المنبر الحسيني ودوره الثقافي التوجيهي

رؤى من أفكار الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: لا يمكن للإنسان أن يستغني عن الفكر او التعليم او التثقيف طالما كان حاضرا بين الناس ومتحركا في المجتمع في ميادين الحياة المتنوعة، فهو غالبا ما يكون محتاجا الى التوجيه كي لا تزل قدمه وتأخذه في مسارات الانحراف وهو في غنى عنها، ووسائل التثقيف والتنوير والتوجيه كثيرة ومتعدد، وتختلف من مجتمع الى آخر.

أما المنبر الحسيني فهو أحد أهم منابر التعريف والتوجيه في المجتمعات الاسلامية، وله دوره الكبير والواضح في صيانة نفس الانسان وحمايتها من الانزلاق الى مهاوي الرذيلة على حساب الفضيلة، ناهيك عن دور المنبر التنويري في مجالات مختلفة ومتعددة تكتظ بها الحياة وحراكها المتنوع الذي يجبر الانسان على الاحتكاك مع الآخرين والعمل معهم وبينهم مما يتوجب عليه أن يحفظ نفسه من الشطط بسبب تبادل المصالح وتداخلها وميول النفوس الى السهل المفيد الممتع حتى لو كان ذا خطر عليها سواء في الحياة الآنية ونتائج الاخطاء المترتبة على ضعف النفوس، او في الحياة الاخرى حيث الحساب يطول الانسان ويضعه في ميزان الثواب والعقاب بلا أدنى شك.

لهذا يعتبر المنبر من أهم وسائل توعية الناس، إذ يقول الامام الراحل آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره) في كتابه القيّم الموسوم بـ (الحسين مصباح الهدى) حول هذا الموضوع، إن المنبر:

(يبني الإنسان ويقوّمه ويوجّهه الوجهة الصحيحة نحو هدفه الذي خلق من أجله، وهو الوصول إلى كماله الذي يربطه بالله عزوجل، وخلاف ذلك لا يكون المنبر إلا أعواداً لا قيمة لها).

لهذا السبب يعتبر المنبر الحسيني من وسائل التثقيف التي ترسخ الايمان في ذات الانسان وتنمي مداركه وتفتح أمامه آفاق المعرفة والفرز بين الصالح والطالح من الامور وهو بأمس الحاجة الى مثل هذه المعرفة والتفريق بين ما يسيء له وبين ما ينفعه، والايمان يعني ترسيخ العقائد بعد فهمها وهضمها ومعرفتها وهو ما يقوم به المنبر الحسيني، كما يقول الامام الشيرازي بهذا ىالصدد في الكتاب نفسه:

(المنبر الحسيني في رؤية الإمام الشيرازي (يرسخ العقائد والأفكار بشكل تفصيلي ودقيق.. ينهض المستمع من تحته بعقيدة وفكر راسخ، وروح قوية).

ولا يكتفي المنبر بكونه وسيلة للمعرفة والتنبيه بتحذير الانسان من مهالك الدنيا وتحصينه أخرويا، بل هناك مهمة التوعية التي يقوم بها المنبر لجميع الناس وهم يتعاملون مع تفاصيل الواقع اليومي الذي يعيشونه، كما ينبغي أن يقوم بتسليط الضوء على مستجدات الواقع وتداخلاته سواء في السلب أم الايجاب، إذ يقول الامام الشيرازي بهذا الخصوص بكتابه المذكور سابقا:

(ولعل من أظهر أدوار المنبر أثره في توعية الناس، ووضع أيديهم على العلل والأسباب الحقيقة للأحداث.. والخطيب الذي يصعد المنبر يجب أن يعطي هذه النقطة حقها من التحليل والتفصيل، ويربطها بالواقع الحاضر.. بالإضافة إلى ذلك، التنبيه على الأخطار والمخططات التي قد تلحق بالأمة جراء التصرفات الخاطئة).

فالوعي يعتبر من الاهداف المهمة التي تُناط بخطيب المنبر الحسيني، ومن المهام الكبيرة التي ينهض بها المنبر الحسيني هي بناء الانسان القوي القادر على مواجهة المصاعب مهما كبر حجمها او استعصى أمرها، ولا يصح الهروب منها قط، إذ ينبغي لخطيب المنبر أن يدفع الانسان الى فهم المشكلة ودراستها بصورة دقيقة من خلال مساعدته على ذلك، ثم اتخاذ الخطوات الصائبة بهذا الشأن.

ويصوّر الإمام الشيرازي دور المنبر من خلال حاجة الإنسانية في وجودها إلى (صناعة إنسان قوي في مواجهة صعوبات الحياة المادية ومواجهة الأمواج والتيارات والأعاصير الفكرية المنحرفة.. وإلى صناعة إنسان مؤمن بعقيدته الربّانية وفكره الإلهي، وكل ذلك لا يكون إلا ببناء داخل الإنسان بالإنبات الحسن المثمر، والمنبر الحسيني أحد الأدوات المهمة في طريق الإنبات والتربية وترسيخ الإيمان).

ويبقى دور المنبر الأهم هو بناء الانسان بصورة جيدة تجعله قادرا على التعاطي مع مشكلات الحياة ومصاعبها بطريقة سليمة، من خلال البناء السليم لشخصية الانسان، حيث يعمل المنبر على مساعدة الانسان في بناء ذاته كما ينبغي للذات الناجحة ان تكون، ويؤكد الامام الشيرازي، في هذا المجال، على أهمية أن يكون المنبر هادفاً.. (فهو أحد الوسائل التي أسسها رسول الله ? وهدفها الأول والأخير بناء الإنسان وذاته، حتى يكون قوياً في الصراعات، وقوراً في الشدائد والأزمات.. وإذا كان ـ المنبر ـ قاصداً للصالح العام ولخير المجتمع فهو هادف، وهدفه مشروع).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 17/كانون الثاني/2011 - 11/صفر/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م