كل شيء داخل نفوسنا

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: في بحثه عن السعادة وضع الانسان من خلال جهود الفلاسفة كثيرا من القواعد والشروط، قسم منها يبحث عن السعادة خارج نفس الانسان وقسم اخر يجدها في داخله.

اذا اردت السعادة ففتش عنها في داخلك هكذا يخبرنا الحكماء وبداية الرحلة هي (اعرف نفسك اولا) تلك المقولة الخالدة التي نسبت الى اكثر من واحد مع الارجحية لطاليس الذي يؤكد في فلسفته أن (الروح الإلهية) تسيطر على مختلف ظواهر وحوادث الحياة البشرية والظواهر الكونية، وإن بإمكان الإنسان السيطرة على جسمه وحياته وتحقيق رغباته، وشهواته من خلال الحكمة وهذا ما وصلت إليه الحكمة اليونانية في (اعرف نفسك أولاً).

وامتدادا لهذه الحكمة قال امير البلغاء والمتكلمين الامام علي (ع):

وتحسبُ أنك جرمٌ صغير... وفيك أنطوى العالم الأكبرُ

والمعرفة تقتضي البحث والتساؤل وقد بحث اولئك الحكماء والفلاسفة وعلى مر العصور داخل تلك النفس التي وصفها القران الكريم ببلاغة رائعة في قوله تعالى (و نفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها).

هناك قصة رمزية يمكن استنباط القواعد الخمسة للسعادة منها، وهي قصة الحصان الذي وقع في بئر، وملخص القصة هو:

وقع حصان أحد المزارعين في بئر مياه عميقة ولكنها جافة، وأجهش الحيوان بالبكاء الشديد من الألم من أثر السقوط واستمر هكذا لعدة ساعات كان المزارع خلالها يبحث الموقف ويفكر كيف سيستعيد الحصان؟ ولم يستغرق الأمر طويلاً كي يُقنع نفسه بأن الحصان قد أصبح عجوزًا وأن تكلفة استخراجه تقترب من تكلفة شراء حصان آخر، هذا إلى جانب أن البئر جافة منذ زمن طويل وتحتاج إلى ردمها بأي شكل. وهكذا، نادى المزارع جيرانه وطلب منهم مساعدته في ردم البئر كي يحل مشكلتين في آن واحد؛ التخلص من البئر الجاف ودفن الحصان. وبدأ الجميع بالمعاول والجواريف في جمع الأتربة والنفايات وإلقائها في البئر.

في بادئ الأمر، أدرك الحصان حقيقة ما يجري حيث أخذ في الصهيل بصوت عال يملؤه الألم وطلب النجدة، وبعد قليل من الوقت اندهش الجميع لانقطاع صوت الحصان فجأة، وبعد عدد قليل من الجواريف، نظر المزارع إلى داخل البئر وقد صعق لما رآه، فقد وجد الحصان مشغولاً بهز ظهره كلما سقطت عليه الأتربة فيرميها بدوره على الأرض ويرتفع هو بمقدار خطوة واحدة لأعلى!

وهكذا استمر الحال، الكل يلقي الأوساخ إلى داخل البئر فتقع على ظهر الحصان فيهز ظهره فتسقط على الأرض حيث يرتفع خطوة بخطوة إلى أعلى. وبعد الفترة اللازمة لملء البئر، اقترب الحصان من سطح الأرض حيث قفز قفزة بسيطة وصل بها إلى سطح الأرض بسلام.

وبالمثل، تلقي الحياة بأوجاعها وأثقالها عليك، فلكي تكون حصيفًا، عليك بمثل ما فعل الحصان حتى تتغلب عليها، فكل مشكلة تقابلنا هي بمثابة عقبة وحجر عثرة في طريق حياتنا، فلا تقلق، لقد تعلمت توًا كيف تنجو من أعمق آبار المشاكل بأن تنفض هذه المشاكل عن ظهرك وترتفع بذلك خطوة واحدة لأعلى.

يلخص لنا الحصان القواعد الخمسة للسعادة بعبارات محددة كالآتي:

اجعل قلبك خاليًا من الكراهية.

اجعل عقلك خاليًا من القلق.

عش حياتك ببساطة.

أكثر من العطاء.

توقع أن تأخذ القليل.

الكره شعور نفسي سلبي يجعل الفرد الذي يحمله غير محبوب، وتبدأ أشعة ما لا نراها وانما نحسها فعندما نحمل هذه الصفة نشعر بالضيق والكآبة والتعب ويبدأ الشعور بالكره هذا بالسيطرة على الفرد وكـأنه خلية سرطان سرعان ما تتوسع وتنتشر في نفس الفرد حيث انها تبدأ صغيرة ولكنها تكبر يوما عن يوم الى ان تأكل صاحبها.

ان صور الكره كثيرة تبدأ من جانب واحد ولكنها تأخذ صفة الشمولية فمنها الكره الشخصي ومنها الكره الديني وغيرها.

لقد نادت جميع الاديان السماوية باقتلاع جذور الكره واستبدالها بشعور المحبة التي هي بلسم في شفاء كل الامراض.

أن العيش على إيقاع الحقد والكراهية يعمل على تسميم الحياة اليومية ويبعث على الكآبة والحزن وبالتالي يشل كل إمكانية للشعور بالسعادة والمرح مهما توفرت الشروط لذلك.

ومن زاوية فزيولوجية فإنه يؤدي إلى ارتفاع الضغط وإحداث الكثير من الاختلالات في الوظائف الجسدية كعسر الهضم، والشعور بالإنهاك والتعب وانسداد شهية الأكل وما ينجم عن ذلك من انحسار مستوى الإقبال على الحياة.

من منا لم يخبر هذا الشعور إثر نزاع أو تصادم مع شخص ما سواء في حياته الخاصة أو المهنية أو الاجتماعية بمختلف مجالاتها.

هذا إذا لم نقل بأن سقف التوترات غالبا ما يعيق اوكسجين الحياة الطبيعية عبر الكثير من

تفاعلاتنا.

ان القدرة على التسامح كقيمة أخلاقية وفعل سلوكي له بالتأكيد فوائد اجتماعية ونفسية وعقلية غنية عن البرهان. بل كإحدى أدوات تدبير الخلافات والنزاعات الملازمة لمختلف تفاعلاتنا.

لكن هل نستطيع جميعنا استبطان هذه القيمة الأخلاقية الكبرى وتحويلها إلى سلوك يسهم في سلاسة علاقاتنا الاجتماعية؟

لا شك أن ذلك يتطلب مجهودا كبيرا من طرف كل واحد منا، ولعل أول مجهود يبدأ بالاقتناع بأهمية هذه القيمة الأخلاقية وتحويلها إلى سلوك عملي يحضر باستمرار وتواتر في مختلف تفاعلاتنا.

ولتسهيل هذه المهمة أورد فيما يلي المراحل التي يجب التمرن عليها حسب الأخصائي النفسي Nicolas Sanders–- بنوع من التصرف:

المرحلة 1: أن نقبل بمراجعة الوضع حيث نبدأ باتخاذ مسافة تمكننا من رؤية الأمور بموضوعية أكثر. لاشك أن هذه المسافة ستجعلنا نحلل الأمور بطريقة مختلفة عن تلك التي باشرنا بها الأمور و نحن مقتنعون بأننا مجرد ضحايا للآخر الذي نعتقد جازمين في اعتدائه علينا بشكل من الأشكال.

المرحلة 2: الاستعداد لإقرار العفو والتهييء النفسي لاتخاذ هكذا موقف.

المرحلة 3: نحاول استشعار نوع من التعاطف مع المذنب أو المعتدي أو من أخطأ في حقنا ونغير موقعنا من موقف الضحية إلى موقع المتفرج أو الفاعل. لاشك أن هذه المرحلة تجسد نقلة نوعية في عملية التغيير المراد إنجازه.

فمن الضروري محاولة تفهم سلوك الآخر من خلال تحليل مختلف حيثياته وقد يفضي بنا ذلك إلى الشعور بنوع من التعاطف. عندما نتوصل لتحقيق ذلك ننتقل للمرحلة التالية.

المرحلة 4: التخلص النهائي من مشاعر العداء أو الكراهية التي تجعلنا نتألم كلما تذكرنا الواقعة, وهي مرحلة تشبه عملية التقيؤ حيث تتخلص المعدة من المواد غير المرغوبة فكذلك على المستوى النفسي يمكن أن نقوم بنفس الشيء لتطهير المشاعر وتحويلها نحو ما هو إيجابي ولا بد من التذكير بأن العفو أو السماح ليس هو النسيان. ولا يمحي الواقعة بشكل نهائي. مالا نستطيع تجاوزه يتحدد حسب الوعي الخاص لكل منا للحادث أو الواقعة، مع ذلك فإن القدرة على التسامح لها فوائد جسمانية وعقلية، وبالتالي ففعل التسامح ينبئ عن نبل السلوك والشخصية ويؤهلنا لعلاقات اجتماعية أكثر سلاسة ونجاحا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 16/كانون الثاني/2011 - 10/صفر/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م