية التي تقدم
شكلا اكثر من الجوهر.
وربما يعكس تحفظ الزعماء العرب بشأن تونس تخوفهم مثلما قال المحلل
كميل الطويل من ان ما حدث في تونس اثبت ان بامكان الشعوب اسقاط نظام
حكم في العالم العربي بالخروج الى الشوارع والتظاهر. ولكن ذلك لا يعني
بالضرورة انهم سيكونون متأهبين اذا ما رأت شعوبهم تكرار ثورة تونس.
وقال ريتشارد دالتون وهو سفير بريطاني سابق في ليبيا وايران ان"
حكاما مستبدين اخرين لن يتورعوا عن قمع العنف الذي اظهره التونسيون."
واضاف ان البعض مثل الزعيم الليبي معمر القذافي "سيخلص الى انه
مازال على صواب في عدم تقديم شبر واحد سواء للاسلاميين او لمجرد
الاصلاحيين. وان افضل ما يخدم بقاء النظام هو مقاومة اي ضغوط غربية من
اجل التغيير.
وغالبا ما يبرر الحكام العرب القمع بالاشارة الى ان البديل لذلك هو
رؤية اسلاميين راديكاليين يمسكون بالسلطة ولكن تونس لم تقدم دعما واضحا
يذكر لهذه الحجة.
وقال المحامي والمحلل السياسي الجزائري سعد جبار ان نظام ابن علي
بالغ في استخدام مسألة الاسلاميين محاولا تخويف الناس من القاعدة
والناس رأوا الوضع من خلال ذلك.
واضاف انه ثبت في نهاية الامر عدم وجود لحى تذكر في الشارع خلال
الاحتجاجات حتى على الرغم من باب الانصاف ان كثيرين من الاسلاميين
التونسيين لا يطلقون لحاهم.
ويملك ايضا الزعماء العرب الذين لديهم ثروة اكبر خيارات للتعامل مع
المعارضة كان الزعيم التونسي يفتقد اليها.
وقال المحلل جيوف بورتر مشيرا الى تحركات ليبيا والجزائر لخفض اسعار
المواد الغذائية بالتخلي عن عائدات الضرائب ان "تونس كانت ببساطة تملك
اوراق اقل تلعب بها .هذا البلد لم يكن يملك الاستعانة بموارد
الهيدروكروبون للقضاء على المشكلات."
وحتى الدول ذات الموارد الضعيفة مثل الاردن حاولت احباط القلاقل من
خلال اتخاذ اجراءات مماثلة يمكنها تحملها بصعوبة.
وبالنسبة لرامي خوري المعلق الذي يتخذ من بيروت مقرا له فان الرسالة
للثورة التونسية كانت واضحة .
وقال "انها تمثل نهاية الاذعان وسهولة الانقياد بين جماهير
المواطنين العرب العاديين الذين ظلوا راضين لعقود في مواجهة القوة
المتزايدة للدول الامنية العربية المدعومة من الغرب والانظمة الحاكمة
المعتمدة على الشرطة والجيش."
واضاف ان شكاوى المحتجين التونسيين مشتركة في شتى انحاء العالم
العربي ربما باستثناء دول الخليج الصغيرة الغنية.
وقال خوري "هذه الشكاوى تتعلق بارتفاع الاسعار وقلة الوظائف بل و
ايضا بشأن اسلوب البطش والتعالي الذي تعامل به الصفوة العربية الحاكمة
مواطنيها."
الأنظمة المستبدة تلتفت حولها
اما في الصحف البريطانية الصادرة نطالع عددا كبيرا من التقارير
المصوَّرة التي ترصد تطورات الأوضاع في تونس، وسيلا من التعليقات
والتحليلات التي تحذِّر قادة الدول العربية من احتمال امتداد "ثورة
الياسمين" إلى بلدانهم، وتحثهم على الالتفات لما جرى للرئيس التونسي
المخلوع زين العابدين بن علي وعلى استخلاص العبر والدروس.
فتحت عنوان "على الطغاة العرب الالتفات إلى الأحداث في تونس"، تقول
الافتتاحية: "إن الرؤساء مدى الحياة الذين يقدمون الحماية الوهمية من
الإرهابيين الأشباح ليسوا أصدقاء يمكن الوثوق بهم".
بداية تضعنا الافتتاحية أمام استنتاج مفاده أن سقوط الرئيس التونسي
السابق زين العابدين بن علي هو مثال على "تحولات الأحداث التي كانت غير
مُتوقعة على نطاق واسع، وذلك إلى حد بات معه إطلاق التسميات السريعة
بعد فوات الأوان أمرا لا مفر منه".
"على الحكومات الأخرى في شتى أنحاء المنطقة، والتي بالكاد تكون
شعوبها أقل كبتا من شعب تونس، أن تلتفت من حولها بخوف"
تقول الصحيفة إن "الأنظمة السلطوية الفاسدة هي بشكل عام هشة، ولم
يكن بن علي يشكل استثناء في هذا المجال". بحسب البي بي سي.
سرعة "غير مُتوقعة"إلا أنها تستدرك قائلة: "لكن القليلين تنبأوا
بالسرعة التي تمكن من خلالها سيل جارف من المتظاهرين الغاضبين من
التحوُّل إلى متمردين يقومون بتغيير النظام".
وتضيف: "على الحكومات الأخرى في شتى أنحاء المنطقة، والتي بالكاد
تكون شعوبها أقل كبتا من شعب تونس، أن تلتفت من حولها بخوف".
وتذكرنا الافتتاحية كيف كان بن علي، خلال السنوات الـ 23 الماضية
التي أمضاها في حكم تونس، "الرجل الموثوق به" لدى العديد من الدول
الغربية، وذلك رغم ما عاناه التونسيون على يديه من "قمع وظلم وحرمان،
بينما كان أفراد أسرته وأقرباؤه يعيسون فسادا في البلاد ويجمعون
الثروات الطائلة على حساب شعبهم".
كما تلفت الافتتاحية أيضا إلى وجود ظاهرة مشتركة بين تونس، في ظل
حكم بن علي، وبين العديد من الدول العربية الأخرى، ألا وهي ظاهرة العدد
المتزايد من خريجي الجامعات، وتقاطعها مع تراجع قدرة الحكومات على
إيجاد فرص العمل في بلدان غالبا ما يعاني القطاع الخاص فيها من عدم
القدرة على التطور.
وتضيف: "لهذا السبب فإنه يتعين على الحكومات من المغرب إلى الجزائر،
وعلى طول ساحل البحر الأبيض المتوسط، إلى مصر، فالأردن، فسورية، فمنطقة
الخليج، أن تراقب ما يجري في تونس وتقرع لأنفسها أجراس الخطر".
التداعي القريب
اما صحيفة الإندبندنت أون صنداي هي الأخرى تعزف على الوتر ذاته،
فتعنون تقريرها الرئيسي على صدر صفحتها الأولى بالسؤال التالي: "بعد
تونس، هل ستتداعى الأنظمة الأخرى في شمال أفريقيا، وما هي المخاطر؟"
وترفق الصحيفة التقرير بصورة كبيرة للعلم التونسي على صفحتها الأولى،
لتتماهى مع ظل متظاهر ملثَّم يرفع يده ليرمي حجرا، كناية عن "ثورة"
التونسيين الذين تمردوا على نظام بن علي فأسقطوه في غضون ساعات.
وعلى كامل صفحتيها الثانية والثالثة تفرد الصحيفة مساحة واسعة
لتقريرها المصوَّر عن تطورات الأحداث في تونس أيضا، والذي جاء بعنوان:
"الانتفاضة تجلب الفرحة لتونس والخوف لمستبدي المنطقة".
وإلى جانب صورة الرئيس التونسي المخلوع والثائرين في وجهه من
المحرومين والمضطهدين في تونس، تنشر الصحيفة أيضا صورا لقادة كل من مصر،
حسني مبارك، وليبيا، معمَّر القذافي، والجزائر، عبد العزيز بوتفليقة،
بالإضافة إلى رئيس الوزراء المغربي، عباس الفاسي.
وترفق الصحيفة أيضا الصور والتحقيق بخريطة للمنطقة، وبمعلومات
وحقائق تتعلق بتلك البلدان، بما في ذلك عدد سكان كل منها، وطبيعة نظام
الحكم فيها، وإضاءة على ما ينذر بالخطر أكثر من غيره في تلك البلدان.
ومن وراء كل هذا وذاك رسالة لمن يهمه الأمر بشأن ما يمكن أن تؤول
إليه ألأمور بعد أحداث تونس الأخيرة، وانعكاساتها على دول المنطقة.
صحيفة الصنداي تلجراف تفرد أيضا مساحة واسعة لمتابعة التطورات في
تونس، إذ تعنون على صفحتها الأولى: "المسلحون التونسيون واللصوص
يجتاحون الشوارع والمنتجعات مع انهيار الوضع الأمني".
وعلى الصفحتين الثانية والثالثة نطالع أيضا مجموعة تقارير مصورة
يتحدث أولها عن "البريطانيين المذعورين الذين اختبأوا في شوارع تونس
المحترقة"، والثاني عن "صعوبة معرفة من بإمكانه أن يضع حدا للعنف في
البلاد"، وثالثها عن "جشع الرئيس وزوجته مصففة الشعر".
أمَّا على الصفحة 19 من الصحيفة نفسها، فنطالع تحقيقا مصوَّرا
مطوَّلا لريتشارد سبنسر تحت عنوان "لماذا لن تزهر ثورة الياسمين".
يقول سبينسر في تقريره: "لقد أحدث الانقلاب في تونس صدمة وهزة عبر
العالم العربي، ولكن لا تتوقعوا عهدا جديدا من الإصلاح الديمقراطي".
وقد سلَّط التقرير الضوء على احتشاد عدد من التونسيين وسط العاصمة
المصرية القاهرة للاحتفال بسقوط نظام بن علي، وكيف انضم إليهم عدد من
الشباب المصري الذي راح يهتف: "لقد جاء دوركم أنتم أيها المصريين".
القذافي: ويكيليكس ضحك عليكم
من جهته عبر الزعيم الليبي معمر القذافي عن المه الشديد لازاحة
الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي من السلطة، معتبرا أن موقع
"ويكيليكس" قد ضلل التونسيين بنشر معلومات كاذبة.
وقال القذافي في كلمة موجهة للشعب التونسي إنه "متألم جدا" لازاحة
بن علي عن السلطة، مضيفا أنه "لايوجد أحسن منه في هذه الفترة" لتولي
الحكم في تونس حسب رأيه.
وتابع مخاطبا الشعب التونسي، في أول كلمة علنية لزعيم عربي بشأن
التطورات في تونس، "ان شاء الله تعودون لرشدكم وتضمدون جراحكم".
واضاف أن من غير المقبول "ان تحرقوا تونس ويموت أولادكم لكي تحاكموا
واحدا فاسدا، ويضحك عليكم ويكيليكس الذي يسميه الناس (كلينكس) وينشر
معلومات كتبها السفراء الكذابون لكي يخلقوا بلبلة".
وانتقد القذافي المعلومات التي تبث على الانترنت ومواقع التواصل
الاجتماعي، معتبرا أنها تنشر الشائعات. وأضاف "الانترنت الذي اي واحد
اهبل يسكر ويحط فيه اي كلام وانتم تقرؤونه وتصدقونه".
وتابع قائلا "المفروض انه عصر الديموقراطية، كل شيء بالانتخاب
بالاستفتاء، وليس بالاشاعات والفيسبوك واليوتيوب والكلينكس"، في تحريف
لاسم موقع ويكيليكس.
وقال إنه كان على التونسيين مطالبة بن علي بتطبيق "النظام الجماهيري"
وهو النظام المطبق في ليبيا.
وأشاد القذافي بحكم بن علي الذي تمني أن يبقى في الحكم "ليس الى
2014، بل ان يبقى مدى الحياة"، مضيفا أن "الزين (زين العابدين بن علي)
حتى الآن افضل واحد لتونس وعمله جعل تونس في هذه المرتبة".
ووامتدح بن علي متسائلا "ماذا عمل الرجل لتونس غير الاشياء الحسنة؟",
مؤكدا انه زار تونس مرات عدة ووجد ان "الناس مرتاحون".
وقال ان بن علي "ما زال يحكم بموجب الدستور وهو رئيس تونس حتى 2014
بحكم الدستور ما زال هو الرئيس الشرعي".
وانتقد القذافي اعمال العنف التي ادت الى اسقاط بن علي، مضيفا أن
تونس "كانت بلدا هادئا مطمئنا مسالما، التنمية ماشية فيها فرص العمل
ماشية فيها". وتابع قائلا "فاذا بها في يوم واحد يخربونها، يخربون
بيوتهم بأيديهم".
وانتقد التغيير الذي حدث في تونس، متسائلا "هل هناك ثورة محترمة
تذهب للسجن وتخرج عتاة المجرمين القتلة الى الشارع ليخرجوا في الليل
بسكاكينهم يروعون العائلات التونسية وعشرات المساكين الذين في السجن
يتم قتلهم في السجن؟".
ودعا القذافي الشعب التونسي الى "احترام الدستور"، مضيفا "واذا كنتم
لا تريدون زين العابدين بعد 2014 (الموعد الذي كان مقررا للانتخابات
الرئاسية) حتى لو كان سيرشح نفسه نقول: لا نحن لا نعطيك اصواتنا". وأضاف
"اذا كنتم لا تريدونه الآن اعملوا إستفتاء عليه".
سعوديون يرفضون الرئيس المخلوع
الى ذلك رفض العديد من المواطنين السعوديين أن تكون بلادهم ملاذا
آمنا للرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، في حين رأى آخرون أن
السعودية، التي "أعزها الله بالإسلام"، لا يمكن أن ترّدَّ الزعيم
المطرود، كما حدث مع الرئيس الاوغندي عيدي أمين، لأن بلاد الحرمين هي
مأوى لكل مُسلم.
وكان الديوان الملكي قد أعلن أمس الجمعة أن حكومة المملكة "انطلاقا
من تقديرها للظروف الاستثنائية التي يمر بها الشعب التونسي الشقيق،
وتمنياتها بأن يسود الأمن والاستقرار في هذا الوطن العزيز على الأمتين
العربية والإسلامية جمعاء، وتأييدها لكل إجراء يعود بالخير للشعب
التونسي الشقيق، فقد رحبت بقدوم فخامة الرئيس زين العابدين بن علي
وأسرته إلى المملكة". وأعلنت في نفس الوقت "وقوفها التام إلى جانب
الشعب التونسي الشقيق".
غير أن الكثير من السعوديين، الذين عبروا عن آراءهم في على صفحات "التعليقات"
في الصحف المحلية وعلى المواقع الإلكترونية، رأوا في هذا البيان "تناقضا
صارخا" بين "حرص المملكة على خير الشعب التونسي" والترحيب" ب"مجرم طرده
شعبه بعد أن أذاقه الأمرين لأكثر من عقدين". بحسب شبكة راصد الإخبارية.
وقصر الملك فيصل للضيافة في جدة حيث يقيم الرئيس التونسي
المخلوعوتساءل أحدهم: "لماذا نستضيف من منع الحجاب بالجامعات ومنع أداء
فريضة الحج بحجة أنفلونزا الخنازير؟ كيف ننعته بفخامة الرئيس؟ ولماذا
نعطيه الشرعية؟ هذا امتهان للشهداء الذين سقطوا على يدي هذا الجزار. لا
أهلا ولا سهلا يا فخامة الرئيس بن علي! سكان المملكة العربية السعودية
لا يرحبون بك".
وتساءل آخر في مقال مطول: "هل نقبل باستهانة آل سعود بنا؟ وبأن تكون
بلادنا ملجأ وملاذا للمجرمين والطغاة والمستبدين؟
وأضاف: "بلادنا الطاهرة ملجأ للعلماء وطلاب العلم والمضطهدين وقاصدي
بيت الله وليست ملاذا للطغاة والمجرمين الذين سفكوا دماء شعوبهم... فمن
يأوي مجرم هو مجرم مثله بلا شك... والطيور على أشكالها تقع".
رسائل تحذيرية من "ثورة الياسمين"وذهب أحدهم إلى القول: "الشعب هنا
يعاني من البطالة وارتفاع الأسعار والفساد وغياب الحريات، الشعب هنا
مضطهد ومقهور كما كان حال الشعب التونسي. الشعب يريد الخلاص من طغاته
وليس زيادتهم بطغاة آخرين مطرودين من قبل شعوبهم".
وكان العديد من الصحف المحلية التي تحاشت في البداية التعليق على
الاحتجاجات علي البطالة التي انطلقت شرارتها منذ حوالي شهر من سيدي
بوزيد التونسية لتعلق بالثوب الجزائري، قد بدأت تطلق منذ حوالي أسبوع
رسائل تحذيرية لكل الدول العربية، من بينها السعودية، البلد السابح فوق
بحر من النفط والذي يمتلك أكبر مخزون بترولي في العالم، ولكن يئن هو
الآخر من الفقر والبطالة.
في المقابل، رأى البعض في استقبال السعودية للرئيس التونسي السابق
"الذي رفضت استقباله فرنسا والدول القريبة منه، موقفا شجاعا ويدل على
عروبتنا وشهامتنا".
وقال آخر: "المملكة العربية السعودية تعتبر الأم للدول العربية،
وهذا ليس بغريب على هذه البلاد التي تبذل ما تستطيع في سبيل وحدة صف
العربي".
وأستعرض ثالث "دوافع السعودية في استقبال القيادة التونسية"، قائلا
"لا يدرك البعض الأهداف السامية من استقبال السعودية للسيد زين
العابدين بن علي وأسرته" ومن أهمها "حفظ ماء وجه زعيم عربي" حتى "لا
يترك لمصيره مع عصابات اليهود".
المعارضة السعودية تعتذر للشعب التونسي
أما "الحركة الإسلامية للإصلاح"، المعارضة والتي تتخذ من لندن مقرا
لها، فقد باركت للشعب التونسي "خلاصه من بن علي" وتبرأ ت، باسم شعب
بلاد الحرمين، من استضافة في جدة"، في بيان منشور على موقعها
الألكتروني. |