تابعت خطاب السيد الرئيس بن علي وقد أصبت بالدهشة. لم أتصور هذا
الكم من الوداعة والحنان الذي خاطب به شعبه وهو يؤكد : لقد فهمتكم. نعم
الرئيس منذ أكثر من عشرين عاماً، قد فهم ما الذي تريدون منه أيها
التوانسة، فلتزغرد نسائكم، وليرقص رجالكم فرحين بدلاً من التظاهر
والموت برصاص القناصة من رجال أمنه، وليهنئ بعضكم بعضاُ... أخيراً قد
فهم السيد الرئيس!
نعم بعد أكثر من عشرين سنة رئاسية، وثلاثون سنة من الخدمة لتونس –
كما قال – قد فهم السيد الرئيس إن تونس تحترق.
بعد كل هذه العقود الطويلة الثقيلة من الزمن أكتشف، سيادته، إن شعب
تونس لا يمتلك الخبز ولا العمل ولا الحرية. الذنب ليس ذنبه وإنما ذنب
من غلطوه وغشوه من مستشارين وحزبيين ووزراء فاسدين ولم يخبروه الحقيقة.
أما الفساد، نعوذ بالله منه، فلم يعرف به فالرئيس يقبل بكل شيء إلا
الفساد، لماذا لم يخبره أحد بأن أقاربه وأزلامه وأصحاب رؤوس الأموال
الطفيليين الشرهين والمقربين والمتزلفين قد (شفطوا) ونهبوا كل شيء؟
لقد تصور أن هنالك عصابات قليلة قد جاءوا من جزر الواق واق، وليسوا
من أهل تونس كانت وراء هذه الأحداث والذين استغلوا بعض التظاهرات
المشروعة التي طالبت بأشياء بسيطة وهي إيجاد الفرص لتشغيل مئات الآلاف
من العاطلين بدلاً من جعلهم أكلاً للأسماك في البحر وهم يهربون من جنته
ومعجزته الاقتصادية، وكذلك القضاء على الفساد المستشري وإنهاء معاناة
الأسر التونسية من إخطبوط الغلاء الفاحش، ونزع الكمامات عن أفواه
الناس، وإطلاق الحريات وو... غيرها من المطالب البسيطة للشعب التونسي.
نعم لم يعلم، ولي الأمر حفظه الله، بما جرى ويجري إلا بعد أن أحرق
الشاب العاطل عن العمل نفسه أمام رمز الدولة في بلدته وخروج الشعب أثر
ذلك بأغلبيته الساحقة ليقول للسيد الرئيس:
كفى.. كفى، أرحل،
ولكن هنالك سؤال بريء: هل حقاً إن السيد الرئيس قد فهمكم أيها
التونسيون؟!
|